كل منهما ضاق ذرعا بالآخر‏,‏ شعر انه لم يعد يحتمل المشاكل‏,‏ وليس عنده استعداد للتضحية‏,‏ اتفق الاثنان علي الانفصال‏..‏
تنفيذ القرار جاء اسرع من التفكير فيه
لم يفكرا فيما سيحدث بعد الانفصال‏(‏ ؟‏)‏
يشعر الطرفان الان بالخسارة الفادحة‏,‏ لكن بعد فوات الاوان‏..‏ فلا هما يستطيعان العودة‏,‏ ولا احدهما يستطيع الاستمرار بغير الاخر‏!(‏ سبتك من غير حتي ما افكر‏..‏ هاقدر اسيبك او مش هاقدر‏…‏ انا مش هاقدر‏)!‏ اغنية ام كلثوم في تليفزيون المقهي الذي نسهر فيه‏,‏ كانت تلخص القصة‏.‏


قصة شمال السودان وجنوبه بعد الانفصال‏,‏ يحكيها الناس هنا في المقاهي وحول موائد الطعام‏,‏ وتقرأها حولك في شوارع الخرطوم الواسعة‏,‏ سيارة مكتوب عليها‏(‏ انها مشيئة الله‏)‏ و توك توك مكتوب عليه‏(‏ حكمتني الظروف‏)‏ واخر علي خلفيته صورة لشاب سوداني وسيم وتحتها مكتوب‏(‏ ساب البلد‏)!‏ الدولار بعد الانفصال صار بستة جنيهات سوداني وقبلها كان بثلاثة جنيهات فقط‏,‏ الاسعار تضاعفت‏,‏ الشمال يعاني بسبب عدم قدرته وحده علي توفير العمالة اللازمة للزراعة او الصناعة‏,‏ والجنوب يعاني بسبب عدم قدرته وحده علي تصدير انتاجه من البترول‏,‏ كليهما لم يكسب شيئا‏,‏ لكن الصين كسبت‏!‏ علي الاقل تستغل نقص العمالة في السودان الشمالي الان‏,‏ وترسل لهم المساجين الصينيين‏,‏ عمال تراحيل‏(‏ وش اجرام‏-‏ ميد ان شاينا‏)‏ لمشاريع البناء والمقاولات الكبيرة التي تدر دخلا وفيرا علي كل من يعمل بها‏.‏
صحيح ان الجار اولي بالشفعة و المصريون اولي بالسفر الي السودان و اولي بفرص العمل‏,‏ لكننا مشغولون بالتظاهر و الاضراب عن العمل‏(‏ كان الله في العون‏)‏ اما السودانيون انفسهم فأين يجدون الوقت‏,‏ اذا كان معظمهم يقضي نصف يومه في‏(‏ الملحمة‏)‏ ؟ عن نفسي قضيت وقتا طويلا ممتعا بشارع كندهار بالعاصمة السودانية داخل‏(‏ ملحمة عظيمة‏)..‏ والملحمة في السودان ليست بمعني الحرب ولا علاقة لها بالاعمال الوطنية الجبارة‏,‏ بل هي مطعم اللحوم الشعبي في السوق‏!‏
الضاني والجملي والعجالي‏..‏ كل اللحوم تشوي علي الفحم في الملحمة وتقدم بكميات كبيرة مع الطماطم والبصل وحزم الجرير وطبق من خليط البهارات والشطة‏,‏ وبدون ارز او خبز يلتهمها الزبائن تباعا وبجوارهم جردلين وكوز صغير‏,‏ احد الجردلين مملوء بالماء المثلج والجردل الاخر مملوء بالزبادي السائل لزوم الهضم‏.‏ وغالبا يجلس زبائن المطاعم علي مقاعد‏,‏ الا في السودان حيث يجلس زبون الملحمة علي سرير صغير من الخيش واسمه هناك‏(‏ عن قريب‏),‏ حتي اذا انتهي الزبون من اكل اللحمة‏(‏ صحة وعافية‏)‏ تمدد في فراشه‏,‏ ونعس له ساعة أو اتنين وحوله اصدقائه وباقي الزبائن‏,‏ كل علي فراشه يشرب الشاي او الزبادي ويتسامر أويتثاءب او ينام‏…‏ مش قلتلكم كاتبين علي التوك توك‏(‏ ساب البلد‏)!!!‏

نقلا عن جريدة الاهرام

Avatar photo

By حواء مصر

محررة موقع حواء مصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *