تشير الدراسات العلمية إلى تأثيرات القهوة الجيدة على شتى الجوانب من حالات الاكتئاب إلى أمراض الكبد، ولكن ما تأثير الكافيين الموجود في القهوة؟ هل تتذكرون تلك الأيام التي كان فيها الناس (وأطباؤهم) يتخوفون من تناول القهوة لأنها تضر بالقلب، وتصيبهم بالقرحة المعدية، وتزيد هياجهم العصبي؟
دور الكافيين
* إن تناول القهوة، أو تناول الكافيين على وجه الخصوص، بجرعات كبيرة يمكن أن يسبب المشكلات. إلا أن التخوف من تناول قدحين أو ثلاثة أقداح من القهوة، بل وحتى أكثر من ذلك يوميا، قد انحسر مع ازدياد نتائج الدراسات التي تفترض وجود فوائد صحية للقهوة.
وفي عام 2011 المنصرم قدم الباحثون نتائج علمية حول وجود صلة بين تناول الكافيين وتقليل خطر حدوث الكآبة لدى النساء، وتقليل خطر سرطان البروستاتا القاتل بين الرجال، وتقليل خطر حدوث السكتة الدماغية لدى الرجال والنساء. وإن ذهبنا إلى أقدم من ذلك التاريخ فإننا سنجد تقارير عن الفوائد المحتملة (غير المثبتة حتى الآن) عن التأثيرات الوقائية للقهوة ضد شتى الأمراض، ابتداء من مرض باركنسون ومرورا بداء السكري وانتهاء ببعض أنواع السرطان (انظر الإطار).
لقد درس العلماء الكافيين أكثر من أي عنصر من العناصر التي تحتوي عليها القهوة. وفي العادة فإن الفضل يعزى له بعد أن ظهر أنه مفيد لجزء مهم من الجسم وهو الدماغ. إلا أن القهوة تحتوي على آلاف المركبات الأخرى، يعتقد أن بعضا منها مسؤول عن التأثيرات الصحية على الأجزاء الأخرى من الجسم. وقد أظهرت بعض الدراسات أن القهوة سواء تلك الحاوية على الكافيين أو المنزوعة الكافيين لها نفس تلك التأثيرات، الأمر الذي يفترض أن عناصر أخرى – غير الكافيين – هي المؤثرة.
ومع هذا فإن الأمور تزداد تعقيدا، إذ إن الكافيين وبعض المركبات الأخرى للقهوة لها جوانبها المفيدة والضارة، ولذا فإن التأثير الكلي للقهوة قد يعتمد على تأثيرات هذه العناصر بعضها ضد البعض الآخر.
الكافيستول والقهويول
* لم يكن عشاق القهوة الذين يعانون من ارتفاع الكولسترول فرحين عندما ظهرت نتائج دراسات سابقة أشارت إلى أن القهوة تبدو وكأنها تزيد من مستويات الكولسترول، وخصوصا الكولسترول «LDL» الضار. ولكن وعند تدقيق الأمور ظهر ان الأنباء السيئة تلك لم تكن على درجة عالية من السوء، لأن ظاهرة رفع القهوة لمستويات الكولسترول الضار تحددت بتناول القهوة غير المصفاة التي تشمل القهوة التركية، والقهوة التي تخمر في المكبس الفرنسي (French Press)، والقهوة المغلية التي يتم تناولها في الدول الاسكندنافية.
أما مركبات القهوة التي تزيد من مستويات الكولسترول فهي مركبات زيتية تدعى مركبات الدتربين (diterpens)، ونوعاها الرئيسيان هما «الكافيستول» و«القهويول»، وهما موجودان في هيئة قطيرات دهنية تطوف في القهوة. إلا أن تصفية القهوة بمرشحات من الورق تتيح احتجاز أكثر كميات الكافيستول والقهويول. وهكذا فإن القهوة غير المصفاة تلعب دورا ما في التأثير على مستويات الكولسترول.
وقد وردت أفضل الدلائل حول أفضلية المرشحات الورقية في دراسة مهمة نشرت عام 2011 وأظهرت أن وسائل تصفية القهوة المستخدمة في سنغافورة (التي توظف مرشحات من القطن والنيلون بطريقة يطلق عليها «sock method»، وفي الهند (مصفاة معدنية) كانت فعالة في احتجاز الكافيستول.
أما قهوة الإسبريسو فتحتوي على كميات من الكافيستول والقهويول أكثر مما تحتويه القهوة المصفاة بمرشحات ورقية، ولكن ولأنها تستهلك بكميات صغيرة فإنها لا تؤثر كثيرا على مستويات الكولسترول الضار لدى الإنسان.
وهناك انعطافة أخرى في قصة القهوة، لأن الكافيستول والقهويول قد يتمتعان بفوائد صحية ما يمكن فقدانها عند تصفية القهوة. ولكن الأبحاث لا تزال في مراحلها الأولية، كما قد توجد فوائد لهذين المركبين مضادة للسرطان وفوائد أخرى للكبد.
مضادات التأكسد
* وتشير تفسيرات النتائج التي تربط ما بين تناول القهوة وتقليل معدلات الإصابة بأمراض القلب وداء السكري إلى وجود حمض الكلوروجينيك (chlorogenic acid) والكثير من المواد الخفية الأخرى المضادة للتأكسد، التي تعتبر مسؤولة عن هذه الظاهرة.
المواد المضادة للتأكسد هي مركبات توقف نشاط الجزئيات الضارة النشطة قبل أن تقوم بمهمة إلحاق الضرر بالأنسجة الحساسة مثل الإضرار ببطانة الأوعية الدموية. وقد يكون حمض الكلوروجينيك أهم مضادات التأكسد في كوب القهوة الصباحي. وقد أظهرت بعض التجارب أنه قد يثبط أيضا امتصاص الغلوكوز في الجهاز الهضمي، بل وقد يعدل مستويات الأنسولين.
وقد يكون حمض الكلوروجينيك من المركبات المزدوجة الأداء، فهو يؤدي من جهة أخرى وعند وجوده مع الكافيين إلى رفع مستوى الهوموسيستين، وهو الحمض الأميني المرتبط بظهور تصلب الشرايين المؤدي إلى انسدادها بالترسبات.
الفيتامينات والمعادن
* إن القهوة ليست مصدرا غنيا للفيتامينات والمعادن، إلا أنها وبوصفها شرابا نباتيا تحتوي على القليل منها. ويحتاج الإنسان إلى تناول كميات أكبر من ذلك القليل!
* المغنيسيوم. يحتوي قدح القهوة على نحو 7 ملغم منه، وهذا قطرة يسيرة من الحصة اليومية المطلوبة (وهي 420 ملغم للرجال، و320 ملغم للنساء). ولكن ولأن الأميركيين لا يتناولون الكثير من الفواكه والخضراوات والحبوب الكاملة، فإن الأميركي يعوزه تناول 100 ملغم أخرى منه في المتوسط، الأمر الذي يجعل من القهوة أداة مفيدة لذلك!
* البوتاسيوم. يمكنه أن يزيل بعض النتائج السلبية للصوديوم. ويحتوي قدح القهوة على 116 ملغم منه تقريبا، لكن الحاجة اليومية منه تبلغ 4700 ملغم.
* يحتوي قدح القهوة أيضا على كمية صغيرة من النياسين niacin (0.5 ملغم)، والكولين choline (6.2 ملغم).
هل القهوة شراب صحي؟ الجواب: ليس تماما. تشير بعض الجوانب إلى أن القهوة قد تكون جيدة لك، لكن الجوانب الأخرى هي: هل أنها جيدة إلى درجة يمكن التوصية بضرورة تناولها؟ الإجابة لا تزال غير متوفرة حتى الآن.
إن كل النتائج المحبذة لتناول القهوة ولوجود مركبات صحية فيها هي أنباء سارة لعشاق القهوة الذين يمكنهم الاسترخاء والتمتع بها. أما للناس الآخرين الذين لا يتناولونها فيمكنهم التمتع بالكثير من الأشياء الأخرى التي تجعلهم أوفر صحة.
* رسالة هارفارد الصحية، خدمات «تريبيون ميديا».
الكافيين.. جيد للدماغ ولكن هل هو سيئ لباقي أجزاء الجسم؟
* الكافيين هو أكثر العقاقير «المنشطة للعقل» (psychoactive drugs) الشائعة الاستهلاك حول العالم، وقد تتشابه بعض تأثيراته السلوكية (مثل الإثارة الجنسية) بتلك التي يولدها تناول الكوكايين، وأدوية الأمفيتامين والمنشطات الأخرى.
ويشكل استهلاك القهوة 75% من حصة تناول الكافيين في الولايات المتحدة، إلا أن هذه النسبة يمكن أن تتغير مع تزايد توجه الشباب لتناول مشروبات الطاقة.
ويختلف تركيز الكافيين في القهوة بشكل كبير وفقا لأنواع حبوبها، وكيفية تحميصها وعوامل أخرى. ويبلغ تركيزه 100 مليغرام في قدح يحتوي على 8 أونصات من القهوة (237 مليلترا تقريبا). ويحتوي الشاي على نصف ما تحتوي عليه القهوة من الكافيين. أما القهوة منزوعة الكافيين فتحتوي على 2 إلى 4 ملغم من الكافيين في نفس القدح المذكور.
وتبلغ كمية الكافيين القاتلة 10 غرامات، أي ما يساوي تناول 100 من أقداح القهوة. ويمتص الكافيين في المعدة وفي الأمعاء ثم ينتقل إلى كل أجزاء الجسم ومنها الدماغ. وتصل كميته الموجودة في الدم إلى ذروتها بعد 30 إلى 45 دقيقة من تناوله، لتضمحل تقريبا بعد مرور 8 إلى 10 ساعات. وتقل مستوياته في الدم خلال فترة وجوده في الجسم عند تمثيل الكبد له.
وتسرع السجائر والماريغوانا عملية التمثيل الغذائي (أيض) الكافيين، الأمر الذي يقلل من الفترة التي يوجد فيها داخل الجسم. أما حبوب منع الحمل فإنها تبطئ هذه العملية، أي أن لها تأثيرا معاكسا. وقد تعرف الباحثون على الجينات التي تؤثر على الخطر الطبيعي لعملية التمثيل الغذائي للكافيين، الأمر الذي قد يفسر لماذا يكون بعض الناس حساسين بشكل خاص من تناوله مقارنة بالآخرين.
* استهداف الدماغ. قد يستهدف الكافيين عدة مواقع داخل الدماغ، إلا أن أهمها كما يبدو هو مستقبلات الأدينوسين (adenosine). والأدينوسين هو مادة كيميائية في الدماغ تخمد نشاط الدماغ. وباستهدافه لتلك المستقبلات فإن الكافيين يشغل سلسلة من العمليات التي تؤثر على نشاط الدوبامين (dopamine)، وهو مادة كيميائية مهمة أخرى في الدماغ، وكذلك أجزاؤه المسؤولة عن الإثارة الجنسية، والسرور، والتفكير. ويمتلك جزء الدماغ المسمى «striatum» الذي يتضرر أثناء الإصابة بمرض باركنسون، الكثير من مستقبلات الأدينوسين. وبالتصاق الكافيين بها فإنه يمنح الإنسان خصائص وقائية من هذا المرض.
* أما خارج الدماغ فيمكن للكافيين التحول إلى مادة معززة للأداء، محفزا على تقوية وانقباض العضلات، ومخففا لبعض المجهود الجسدي والنفسي. إلا أن الكافيين يتسم، وخصوصا على المدى القصير، بتأثيراته السلبية التي تشمل زيادة ضغط الدم، وزيادة تصلب الشرايين، وزيادة مستويات الهوموسيستين، والأنسولين، وربما الكولسترول. وقد تؤدي عادة استهلاك الكافيين إلى تقليل هذه التأثيرات السيئة. وفي بعض الأمراض قد تقدم القهوة الفوائد الصحية رغم التأثيرات السيئة للكافيين.
القهوة وتأثيراتها الصحية والوقائية
* مرض ألزهايمر: أظهرت الدراسات على البشر والحيوانات وجود «درجة ضئيلة» من الوقاية. وتفترض بعض الدلائل الأولية أن القهوة لها نشاط مضاد لترسبات بيتا – أميلويد التي ربما هي السبب في الإصابة بمرض ألزهايمر.
* السرطان: تفترض الدراسات تأثيرها في خفض خطر حدوث بعض أنواع السرطان (سرطان بطانة الرحم، سرطان البروستاتا الخطير، سرطان الثدي سلبي – الاستروجين)، ولكن لا تأثير لها على السرطانات الأخرى (مثل سرطان المريء). وقد تكون المركبات من مضادات التأكسد ومضادات الالتهاب مسؤولة عن النشاط المضاد للسرطان.
* داء السكري: تأثيراتها على مستويات الأنسولين وسكر الدم التي تؤدي إلى ظهور داء السكري، تبدو مؤقتة. أما تناولها بانتظام (3 – 6 أقداح يوميا) فيبدو أن له تأثيرا أقوى. وقد تعود تأثيراتها الوقائية إلى زيادتها لهرمون «أديبونكتين» (adiponectin) والعوامل الأخرى المؤثرة على مستويات الأنسولين وسكر الدم.
* النوبة القلبية: يؤدي تناول القهوة إلى زيادة بعض العوامل مثل «هوموسيستين» (homocysteine) الذي يرتبط بارتفاع الخطر، إلا أن تناولها المعتدل (1 – 3 أقداح يوميا) قد تم ربطه بانخفاض قليل في هذا الخطر. وتشير الدلائل إلى احتمال أن تكون تأثيراتها الوقائية أقوى لدى النساء.
* أمراض الكبد: يرتبط تناول القهوة مع قلة مستويات الإنزيمات التي تشير إلى وجود أضرار والتهابات في الكبد. وقد تحسن القهوة من الاستجابة لبعض أنواع علاج التهاب الكبد «سي». وتفترض الدراسات وجود بعض الوقاية من سرطان الكبد. وقد يكون المركبان: «الكافيستول» (cafwstol) و«القهويول» (kahweol)، مسؤولين عن فوائد القهوة للكبد.
* مرض باركنسون: تظهر الدراسات انخفاضا معتدلا (بنسبة 25%) في خطر المرض لدى متناولي القهوة. إلا أن تأثيرها أقل لدى النساء. وقد وجدت الأبحاث دلائل على إثارتها للنشاط في أجزاء الدماغ التي أضر بها مرض باركنسيون.
* السكتة الدماغية: تناول القهوة باعتدال (3 – 4 أقداح يوميا) يرتبط بانخفاض الخطر، إلا أن احتمالات السكتة الدماغية تزداد فور تناول القهوة، خصوصا لدى الأشخاص الذي لم يعتادوا تناولها.