تخيلت للحظات أن ابنتى الوحيدة التى تعتز كثيرا بشعرها قد دخلت عليّ يوما من المدرسة وقد عبث أحد به .كيف ستكون حالتها النفسية؟ هل ستبكى أم الصدمة ستحجر الدموع فى جفونها ؟ هل سترفض أن تذهب للمدرسة مرة أخري؟ وما هى مشاعرها تجاه من فعل ذلك؟
وماذا عنى أنا كيف سأتعامل مع من انتهك حرمة ابنتى وتعدى عليها؟ بالنسبة لى أدرك جيدا أن رد فعلى سيكون  عنيفا بقدر العنف الذى تعرضت له براءة ابنتي، ولكن  مهما كان رد فعلى هل سيمنع  هذا ابنتى من الشعور بالقهر؟ هل سيجعلها لا تنظر للدين نظرة خاطئة؟ هل هذا لن يجعلها تمقت الحجاب لبقية عمرها؟ أستطيع أن أتخيل جيدا إحساس تلك الطفلة البريئة وهى ترى المقص يقترب من وجهها ليطيح بضفائرها التى كانت تفتخر بها وسط صديقاتها دون سبب، هل تخيلت تلك المعلمة التى لا تعرف شيئا عن معنى ومدلول  اللقب الذى تحمله الأثر النفسى الذى سببته لتلك الطفلة؟ الأمر ليس مجرد سبعة أو عشرة سنتيمترات تم قصها من شعر الطفلة ولكن الأمر هو مُدرسة لا تدرى شيئا عن الدين وسماحته ، ويمكن أن تسبب بجهلها هذا نفورا داخليا لدى الأطفال من الدين والعلم معا، إننى أناشد السيد وزير التعليم بأن  يتصدى لكل من يحاول أن يجبر التلميذات الصغيرات على ارتداء الحجاب رغما عنهن، عليه أن يلزم المدرسين والمدرسات بالكف عن فتاوى التحريم لمختلف أمور الحياة، عليهم أن يعلموا أن الدعوة لله تكون بالحكمة والموعظة الحسنة وليس بالمسطرة أو بالمقص.

 

 

  • جنون المصارعة

ابنى حبيبى وقرة عينى الذى يودع مرحلة الطفولة ويوشك أن يدخل طور المراهقة، مغرم لشوشته.. ليس بابنة الجيران أو بزميلة المدرسة وإنما بلعبة المصارعة التى أصبحت مسيطرة على كل شيء فى حياته، فى البداية تصورت أنها ستكون كحكايات بكار التى كان  معجبا فيها بصديقه حسونة الولد الشقى خفيف الظل والذى اختفى من دائرة اهتمامه مع ظهور سبيدرمان ثم جاء المتحولون «ترانسفورمرز» فشاركوا «الرجل العنكبوت» فى المكانة الرفيعة التى كان يحتلها لديه.

لكن فجأة ودون سابق إنذار وجدته يزيح كل هذا من قلبه ويضع فيه لعبة المصارعة وأبطالها الذين يحفظ أسماءهم عن ظهر قلب، تصورت فى البداية أن هذا الغرام سيأخذ وقته ويرحل كما حدث مع ما سبقه ولكننى وجدت أنه يتملكه كل يوم أكثر من اليوم الذى سبقه، فهو بدأ بلعبه  للمصارعة على جهاز البلاى ستيشن، ثم بمشاهدة قنوات المصارعة فى التليفزيون ليل نهار،وتطور الأمر لأجد أنه قد حول جميع خلفيات أجهزة اللاب توب لصور هؤلاء الأبطال، وكذلك الآى باد وحتى أجهزة التليفون الخاص به، وجدته يستخدم الأغانى المستخدمة فى المباريات  «رنات» له، فوق كل هذا كان حريصا على شراء الـ«تى شيرتات» التى اشتهر بها بعض المصارعين.

والأمر لم يعد متوقفا عليه بل وجدت أخته الصغرى أصيبت بداء تشجيع المصارعة، حيث  صارت تشاركه فى صياحه على اللاعبين وتشجيعهم وكأنهما فى الحلبة معهم والمفاجأة أنه استدرج حتى أم محمد الشغالة لمشاهدة تلك المباريات، فكلما عدت للمنزل وجدتها تجلس معهم تشاهد المباريات وفى حالة تركيز شديد، ومنذ عدة أسابيع وجدته يحدثنى وبصوت تملؤه البهجة والفرحة ويقول: أخيرا حيتحقق حلم حياتي. وعرفت منه أن هناك بطولة استعراضية لهؤلاء المصارعين ستقام فى مصر ولكن كانت صدمتى  هائلة عندما علمت أن التذاكر يتراوح سعرها بين 3 آلاف جنيه و1000 جنيه و500 جنيه وحتى 250 جنيها، وبالطبع كان الرفض ثم الرفض والرفض هو ردى على إلحاح ابنى  لحضور الحفل ولكننى وجدته يسعى ليقدم لى  كل فروض الولاء والطاعة لعلى أتراجع عن الرفض، فهو صار على غير العادة  فى منتهى الالتزام فى المذاكرة وأداء الواجبات والصلاة، ويحاول أن يبذل قصارى جهده فى فريق السباحة الذى هو عضو فيه،

وفى النهاية  استسلمت ودفعت له ولشقيقته التى أصرت على الحضور معه تذكرتين وأنا يعتصرنى الألم على المبلغ الذى دفعته ولكن كان يحدونى الأمل فى أن مشاهدة هؤلاء على الطبيعة تجعله يدرك الأداء التمثيلى الذى يقومون به، لا أخفيكم أنى كنت أشك أحيانا أن ابنى مزودها حبتين وأنه أصبح مريضا بالمصارعة ولكن وياللهول اكتشفت الحقيقة المرة فابنى ليس استثناء وإنما سلوكه هذا هو «حالة عامة» أصابت أطفال ومراهقى هذا الجيل فبينما أقوم باصطحابه للعرض فوجئت بأغلب الأولاد نسخة طبق الأصل منه، فهم يرتدون فانلات تشبه فانلات المصارعين، ويضعون على كتفهم حزام المصارعين، ويحملون فى  أيديهم لافتات تحمل مشاعر الحب والإعجاب لهم، لم أصدق عينى أنه ليس طفلا أو اثنين أو حتى مئات ولكنهم آلاف، وفى أثناء انتظارى لهما وجدت العديد من الآباء والأمهات لديهم المعاناة نفسها، فهم رافضون لسيطرة تلك اللعبة العنيفة على  عقول أبنائهم وفى الوقت نفسه لا يستطيعون منعهم عنها. تأملت الأولاد والبنات الذين  كانوا يتوافدون على قاعة المؤتمرات لحضور العرض وسرحت قليلا فى الفارق ما بيننا وبينهم،

فأنا من جيل كانت القراءة  من أهم العادات التى تربينا  عليها وهو  ما  جعل بعضنا يعشق الكتابة والصحافة والفن فالقراءة رسخت فى داخلنا عددا من القيم والأخلاقيات وجسدت صورا للقدوة الحسنة والمثل العليا وقد يرى البعض أن المغريات المختلفة المتوافرة للأجيال الجديدة هو سبب عزوفهم عن القراءة والاهتمام بالألعاب العنيفة كالمصارعة، ولكنه رأى مردود عليه بأن الأوروبيين الذين سبقونا فى مجال  التكنولوجيا لم يتخلوا على الإطلاق عن الكتاب، فهو معهم فى الجامعة وفى المواصلات وفى المنزل. والسبب يعود إلى إيمان المجتمع بكامله بقيمة القراءة بداية من الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام التى ترسخ تلك القيمة، إننى أؤمن بأن لكل فعل رد فعل فلو تربى الجيل الحالى على العلم والثقافة فسيكون تعامله مع الأزمات والمواقف المختلفة بشكل علمى متحضر ولو ربيناه على العنف فسيكون رد فعله عند مواجهة أية أزمة هو العنف والهمجية وهذه الأخيرة ما أكثرها لدينا الآن، المطلوب محاولة إيجاد  أسلوب للتأثير على عقول النشء الجديد وتأكدوا أن الأسرة وحدها لن تستطيع مواجهة هذا الطوفان ولابد من وجود دور مجتمعى مدروس لبناء الأجيال الصاعدة.

  • نور الكلمات

“الرنين الأجوف لا يصدر عن إناء ممتلئ”. نجيب محفوظ

“الحكمة لله وحده، وعلى الإنسان أن يجد ليعرف، وفى استطاعته أن يكون محبا للحكمة تواقا إلى المعرفة، باحثا عن الحقيقة”. سقراط
نقلا عن مجلة نصف الدنيا

Avatar photo

By حواء مصر

محررة موقع حواء مصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *