هل فقدنا القدرة علي التسامح؟ هذا السؤال يفرضه بإلحاح ما نشاهده ونسمعه في كل لحظة من تفسيرات كلمة التعصب دون اهتمام بكلمة التسامح
التي يؤكد العلماء أنه من الأهمية لدرجة يمكن معها اعتباره أكسير الحياة وسرا من أسرارها.. لذا علي المرأة تربية أبنائها علي التسامح وتدريب نفسها عليه حتي تتمكن من مواصلة الحياة بشكل أفضل وتأدية أدوارها بإتقان, خاصة هذه الأيام التي يسودها التوتر والتعصب والقصور في العلاقات الاجتماعية, والسبب في ذلك يرجع إلي تدني قدرة الإنسان علي التسامح مع الآخر, حيث يعيش ظروفا حياتية معقدة بما فيها من متغيرات متلاحقة تشمل جميع جوانب الحياة, رغم أن الإنسان ــ كما توضح د. سهير أمين أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية جامعة حلوان ـ بمقدوره علي أن يتسامح لأنه بذلك يحاول أن يترك مشاعر الماضي ولا يدعها تؤثر عليه, بالإضافة إلي أن الغضب يؤثر علي الإنسان بالسلب يهدر طاقاته فيما لا يفيد, في الوقت الذي يستطيع أن يستفيد من هذه الطاقة في البناء المجتمعي.
كما أن التسامح مع الغير يؤثر علي حياة الإنسان ويشعره بالسعادة والحب, مما يؤدي إلي الانسجام الداخلي بدلا من مشاعر الاستياء أو الرفض, ولكن هذا ليس معناه أن ينبذ الإنسان مشاعر الغضب إذا أساء إليه إنسان آخر, ولكن عليه إفراغ غضبه بطريقة بناءة, حيث إن عدم التعبير عن الغضب يؤذي النفس.. وعلي العكس تماما, فنحن نطالب الفرد( بالتوكيدية) أي أن يكون بمقدوره التعبير عما بداخله من مشاعر الغضب أو الضيق من الآخر, لأن هذا يساعده علي التنفيس عما بداخله من ضيق فيؤدي ذلك إلي الثقة بالنفس واحترام الذات, وبالتالي يصل إلي مرحلة التسامح ونسيان الموقف الذي سبب له الضيق.
أما د. عزيزة السيد أستاذة علم النفس بكلية البنات جامعة عين شمس فتقول: إن فهم الذات يعني أن الإنسان يجب ألا يتجاهل معرفة النفس, وفهم الذات التي تتطلب أن يكون الإنسان علي وعي بميوله وقيمه وحاجاته وتصرفاته, وأن يفهم كيف يؤثر سلوكه علي الآخر( إيجابا وسلبا) ودون هذه المعرفة لا يمكن التنبؤ بسلوك الإنسان الذاتي أو بتأثره السلبي أو الإيجابي.
وأن فهم الإنسان لذاته يزيد من وعيه ويساعده علي التصرف بطريقة إيجابية ومفيدة لنفسه وللآخر, كما أن عليه أن يدرك جيدا أن سلامته النفسية تتكون وتدعم من خلال العلاقات المتبادلة مع الآخرين, خاصة مع الوالدين والأخوة والأبناء والأصدقاء, وأن المرأة الإنسانة ليست مجرد فرد يهتم بالآخرين ولكن هي مهمومة بشئونهم, وكيفية إسعادهم ومع ذلك عليها وضع مصالحهم علي خط مواز لمصالحها الشخصية.
وكما يؤكد عالم النفس الأمريكي( مارتن سيليتسمان) أن الأشخاص السعداء هم الذين يتميزون بثقافة التسامح, وأيضا بالعطاء للآخر, وذلك من خلال المشاركة والالتحام بهم, أما الذين يعيشون من أجل أنفسهم فقط ولا يفكرون فيمن حولهم فهم الأقل تسامحا, وبالتالي أقل سعادة, كما يوضح أيضا أن سعادة عطائك للآخرين ليست مرتبطة برد فعلهم, فقد لا يعترفون بالجميل أو يبادلون الحب بالحب إلا أن هذا يجب ألا يؤثر عليك, فالمتسامح هو المستفيد أكثر من الذي يسامحه.
وتنصح د. عزيزة المرأة فتقول: إذا رأيت نفسك في حالة غضب من شخص ما فتذكري أن الغضب ربما يعطيك إحساسا مؤقتا بأنك علي حق أو يعطيك الإحساس بالقوة, فحاولي أن تكبحي مشاعرك وانتظري للغد, وفي الوقت نفسه افعلي شيئا بناء يستنفد هذه الطاقة الزائدة بمزاولة أي نشاط بدني( كالمشي) أو القيام ببعض الأعمال.
إن إخراج الغضب خارج نفسك والهدوء لمدة يوم أو أكثر سيجعلك أكثر استعدادا للتسامح والتعامل مع مشكلتك بطريقة بناءه, وبذكاء, فالتسامح يساعد علي شفاء النفس من المشاعر السيئة وعدم تذكر المواقف المؤلمة, كما يساعد علي الحب البناء ويمنحنا طاقة وقوة لتحقيق الأهداف والطموحات بل والقدرة علي مواجهة الحياة بكل صعوباتها.