تختلف طريقة استقبال معظم الآباء للمولود الثاني. فعندما يُرزقان بالمولود الأول، يُركز الأبوان أكثر على سرعة تعافي الأم من أجل إيلاء الاهتمام الكافي للمولود الجديد، ويجتهد الأب والأم معاً لبذل كل جهد لتعهد الرضيع بأحسن رعاية تتناسب مع المشاعر التي تنتابهما عند “الفرحة الأولى” بالأبوة والأمومة. أما عندما يُرزقان بمولود ثان، فإنهما يميلان إلى ممارسة رقابة ذاتية على عفوية تعاملهما مع المولود الجديد حفاظاً على مشاعر الأخ أو الأخت، ويجدان نفسيهما يُفكران مرتين أو أكثر قبل الإقدام على فعل أي شيء حتى يلبيا حاجات وطلبات الابنين معاً، لكن نجاحهما في تحقيق هذا التوازن يبقى إلى حد كبير رهيناً بردود فعل الأخ الأكبر، وبحنكة الأبوين. فهل يحضر كل أبوين ابنهما أو ابنتهما البكر لاستقبال الأخ القادم أو الأخت الجديدة؟ وهل يقومان بما يلزم لتقديم المولود الجديد إلى أخيه أو أخته بشكل يحببه إليه ويقوي رابطة الأخوة بينهما أم يسمحان لوافد الأسرة الجديد بخطف كل الأضواء وسحب جميع البُسُط الوثيرة من تحت أقدام الأخ الأكبر؟
و ينصح خبراء اجتماعيون الآباء بالتحدث إلى الابن الأكبر حول قرب موعد قدوم الأخ الجديد أو الأخت الجديدة، ويوصون الأم بأن تشرح له أو لها أن سبب انتفاخ بطنها هو إقبال أخ جديد سيرى النور قريباً، أو أن تطلب منه مساعدتها على اقتناء بعض أغراض المولود المنتظر، أو تحضير غرفته أو سريره أو مهده. كما يعتبرون أن الاستعانة بحصص تدريبية وتحضيرية عن كيفية النجاح في تحبيب المولود الثاني إلى أخيه المولود الأول، أو طلب مشورة اختصاصية اجتماعية أمر لا بأس به.
كسر الجليد
يُفضل للأم أن تشرح لابنها أن المولود المقبل قد ينام أو يصرخ طوال الوقت، وأنه لن يكون قادراً على اللعب معه منذ الأشهر الأولى. ولتقليل مخاطر إصابة الابن بالتوتر والغيرة السلبية عند قدوم المولود الجديد، ينبغي على الأم أن تفكر في مستقبل الأيام، وليس في ما يحدث في الوقت الراهن. وإذا كان الابن سيحتاج إلى تغيير ترتيب الغرفة لتسع الاثنين، أو الانتقال إلى سرير آخر، أو القيام بتغيير معين من أجل إتاحة مكان للأخ المولود حديثاً، فيجب على الأم أن تقوم بذلك قبل أن يحين وقت وضعها المولود الجديد. فذلك يمنح الابن فرصةً للتعود على الوضعية الجديدة قبل أن يتعاطى مع التغيرات الأخرى الجديدة المرتبطة بقدوم المولود الجديد.
ويُستحسن أن تُحاول الأم تدريب الابن البكر على استعمال المرحاض والحمام لوحده، وتفك ارتباطه بالحفاض قبل قدوم المولود الجديد، وإذا لم تستطع ذلك، فيمكنها إمهاله بضعة أشهر حتى بعد قدوم المولود الجديد ليصبح قادراً على القيام بذلك باستقلالية تامة. ويُفضل كذلك أن تقوم الأم بكل الترتيبات اللازمة لضمان الرعاية اللازمة لابنها أو بنتها البكر خلال وجودها في المستشفى أو العيادة، مع الحرص على إخباره بأنها ستعود حاملةً معها فرداً جديداً إلى البيت: أخ أو أخت.
وعندما تضع الأم مولودها الجديد، ينبغي على الأب أن يُحضر الابن البكر لزيارته في المستشفى أو العيادة ليراه ويستأنس به ولو لفترة قصيرة لكسر جليد علاقته الناشئة معه. وخلال هذه الزيارة، يُفضل أن تطلب الوالدة من زوجها حمل المولود الجديد حتى يتسنى لها احتضان ابنها البكر بين ذراعيها وضمه وإشباعه بالقبلات، كما يمكنها أن تُقدم له هديةً ما حتى ولو كانت عبارةً عن قميص مكتوب عليه “الأخ الأكبر أو الأخت الكبرى”، وتخبره بأنها مُهداة إليه من أخيه الصغير. وعند الرجوع إلى البيت، يمكن للأم أن تأخذ الابن البكر بعد تعافيها إلى مكان مميز ومفضل لديه للاحتفال بقدوم أخيه الصغير، ولو كان مطعماً أو أحد مرافق مدينة الأطفال المحببة إلى قلبه.
المرحلة العمرية
عمر الابن البكر ومدى نمو مداركه الشعورية والذهنية يؤثر على طريقة استقباله للمولود الجديد. فالابن البكر الأكبر سناً والذي لديه قدر أدنى من النضج الإدراكي يكون في العادة تواقاً ومتحمساً لاستقبال أخ أو أخت، بينما يكون الابن الأصغر سناً في الغالب حائراً أو منزعجاً. وينصح خبراء اجتماعيون الأمهات بالقيام بالخطوات الآتية لمساعدة الابن البكر على التكيف مع الوضع الجديد، وذلك حسب العمر:
◆ الابن الرضيع. فالمولود الذي يأتي قبل أن يطفئ أخوه البكر شمعة عيد ميلاده الثاني لا يستوعب جيداً ماهية قدوم أخ جديد أو أخت. ولذلك ينبغي أن يتحدث الأبوان معه بإيجابية عن الفرد الجديد في الأسرة والعائلة. ويمكن في هذا الصدد الاستعانة بكتب مصورة عن توسع الأسر، وانتقالها تدريجياً من أب وأم فقط إلى أبوين وابن واحد ثم اثنان أو ثلاثة، أو أكثر.
◆ ما بين عامين وأربعة أعوام. يميل الأطفال في هذه المرحلة العمرية إلى عدم الشعور بالارتياح للاهتمام الذي تُوليه الأم للمولود الجديد. ومن ثم وجب على الأم أن تشرح للابن البكر أن أخاه الصغير يحتاج إلى الكثير من الرعاية والاهتمام، وأن تُشجعه على المشاركة في الاعتناء به من خلال مرافقتها في مهمة للتسوق واقتناء أغراضه، أو البحث في أغراض الابن البكر القديمة عما يُناسب أخاه، أو عن الأشياء التي يمكنه استعمالها. وتُنصَح الأم أيضاً بأن تقرأ للابن البكر حول الأطفال الرضع والإخوة والأخوات، وأن تُهديه دميةً أو لعبةً للاعتناء بها ورعايتها كما تفعل هي مع مولودها الجديد. ومن الحكمة كذلك أن تستعرض الأم مع ابنها البكر صوره عندما كان طفلاً رضيعاً، وتُخبره بقصة ولادته ومدى فرحة أبويه به وأقاربه والكم الهائل من الهدايا التي تلقاها، وغير ذلك من الذكريات الجميلة.
◆ الابن الطالب. قد يشعر الابن الأكبر الذي يكون تلميذاً منتظماً في الدراسة بشيء من الغيرة من العناية الخاصة التي تُغدقها الأم على المولود الجديد. وإن لاحظ الأبوان ذلك، فيجدُر بهما التحدث إليه بشأن حاجات المولود الجديد، كما يمكنهما أن يُوضحا له أن له امتيازات أفضل من أخيه الصغير، مثل القدرة على النوم متأخراً عنه، أو اللعب بلعب لا يستطيع هو اللعب بها. ويمكن للأم أن تستعين برأي الابن في محاكاة لمسات التصميم الداخلي لغرفته في مهد أخيه أو الاقتباس عنها، كما يمكنها أن تطلب منه مساعدتها على الاهتمام بأخيه الرضيع، وبإمكانها أيضاً السماح للابن أو البنت بحمل المولود الجديد، لكن تحت ناظريها.
الرعاية والاهتمام
بصرف النظر عن عمر الابن البكر، يتعين على الأبوين أن يتأكدا من أنه يتلقى قدراً كافياً من الرعاية والعناية منهما ومن باقي أفراد العائلة عند قدوم المولود الجديد. فإذا التقطا صوراً أو مقاطع فيديو للمولود الجديد، فليحرصا على أن يكون الابن أو البنت البكر ضمنها، وليعملا أيضاً على أن يلتقطا صوراً فرديةً أو مقاطع بصريةً له لوحده، وأن يلتقطا أيضاً للمولود الجديد صوراً فرديةً خاصةً به. وتُنصح الأم بأن تمنح للابن البكر بضع هدايا بسيطة أو أن تضعها في متناول يده لتقديمها لأخيه الأصغر في حال حضر أطفال الأقارب وأبناء الجيران لتقديم هدايا لأخيه الأصغر.
وقد يُحاول الابن البكر لفت انتباه الأبوين، والأم على نحو خاص، عبر خرق بعض القواعد في البيت حتى عند إيقانه بأن ذلك سيُعرضه للعقاب. ولدفعه إلى التوقف عن ذلك، يُفضل الثناء عليه عند قيامه بسلوكات جيدة. وإنْ تبين للأم أن الابن يُسيء التصرف فقط لجلب انتباهها، فيمكنها أن تُجرب تجاهل سلوكاته وتصرفاته، فذلك قد يشجعه على البحث عن طرق إيجابية بديلة لجذب انتباهها. وعليها أن تعلم أن الابن البكر قد يتعمد أحياناً التراجع عن الالتزام بسلوك تدرب عليه وتعلمه سلفاً مثل استعمال المرحاض بشكل سليم، وعدم الشرب من فم القنينة مباشرةً، ويكون ذلك أيضاً من أجل جلب الانتباه وخوفاً من التهميش. ولا داعي في هذه الحال لمعاقبة الابن على إتيانه هذا النوع من السلوكات، بل يُفضل التغاضي عنها وغمره بالحب ومشاعر الطمأنة والحنان، وسيتوقف تلقائياً عن إتيانها.
وفي بعض الأحيان تتحول تلك الشحنات السالبة التي تتراكم لدى الابن جراء التوتر الناتج عن المتغيرات التي تُرافق قدوم المولود الجديد إلى إحباط واستياء يُترجمه الابن إلى محاولة إيذاء المولود. فإذا حاول الابن إبعاد رضاعة الحليب عن فم المولود أو إيذاءه بطريقة ما، فيجب على الأم أن تطلب من الجلوس وتتحدث إليه بحزم، وتُخبره بأنه لا يُسمح له بإيذاء أخيه. لكن دون أن يؤثر ذلك على علاقة الأم بالابن البكر من حيث إيلائه الرعاية الكافية، وإشراكه في أنشطة المولود الجديد مثل الغناء له وتغيير حفاضاته وتمتيعه بحمامه اليومي. ومن المهم أيضاً أن تحرص الأم على الإسهاب في إطراء الابن البكر عندما يتصرف بحب وحنان مع أخيه الأصغر. ويُحذر خبراء من أن تأتمن الأم الابن البكر على المولود مهما بلغت درجة اطمئنانها على حسن علاقته به وحسن تصرفه، بل يتحتم عليها أن تُبقي المولود الجديد دوماً تحت مراقبتها وناظريها، وألا تتركه أبداً لوحده مع أخيه أو أحد أقربائه المحبين إذا كان يقل عمره عن 12 سنةً.
غيرة الرضاعة
إذا كانت الأم تُخطط لإرضاع وليدها من ثدييها، فقد تتساءل عن ردة فعل ابنها البكر، كما قد تُفكر في كيفية إبقائه مشغولاً بفعل شيء ما في فترات إرضاعه، لكن عليها ألا تقلق كثيراً بهذا الشأن أو تعطي الأمر أكثر من حجمه. فقد يغتاظ الابن البكر عند رؤية أمه تُرضع أخاه الأصغر للمرة الأولى فيحوم حولهما في غيظ وحنق، وما على الأم في هذه الحال سوى أن تشرح له بهدوء أنها مستعدة للإجابة عن أي سؤال يجول في ذهنه ويرغب في طرحه. وإذا كان قد سبق لها أن أرضعت الابن البكر الغيور بنفس الطريقة (رضاعة طبيعية)، فيجب أن تُذكره بأنها قامت بالشيء نفسه معه عندما كان رضيعاً. ولإبقاء الابن البكر مشغولاً في فترات إرضاع المولود الجديد، يمكن للأم أن تُلهيه بلُعب أو تمارين رسم منزلية، أو ممارسة إحدى هواياته المفضلة، أو السماح له بالاستمتاع بسماع قطع موسيقية تتلاءم مع عمره أو أغان الأطفال المفضلة لديه. وفي حال طلب الطفل البكر من الأم أن تسمح له بالرضاعة، فالقرار بيدها، لكن عليها أن تطمئن إلى أن الطفل البكر يجد ذلك غريباً عند تمكينه من تجريب الرضاعة، فيفقد اهتمامه بالأمر وسُرعان ما يصرف النظر عنه.
قدوم مولود جديد ليست إذن بالمهمة اليسيرة كما قد يتخيل البعض، بل إنها قد تُغير منحى حياة الطفل البكر في هذا الاتجاه أو ذاك. وتُلقى المسؤولية الكبرى على عاتق الأم أولاً والأب ثانياً ليذهبا به معاً إلى بر أمان عاطفي حتى يتكيف مع الوضع ويقتنع أن قدوم أخ لن ينتقص شيئاً من معين حب أبويه وفيض حنانهما، وإنما يشعر بأن قدومه أضاف إليه دوراً مهماً في الأسرة، ألا وهو دور الأخ الأكبر أو الأخت الكبرى!
مرض الصغير
إذا كان المولود الجديد يعاني مشاكل صحيةً من نوع ما، فعلى الأم أن تشرح ذلك للابن البكر وتوضح له أن مرض أخيه الأصغر هو سبب قلقها عليه. وإذا كان المولود الجديد يحتاج إلى المكوث في المستشفى بعد ولادته، فعلى الأم أن تعرف تفاصيل لوائح زيارة الإخوة. وفي حال كانت قوانين المستشفى لا تسمح مثلاً للرضع الخدج أو الذين يولدون مبكراً في أن يزورهم أحد غير الأبوين، فيمكنها أن تلتقط صوراً للمولود الجديد لتُريها للابن البكر.
وعلى الأم أن تعلم يقيناً أنها إنْ أخفت أمر المولود الجديد عن الابن البكر، فإنه سيُدرك لا محالة أن الأمر مريب، وأن أمه تُخفي عنه شيئاً ما. وبدلاً من كتمان حالة المولود الجديد عن أخيه الأكبر، يُفضل لها أن تُزوده ببعض المعلومات حول وضعيته، وأن تبذل قُصارى جهدها لتبين له أنها هناك من أجله.