منذ أسبوعين، عاد أبناء عمي من الخارج، وكانت أول وجبة يطلبونها هي الطعام الصيني الهندي. وطوال الفترة التي قضوها هنا، التهموا كميات هائلة من «الشومين» والأرز المقلي ودجاج «المنشوريان» والجبن بالفلفل الحار والدجاج الحار و«الجوبي منشوريان»، قائلين: «أوه! الطعام الصيني بالنكهات الهندية هو أفضل طعام على الإطلاق في العالم بأسره».

تلقى الأطعمة الصينية إقبالا كبيرا في الهند، ولكن مع مرور الوقت، اكتسبت طريقة الطهي الصينية الطابع الهندي، وظهرت مدرسة جديدة في الطهي اسمها الطعام الصيني – الهندي. وقد خطرت لي فكرة أن أصطحب القراء في جولة للتعرف على المطبخ الصيني الهندي والفارق بينه وبين المطبخ الصيني الأصلي.

وعلى الرغم من أن الهند والصين جارتان، لم تكن بينهما أي خلفية مشتركة في ما يتعلق بالطهي، فالطعام الصيني يختلف تماما عن الطعام الهندي، والمطبخ الصيني يعتبر الأكثر تفضيلا في الهند بعد الطعام المحلي. ويقوم المطبخ الصيني – الهندي على التوفيق بين أساليب الطهي والتتبيل الصينية والنكهات الهندية. ويقال إن المطبخ الصيني الهندي نشأ على يد الجالية الصينية الصغيرة التي استقرت في شبه القارة الهندية في القرن الثامن عشر، وبالذات في الشرق في مدينة كلكتا، التي كانت حينها عاصمة الهند البريطانية، وأسهل منطقة حضرية يمكن الوصول إليها برا من الهند، وكان يعيش فيها أكبر عدد من السكان الهنود الصينيين في البلاد.

ورغم أن الصينيين ظلوا يزورون الهند لآلاف السنين سعيا وراء التعاليم البوذية، كان يانغ تاي شو هو أول صيني يسجل التاريخ أنه هاجر إلى الهند بحثا عن فرص مادية أفضل. ومنذ أن وضع قدمه في كلكتا عام 1778، تبعه كثيرون معظمهم من شعب «الهاكا»، ومع أوائل القرن العشرين، كان هناك حي للصينيين قد ظهر في كلكتا، وكان له ازدهار وصيت كبيران في مجال الأعمال التجارية. ومع وجود إحساس بالحنين إلى طعم الوطن يمتزج بالحاجة إلى التكيف مع البلد الجديد، مزج الصينيون بين نكهات الطعام الهندية ومطبخهم التقليدي، مما أدى إلى ظهور المطبخ الجديد المعروف شعبيا باسم «المطبخ الصيني الهندي».

وكان مطعم «يو تشو» هو أول مطعم صيني هندي يفتح أبوابه في كلكتا، وأغلب الظن أن الناس كانوا يخرجون من هذا المطعم ممتلئين بالطعام والإعجاب ليخبروا غيرهم ممن لم يجربوا ذلك المطبخ الجديد ذا الأصول الأجنبية، ولكنه في نفس الوقت حار ولذيذ مثل مطبخهم تماما.

وسرعان ما انتشرت المطاعم الجديدة في أنحاء كلكتا، وظهرت أسماء شهيرة مثل «فات ماما» و«كيم فا»، لتقدم أطباقا أحدث بها مكونات وأسماء أجمل مثل «أوغست مون رولز» و«فايري دراغون تشيكن». وقبل أن يدرك أحد، كانت الأطعمة الصينية الهندية قد داعبت غدد التذوق عند الناس في كل مدينة وقرية في مختلف أرجاء الهند.

ما الذي يجعل الطعام الصيني بهذه الشعبية المذهلة؟ تكمن الإجابة عن هذا السؤال في الطعام الهندي نفسه، فبعد أن اكتشف الصينيون أن الهنود يحبون طرق إعداد الطعام التي تستعمل التوابل والزيوت، كان كل ما فعلوه هو أنهم قاموا بإضافة التوابل والشحوم إلى طعامهم، مما أوجد مزيجا رائعا ومسيلا للعاب.

وما يميز الطعام الصيني – الهندي عن الطعام الصيني هو المكونات، فرغم أن طرق الطهي ظلت واحدة، فإن ما يوضع في الطبق مختلف تماما. وإلى جانب استعمال الخضراوات واللحوم المتاحة محليا، فإن استعمال البهارات مثل حبوب الكمون والكزبرة وغيرها من التوابل الصحيحة في طهي الأطباق الهندية، ودقيق الذرة في إعطاء الكثافة وكغطاء خارجي، والماغي الأبيض في تحسين النكهة «الصينية»، وجرعة زائدة من الشطة والثوم والزنجبيل، ويختتم كل هذا بكميات كبيرة من صلصة الصويا، كل هذا هو ما يعطي الطعام الصيني – الهندي تلك النكهة القوية الحارة التي تميزه.

من يحتاج إلى الطعام الصيني الأصلي غير الحريف بينما يوجد أمامك قريدس أو سمك أو دجاج حريف بالشطة والثوم؟ أو شعرية بطريقة «الهاكا» (وهي شعرية مخلوطة بالثوم والكثير من الفلفل الحار والكرنب والفلفل الرومي والجزر والماغي الأبيض والصويا وصلصة المحار والخل ومزينة بالبصل الأخضر)؟ أو مصاصة الدجاج (وهي عبارة عن أجنحة دجاج محشوة بصورة بارعة بكمية أكبر من اللحم ومغموسة في مخيض اللبن أحمر ومقلية جيدا)؟ أو لحم الحمل المقلي الهش المقطع طوليا وعليه الكثير من الشطة الحمراء المخفية جيدا لدرجة أن دموعك تسيل مع كل قضمة؟

مع الوقت استقرت هذه الأطباق في أعماق المطبخ الهندي، وأصبحت من أساسيات الطعام الصيني الهندي. ومما يرسخ الإحساس بالراحة تجاه الطعام الصيني – الهندي طريقة التزيين، فمعظم الأطباق تغطى بأوراق الكزبرة الطازجة وكذلك (على حسب الطبق) البصل المقطع إلى شرائح. ويتم تقليديا تقديم أطباق الأغذية غير الرئيسية مع كميات كبيرة من مرق اللحم، وإن كان يمكن أيضا طلبها جافة أو من دون مرق.

ولا يقدم الطعام الصيني – الهندي في المطاعم الكبيرة والصغيرة فحسب، بل يقدمه أيضا الباعة الجائلون على عربات اليد وأكشاك الطعام على الطرق السريعة وعربات «الشومين» المتنقلة، وحتى أكلات الشارع الهندية الكلاسيكية أصبح لها مقابل صيني مع «البيل الصيني» و«السيشوان دوسا» و«الشوين باراثا».

وفي الهند، تحول «بانير» (جبن الحلوم الهندي) إلى «بانير» بالتوابل الصينية، واستبدل بكاري الدجاج الحار، واستبدل «بالباكورا» غير النباتية (قطع الدجاج المقلية في المخيض) «منشوريان» الدجاج أو الحمل أو القريدس، سواء الجاف أو بالمرق. ونظرا لأنه يكون هناك عادة نباتي واحد على الأقل في الأسرة الهندية، يتم سكب صلصة «المنشوريان» على «الجوبي» (القنبيط). ويعتبر البعض أن «الجوبي منشوريان» هو الحد الخارجي للصداقة بين الطعام الصيني والطعام الهندي.

ولكن مهلا. هل «المنشوريان» يعتبر طبقا؟ لا، ليس في الصين، ولكنه في الهند يعتبر مرادفا دقيقا للطعام الصيني.

ويعتبر «دجاج المنشوريان»، الذي يتكون من الدجاج بالخضراوات والصلصة الحارة، ابتكارا للمطاعم الصينية في الهند، وليس به أي شبه بالمطبخ الصيني التقليدي.

ويقال إنه ابتكر سنة 1975 بعد أن طلب أحد الزبائن في مطعم «تشاينا غاردن»، وهو مطعم الطعام الصيني – الهندي الأصلي في مومباي، أن يختار شيئا مختلفا من قائمة الطعام، فأخذ صاحب المطعم نلسون وانغ (الذي كان حينها المسؤول عن طهي الطعام الصيني) مكعبات من الدجاج وقام بتغطيتها بدقيق الذرة وقليها جيدا، ثم قام بإعداد صلصة حمراء من البصل والفلفل الأخضر الحار والثوم، وأضاف إليها بعض الخل والصويا، ووضع قطع الدجاج المقلي في الصلصة مع التقليب لفترة قصيرة حتى تمتزج النكهات، ثم قدمها مع الأرز المطهو على البخار أو المقلي. وقد أعجبت الزبائن كثيرا، وانتشر الإعجاب بهذا الطبق سريعا، كما يقول نلسون، إلى أن أصبح اليوم موجودا تقريبا في كل قوائم الطعام التي تقدم الطعام الصيني في البلاد.

إلا أن الهنود النباتيين أضافوا أطباقا جديدة من «المنشوريان» النباتي بها خضراوات مثل القنبيط والكرنب والقرع الحلو بل وبذور اللوتس أيضا.

كما أصبحت المطاعم الهندية تقدم مجموعة مختارة من الأطباق من مختلف مناطق الصين، وتكون مطهوة على البخار وشهية مثل الأطباق الأصلية، لكن اللمسة الصينية الهندية تكون موجودة دوما في نفس الصفحة.

ومع ظهور الجيلين الثاني والثالث من الهنود الصينيين، شرعوا في الهجرة إلى مناطق أخرى من العالم، وأخذوا يمارسون أكثر شيء يجيدونه وهو طهي الطعام الصيني الهندي. وقد أخبروني أنه حتى في أوروبا وأميركا هذه الأيام، إذا اشتهيت كمية إضافية من أحد أصناف الطعام، فإن هذا الطعام سيكون في الغالب قد جاء من الهند.

وتتوافر أنواع من الحساء مثل حساء «مانشو» وحساء الذرة الحلوة بنوعين: نباتية وغير نباتية، وهو منتشر للغاية مع المقبلات الأخرى مثل مصاصة الدجاج و«السبرنغ رولز» و«الوونتون» (أو «الوانتان»).

ويعتبر الأرز والشعيرية من الأصناف الأساسية في الطعام الصيني – الهندي إلى جانب الدجاج أو الجمبري أو «الهاكا» بالخضراوات المتنوعة، أو شعرية «السيشوان» المعروفة باسم «شومين»، وكذلك الأرز المقلي العادي أو المضاف إلى «السيشوان». وتوجد «الأميركان شوب سوي» وكذلك الأطباق الحلوة والحمضية في كثير من المطاعم، وبعض المطاعم الهندية الجنوبية تقدم أيضا «السبرنغ رولز» وأنواع «السيشوان دوسا».

ومن الأطباق الهندية الرائعة التي بها إضافات صينية «الشو شوشوري» من كلكتا، وفيه تمزج الخضراوات الموسمية البنغالية والصينية بعد تقطيعها إلى قطع صغيرة وتطهى حتى تجف ثم تضاف إليها التوابل البنغالية التقليدية وتنثر فوقها الشعيرية في النهاية. بعد ذلك يأتي خبز «الباراثا» الصيني، وهو عبارة عن خبز «الباراثا» الهندي التلقيدي (وهو نوع من الخبز الهندي المقلي فوق حلقة حديدية) ولكن بطريقة جديدة تماما، وهي حشوه «بالشومين». وهناك أيضا «البيل الصيني»، وهو طبق صيني مقرمش يباع في شوارع مومباي، ويتكون من الشعرية المقلية ومجموعة متنوعة من الصلصة الحارة والأرز المطهو جيدا. وبمجرد أن تتناول أحد هذه الأطباق المختلفة عن المعتاد، سيصبح رقم واحد في قائمة أطباقك المفضلة.

Avatar photo

By حواء مصر

محررة موقع حواء مصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *