لعله من القلائل فقط من المصممين المتمكنين الذين باستطاعتهم تحقيق المعادلة الصعبة وإيجاد نوع من التوازن المدروس ما بين المدرسة الكلاسيكية وتلك الحديثة والمعاصرة في صناعة الموضة، هو الإيطالي «جورجيو أرماني» المبتكر بحرفيته العالية ومن خبرته الطويلة خطا متميزا من الأزياء، من تلك التي تشي بعملية، رقي، وأناقة منقطعة النظير.
و ربما يتجلى هذا المفهوم بوضوح لأي متابع لعروض «ميلانو» الأخيرة لموضة موسمي ربيع وصيف 2014، حيث استعرض المصمم المبدع من هناك تشكيلته الجديدة لخط الملابس الجاهزة في الأسبوع الماضي، مقدماً من خلالها أنماطاً مختلفة من الأزياء الراقية، ليؤطرها بطراز كلاسيكي متجدد وروحا عصرية وشبابية بكل المقاييس، مختزلاً عبرها ملامح من رؤيته الخاصة وأسلوبه اللافت في فن التصميم.
كلاسيكيات مطورة
ووسط ترقب وانتظار لما سيخرج به الأسبوع الإيطالي لموضة الموسمين المقبلين، جاء عرض «أرماني» الأخير بصيغته المعهودة وإطاره الرصين المتوقع، فلم يكن مفاجئا أو خارجا عن المألوف، فمن خلال قراءة تحليلية لطرازه عبر المواسم السابقة، فقد لوحظ بأنه مصمم عملي وخبير بامتياز، يعرف ما هي احتياجات الأسواق ويستقرئ جيدا أمزجة النساء، صانعا لهن خطا جميلا ومتكلفا من الملابس، من تلك القابلة للارتداء وتتسم بالعملية والأناقة، فيها حسا كلاسيكيا ونمطا حديثا وعصريا بذات الألوان، فلا تلتزم بموسم معين بل تبقى حاضرة في نطاق الموضة ودولاب المرأة لعدة مواسم وسنوات، دون أن تبطل مودتها أو تسقط بالتقادم، وكأن «أرماني» يعيد صياغة نمطه التقليدي المنمق ولكن بنفحات أكثر بساطة، سلاسة، وراحة، مبرزا مواطن الأنوثة والجمال في قوام المرأة، ولكن بشكل موارب ومستتر، فيه رصانة، وكياسة، ورقي، فيجعلها أكثر سفسطائية وتكلف، ولكن دون أن يخرجها تماما من الصورة النمطية للمرأة العصرية العاملة.
لكل المناسبات
في هذه المجموعة الربيعية حرص «أرماني» على رسم باقة من القطع والموديلات التي تناسب كافة المناسبات والأوقات، مقدم فئتين من الأزياء، واحدة نهارية وعملية للاستخدام اليومي، وأخرى مسائية تتلاءم أكثر مع حضور الاستقبالات وحفلات الكوكتيل، حيث ظهرت من ضمنها نماذج متعددة من الأطقم العملية، والتايورات الرسمية الأنيقة، مع نموذج التنورة «الشورت»، بالإضافة لبنطلونات مريحة تعلوها سترات مفتوحة وأخرى مزررة بصف أو صفين من الأزرار، أما لتشكيلة السهرة والأمسيات فقد ظهرت سيدة « أرماني» بقطع لافته من الملابس التي تتمتع بالأنوثة والنعومة، والجمال، ميزّها المصمم بقصّات مريحة وخطوط انسيابية، تلتف حول القوام بغواية وبشكل مثير دون أن تلمسه تماما أو حتى تحدد ملامحه بوضوح، وكأنها أشرعة ترفرف في النسيم العليل، أو فراشات تطفو وتخفق مع كل حركة وميلة قوام.
بساطة وتفرد
شكلت مجموعة «ready-to-wear» الجديدة في إطارها العام أيقونات متكلفة من الأزياء، صيغت بقوالب حديثة أكثر بساطة وتفرد، عبّر خلالها «جورجيو» عن نمطه المدهش ولمسته البديعة في تناول الأزياء، لينفذها بنوعية محددة من الأقمشة والخامات التي تخدم أفكارها وتدعم توجهه وذوقه، سواء لناحية، الملمس، أو البريق، أوالقوام، موظفا على سبيل المثال خامة كالتويد والكريب في تفصيل الأطقم والتايورات الرسمية، ومستثمرا قماشة مثل الشيفون، مع الأورجانزا والحرير الطبيعي لفساتين المساء والسهرة، ليتحفها بمسطرة لونية غاية في الغنى والنضارة، تعكس مفردات جمالية مستقاة من فصلي الربيع والصيف القادمين، لتظهر تدرجات مختلفة من الرمادي المطفي، والرمادي المتوسط والفضي، مع شطحات زرقاء متماوجة تعلو وتهبط بعدة ظلال وألوان، كما برز اللون البنفسجي بصوره النابضة بالحياة، ليتداخل مع مساحات ضبابية داكنة من الأسود والرصاصي، بالإضافة لعدة قطع تميّزت بألوان ناعمة من درجات الباستيل منها الزهري المتورد، والسماوي المدّخن، والمشمشي النضر.