عندما يأتي الحديث عن وسيلة غذائية طبيعية لتقوية بنية العظام وللوقاية من الإصابات بهشاشة العظام وإصابات الكسور الناجمة عنها، وذلك لدى النساء اللاتي بلغن سن اليأس، وكذا الرجال الذين بلغوا «أشدهم» وعموم الناس، فإن هaناك وسيلة غذائية بسيطة ومتوفرة طوال العام، وهي تناول ثمار الخوخ الطازج (plum)، أو الثمار المجففة للخوخ (prune).
وثمار فاكهة الخوخ الطازجة، التي يسميها البعض «بُخارى» أو «برقوق» أو «أجاص»، وكذا ثمار الخوخ الجافة، التي يسميها البعض «أراصية»، قد استحوذت على اهتمام الباحثين الطبيين في عدة مجالات صحية. وذلك ضمن ما يعرف في علم التغذية الإكلينيكية بـ«الفاعلية الوظيفية للأطعمة» (functional foods). ولذا فإن ما تطرحه الدراسات الطبية الحديثة يتناول تأثيرات تناول الخوخ على الجوانب الصحية التالية:
وحديثا طرح الباحثون من جامعة ولاية فلوريدا وجامعة ولاية أوكلاهوما دراستهم التي أثبتت فائدة تناول الثمار المجففة للخوخ في تنشيط عمليات بناء العظم وإكسابه المزيد من قوة البنية. وتم نشر هذه الدراسة الأميركية الحديثة في عدد 26 أغسطس (آب) الماضي لـ«المجلة البريطانية للتغذية» (British Journal of Nutrition). وأتى الدعم المالي للدراسة من قبل وزارة الزراعة الأميركية (U.S. Department of Agriculture). وترأس فريق البحث البروفسور بارهام أرجماندي، رئيس قسم علوم التغذية والأطعمة والتمارين الرياضية في كلية علوم الإنسان بجامعة ولاية فلوريدا.
وعلق أرجماندي على نتائج الدراسة بقوله: «طوال مشواري في البحث العلمي قمت باختبار عدد كبير من الفواكه مثل التين والتمر والفراولة والزبيب (raisins)، ولكني لم أجد أيا منها يقارب بأي شكل امتلاك قدرة صناعة تأثيرات إيجابية على قوة بنية العظم، كما هو الحال في ما يمتلكه ويقدمه تناول الثمار المجففة للخوخ. وصحيح أن جميع أنواع الفواكه والخضار لديها قيمة غذائية جيدة ولتناولها تأثيرات صحية إيجابية، ولكن عند الحديث عن صحة العظام فإن ثمار الخوخ بالفعل تستحق الوصف بأنها شيء استثنائي».
وتكون فريق الدراسة من مجموعة باحثين من جامعة ولاية فلوريدا وجامعة ولاية أوكلاهوما. قاموا بمتابعة حالة العظم لدى مجموعتين من النساء اللاتي بلغن سن اليأس من المحيض، وذلك لفترة تجاوزت 12 شهرا. وضمت المجموعة الأولى 55 امرأة طُلب منهن أن يتناولن 100 غرام يوميا من الخوخ المجفف، أي نحو 10 ثمار معتدلة الحجم. بينما طُلب من المجموعة الأخرى، المكونة من 45 امرأة، تناول 100 غرام من شرائح التفاح المجففة. وتم انتقاء التفاح للمقارنة بالخوخ بناء على النتائج العالية الإيجابية للفوائد الصحية المتنوعة لتناول التفاح أو شرائحه المجففة.
كما تم إعطاء جميع أفراد المجموعتين كمية 500 ملليغرام من عنصر الكالسيوم (calcium)، وكمية 400 وحدة دولية من فيتامين دي (vitamin D)، على أن يتناولنهما بشكل يومي كذلك. وبهذا أعطى الباحثون للمشاركات في الدراسة الحاجة اليومية من فيتامين دي ومن الكالسيوم وفق إرشادات التغذية الطبية، وذلك لضمان العدل في تزويد أجسامهن بما تنص عليه إرشادات التغذية الطبية ولمنع أي احتمال لتسبب نقص أي منهما في اختلاف النتائج بعد إتمام الدراسة وبدء عمليات حساب عناصر ونتائج المقارنة.
* تقييم طبي دقيق
* وقبل بدء الدراسة وطوال فترة المتابعة، تم إجراء تحاليل الدم والبول بشكل دوري، وتحديدا كل 3 أشهر. وهي فحوصات في الدم مختصة بنسبة الكالسيوم وفيتامين دي والفسفور وأنزيمات العظام والهرمونات المتعلقة به، ودرجة إخراج الكالسيوم والفسفور في البول.
كما تم قياس «كثافة المعادن في العظم» (bone mineral density) في بدء الدراسة لجميع المشتركات، وبعد انتهاء فترة المتابعة، وذلك باستخدام جهاز «eye-DEX-uh» الخاص بقياس «درجة امتصاص أشعة إكس الثنائية الطاقة» (dual-energy X-ray absorptiometry). وهو الجهاز الذي وصفه الباحثون بأنه الأحدث في تقنية «الفحص الدقيق لكامل الجسم» (whole-body scanning technology). وفي كل مرة كان يتم في المرحلة الأولى تقييم نتيجة الفحص لقوة بنية العظم في عظمة الزند (ulna)، وهي إحدى العظمتين الطويلتين في الساعد (forearm)، ثم تمت مقارنة النتيجة مع نتيجة تقييم كثافة المعادن في عظم فقرات الظهر (spine). أي الحصول على نتيجة قياس كثافة المعادن للعظم لدى كل مشتركة على حدة. وفي المرحلة الثانية تمت المقارنة بين نتائج قياس كثافة المعادن في العظم لدى أفراد مجموعة متناولي الخوخ المجفف مع أفراد مجموعة متناولي شرائح التفاح.
ووجد الباحثون من نتائج هذه المعلومات كلها أن من تناولوا الخوخ المجفف كانت عظامهم تمتلك مقدارا أعلى في درجة قوة كثافة المعادن في نسيج العظم.
* دراسات سابقة
* وعلق البروفسور على النتائج بالقول كنصيحة لعموم الناس: «لا تنتظر إلى حين إصابتك بكسور العظام أو تشخيص إصابتك بهشاشة العظام، عليك القيام بشيء مفيد. وبالإمكان تناول الخوخ المجفف بكمية 10 ثمرات يوميا».
وتأتي الدراسة الأميركية الجديدة في سياق مجموعة دراسات طبية أخرى بحثت في علاقة تناول ثمار الخوخ ببنية العظم. وكان البروفسور أرجماندي قد نشر ضمن عدد ربيع 2001 من مجلة «الرابطة الأميركية للعلاج بالغذاء» (Journal of the American Nutraceutical Association)، نتائج دراسته تأثيرات تناول الخوخ المجفف على درجة تآكل العظام على فئران التجارب التي تم استئصال المبايض عنها (Ovariectomy). وتبين منها أن الخوخ يمنع حصول هذا التآكل في بنية العظم. ثم في عام 2002 نشر في «مجلة صحة المرأة والطب المبني على نوع الجنس» (Journal of Women›s Health and Gender-Based Medicine) دراسته التي تبين له من نتائجها أن تناول ثمار الخوخ المجفف يحسّن من بنية العظم لدى النسوة اللاتي بلغن سن اليأس من المحيض. ثم في عام 2005 نشر في مجلة «سن اليأس» (Menopause) نتائج دراسته عن الدور الإيجابي لتناول الخوخ المجفف على إعادة تصحيح حالة هشاشة العظام لدى الحيوانات. ونشرت في عام 2006 مجلة «العظم» (BONE) نتائج دراسة الدكتور سميث حول الدور الإيجابي والآلية التي تعمل ثمار الخوخ على درء الإصابة بهاشة العظم لدى الرجال. وهناك عدد آخر من الدراسات التي لا مجال للاستطراد في ذكرها.
* الفاعلية الوظيفية للأطعمة
* وتصنف هذه الدراسات ضمن أحد الجوانب المهمة في علم التغذية الإكلينيكية وهي «الفاعلية الوظيفية للأطعمة» (functional foods). و«الفاعلية الوظيفية للأطعمة» مصطلح علمي يرمز إلى أن التأثيرات الصحية الإيجابية لتناول المنتجات الغذائية لا تعتمد فقط على محتواها من الفيتامينات والمعادن والألياف والبروتينات والدهون والسكريات كعناصر غذائية منفصلة، بل القيمة الفعلية لتناولها ناتجة عن «عبوة مزيج» جميع تلك العناصر وبكميات متناسبة في ثمرة من الفاكهة أو الخضار أو الحبوب أو البقول أو الأوراق أو غيرها من أجزاء النباتات المأكولة.
وفي جانب بنية العظم، ليس المهم فقط مجرد الحرص على تناول الأطعمة الغنية بالكالسيوم وبفيتامين «دي»، بل هناك عوامل غذائية أخرى مهمة في إتمام عمليات بناء العظم وعمليات الحفاظ على بنيته من هشاشة التآكل أو التفتت.
والإنسان حتى حينما يتناول كميات كافية من الكالسيوم وفيتامين «دي» بصفة يومية، فإن ذلك لا يعني تلقائيا أن الأمعاء ستمتص كل الكمية المتناولة منهما، بل إن ثمة عوامل قد تعوق امتصاص الأمعاء لهما. كما أن توفر الكالسيوم وفيتامين «دي» في الجسم لا يعني تلقائيا حتمية تحقيق بناء أنسجة العظم وترسيب المعادن فيه وخفض وتيرة تآكل العظم وذوبانه، بل ثمة عوامل أخرى يجب توفرها لتحقيق الغاية، وهي تقوية بنية العظم.
* علاقة الخوخ بالعظام
* وعلى الرغم من إثبات كثير من الدراسات الطبية ملاحظة التأثيرات الإيجابية لتناول ثمار الخوخ على بنية العظام، بشكل يفوق أي نوع آخر من المنتجات النباتية، فإنه لا يزال من غير الواضح تماما جانب تفسير وتبرير هذه العلاقة الإيجابية بينهما، وهو ما عرضه الباحثون في الدراسة الأميركية الجديدة خلال مناقشتهم نتائج الدراسة. وبالإضافة إلى محتوى ثمار الخوخ المجفف على كميات جيدة من الكالسيوم، فإن مما يذكره الباحثون الذين قدموا هذه الدراسة والدراسات الطبية السابقة الذكر من تعليلات تتعلق بدور الخوخ في عدة أمور مؤثرة على بناء العظام:
أولا: تخفيف الحموضة في الجسم. ومعلوم أن حموضة الجسم تزيد بفعل إفرازات عمليات الهضم، كما ترتفع نتيجة للتفاعلات الكيميائية – الحيوية ضمن عمليات «الأيض» (metabolism) التي من خلالها تستخدم خلايا الجسم السكريات والبروتينات والدهون في إنتاج الطاقة أو صناعة المواد والمركبات الكيميائية لنموها وكفاءة عملها. وهذا التأثير الإيجابي على الحموضة يسهل امتصاص الأمعاء للكالسيوم ويخفف من عمليات إزالة المعادن من أنسجة العظم، أي عمليات تآكل وتفتيت وإذابة العظم. وغنى ثمار الخوخ، وعموم الفواكه والخضار، بعنصري المغنسيوم والبوتاسيوم له دور في خفض الحموضة.
ثانيا: احتواء ثمار الخوخ على مجموعات من المعادن والفيتامينات و«العناصر الكيميائية النباتية» (phytochemicals)، كلها تعمل بشكل «متضافر» (synergistically) كإنزيمات (enzymes) و«عوامل مساعدة» (co-factors) تُسهم في تنشيط عمليات بناء العظم وخفض وتيرة تآكله وتفتيته. ومنها دور تناول ثمار الخوخ المجفف في ارتفاع نسبة «عامل النمو-1 الشبيه بالأنسولين» (insulin-like growth factor-I) في الجسم، وهو الذي يُنشط عملية بناء العظم. وتحدثت تلك الدراسات عن احتواء الخوخ على مركبات «فينوليك» (phenolic compounds)، ذات الفاعلية الحيوية (bioactive). مثل مركبات «آيزوفلافون» (isoflavones) و«ليغنان» (lignans)، ذات التأثيرات الإيجابية على كتلة العظم. ومثل مركبات «حمض نيوكولينيرجك» (neochlorogenic acid) و«حمض كولينيرجيك» (chlorogenic acid)، اللذان يصنفان ضمن المركبات الكيميائية الأعلى قدرة على امتصاص ومقاومة الأكسدة (oxygen radical absorbance capacity) وفق مقياس «أوراك» (ORAC). وبالتالي حماية خلايا العظم من الجذور الحرة (free radicals) ودرء عمليات تآكله وتفتيته.
ثالثا: احتواء الخوخ على عنصري البورون (boron) والسيلينيوم (selenium)، وكل منهما له دور معروف في التأثير على العمليات الكيميائية الحيوية لبناء العظم وتعامل الجسم مع عنصر الكالسيوم، وبخاصة تقليل إخراج الجهاز البولي للكالسيوم والمغنسيوم، بالإضافة إلى رفع نسبة بعض الهرمونات الجنسية ذات الصلة بالحفاظ على بنية العظم وتعامل الجسم مع الكالسيوم، لدى كبار السن، وبخاصة هرمون التستوستيرون (testosterone) وفئة «17-إسترادول» (17- estradiol).
ولا يزال الأمر يحتاج إلى مزيد من البحث لتفسير هذه التأثيرات الإيجابية للخوخ على سلامة العظام وحمايتها من الهشاشة <
* صحة القلب وتناول ثمار الخوخ
* الدراسات العلمية التي تم إجراؤها لبحث العلاقة بين تناول ثمار الخوخ، الجاف أو الطازج، وبين صحة القلب وشرايينه لا تزال في بداياتها. وتم إجراؤها على حيوانات التجارب في المختبرات وعلى الإنسان. وحتى اليوم، اقتصرت هذه الدراسات على جانب دور الخوخ في خفض نسبة الكولسترول. وما لفت أنظار الباحثين في شأن صحة القلب نحو ثمار الخوخ هو:
1 – محتواها العالي من الألياف وبكمية تصل إلى 9 غرامات لكل 100 غرام من ثمار الخوخ المجفف المنزوع منه البذر، وبخاصة نوع «الألياف الذائبة».
2 – محتواها العالي من مواد «بيكتين» (pectin)، التي ثبتت فائدتها في خفض الكولسترول، عبر إعاقة امتصاص الأمعاء للكولسترول. والخوخ ضمن أعلى 5 فواكه تحتوي على مواد «بيكتين».
3 – محتواها العالي من مركبات «فينوليك» (Phenolic compounds) المضادة للأكسدة.
4 – محتواها العالي من عنصر البوتاسيوم، وتحديدا 740 ملغم في كل 100 غرام من ثمار الخوخ المجفف المنزوع منه البذر.
وأولى الدراسات كانت للباحثين من جامعة كاليفورنيا، حول خفض الخوخ المجفف لنسبة الكولسترول المتوسط الارتفاع لدى الرجال. وتم نشرها في عام 1991 ضمن «المجلة الأميركية للتغذية الإكلينيكية» (American Journal of Clinical Nutrition). وتبين منها أن تناول 100 غرام من الخوخ المجفف، أي نحو 10 ثمار يوميا، أسهم في خفض الكولسترول الكلي (total cholesterol) والكولسترول الخفيف (LDL).
ثم نشر نفس الباحثين ضمن «مجلة التغذية» (Journal of Nutrition) في عام 1994، نتائج تأثيرات تناول حيوانات التجارب في المختبرات ألياف الخوخ مع وجبات غنية بالكولسترول. وتبين لهم أن ألياف الخوخ خفضت بدرجة «مهمة» نسبة الكولسترول، مما وضع الخوخ ضمن قائمة المنتجات الغذائية المحتملة الفائدة في خفض نسبة الكولسترول وتقليل احتمالات خطورة الإصابة بأمراض شرايين القلب.
وفي عدد يناير (كانون الثاني) 2009 من «المجلة البريطانية للتغذية» (British Journal of Nutrition)، نشر الباحثون من جامعة ميناسوتا دراستهم التي توجهوا فيها نحو اختبار مباشر لجدوى تناول ألياف الخوخ في تقليص حجم ترسبات الكولسترول في الشرايين (atherosclerotic plaque) لدى حيوانات التجارب في المختبرات. وبسبب الحجم الصغير لحيوانات التجارب، تم تغذيتها بكمية تعادل 10 ثمار من الخوخ المجفف. وتبين ما توقعه الباحثون، وهو انكماش حجم ترسبات الكولسترول بدرجة وصفوها بأنها «مهمة» (significant). وعلى الرغم من وجود العديد من الدراسات التي فحصت تأثيرات تناول أحد أنواع الفواكه على نسبة الكولسترول، فإن هذه الدراسة مهمة لأنها تعتبر الأولى في مجالها، ذلك أنها الأولى التي تختبر تأثير تناول أحد أنواع الفواكه في تقليص حجم ترسبات الكولسترول في الشرايين. وترسبات الكولسترول هي السبب في تضييق الشرايين وظهور أعراض أمراض شرايين القلب أو الدماغ.
وقال البروفسور دان غاليير، الباحث الرئيسي في الدراسة وأستاذ علم الأطعمة والتغذية في جامعة ميناسوتا: «هذه الدراسة تحفر في أرض جديدة عبر إظهارها خفضا مهما في تطور تكوين ترسبات الكولسترول في الشرايين. وهي تقوي الفكرة التي تقول بأن تناول الفواكه، وبخاصة الخوخ المجفف، وسيلة للوقاية من الإصابة بأمراض شرايين القلب». وعلق ديف غروتو، الباحث المشارك في الدراسة، قائلا: «أنا أعتبر الخوخ المجفف فاكهة ممتازة جدا»، «فاكهة سوبر» على حد قوله، «لأنها تمتلك فوائد صحية فريدة، وهي متوفرة في متناول يد الراغبين فيها». وبالمناسبة، ديف غروتو هو مؤلف كتاب «101 طعام يمكنه إنقاذ حياتك» المشهور< دور الخوخ في تسهيل الإخراج ومعالجة الإمساك > نشر الباحثون من كلية الطب بجامعة أيوا الأميركية في عدد أبريل (نيسان) الماضي من مجلة «صيدلانيات وعلاجات الجهاز الهضمي» (Aliment Pharmacol Ther)، دراستهم المقارنة بين تناول ثمار الخوخ المجفف وتناول العقاقير المحتوية على بذور «البَزَرْقَطُونَاء» (psyllium). والعقاقير المحتوية على بذور «البَزَرْقَطُونَاء» تتوفر في الولايات المتحدة تحت اسم «ميتاميوسيل» (Metamucil)، وفي أستراليا تحت اسم «بونفيت» (Bonvit). وهى من الأدوية الشائعة الاستخدام لعلاج الإمساك. وقارن الباحثون بين تناول 50 غراما من الخوخ المجفف مع كمية مماثلة بمحتوى الألياف في «البَزَرْقَطُونَاء». وخلصوا إلى الخوخ المجفف فوق أنه علاج آمن ومتوفر بسهولة، هو بالفعل أقوى فاعلية من «البَزَرْقَطُونَاء» في معالجة حالات الإمساك، وتليين الإخراج، ويجب أن يكون أول خط في عملية علاج هذه الحالات.
والواقع أن إحدى أقدم وأشهر الفوائد الصحية لتناول ثمار الخوخ، تنشيط عمليات الهضم وتسهيل عملية الإخراج ومعالجة الإمساك. وبشكل أكبر تأثيرا، تناول ثمار الخوخ المجفف. وتشير الدراسات الطبية إلى أن ثمار الخوخ تحتوي على عنصرين مهمين لتسهيل الإخراج (laxative)، هما الألياف وسكريات «سربيتول» (sorbitol).
والألياف المتوفرة في ثمار الخوخ الطازج، وبكمية أعلى في الخوخ المجفف، هي نوعان: «الألياف الذائبة»، و«الألياف غير الذائبة»، أي في الماء. وكل 100 غرام من شرائح الخوخ الطازج تحتوي على غرامين اثنين من الألياف، بينما تحتوي كمية 100 غرام من ثمار الخوخ المجففة والمنزوع منها البذر، على 9 غرامات من الألياف. وهي بهذا من بين المنتجات النباتية المحتوية على نسبة عالية من الألياف. والحاجة اليومية من الألياف للمرأة البالغة تبلغ 25 غراما، وللرجال 30 غراما. وكثير من الناس يلحظ ليونة وسهولة حال الإخراج بتناول 4 أو 5 ثمار، وهو ما يعني أن تدني تناول الألياف هو أحد الأسباب المهمة والشائعة للإمساك وصعوبات الإخراج لدى الكثيرين.
سكريات «سربيتول» الكحولية، المتوفرة في الثمار الطازجة والمجففة للخوخ لا تمتصها الأمعاء الدقيقة خلال عمليات الهضم. ولذا تذهب إلى الأمعاء الغليظة مع فضلات الطعام. وفي الأمعاء الغليظة تعمل على جذب الماء إليها، وبالتالي تعوق امتصاص القولون للماء من فضلات الطعام. كما أنها توفرها في القولون يعطي غذاء للبكتيريا الصديقة التي تعيش في الأمعاء، والتي يسهم وجودها في تنظيم عمل القولون وتخفيف أعراض القولون العصبي ومنع الإصابة بالإمساك أو الإسهال. وبهذين التأثيرين، يرتاح القولون وتصبح الفضلات أكثر ليونة وأسهل لإخراجها. وكمية 10 ثمار مجففة أو طازجة من الخوخ، تعني تناول نحو 14 غراما من سكريات سربيتول، وهي كافية لتنشيط الإخراج وتسهيله وتليين البراز.
وثمة نقطة مهمة، وهي أن الخوخ يحتوي على ألياف «بيكتين» (pectin) بكميات عالية، ومواد «بيكتين» تزيد من لزوجة وحجم البراز، وبالتالي تمنع التسبب في الإسهال. بمعنى أن الخوخ يزيد من ليونة البراز بدرجة لا تصل إلى حد التسبب في الإسهال.
والطريف أن أرنولد شوارزنيغر، حاكم ولاية كاليفورنيا، أعلن في عام 2009 أن شهر يونيو (حزيران) هو شهر كاليفورنيا لصحة الجهاز الهضمي بثمار «الخوخ المجفف» (California Dried Plum Digestive Health Month). وقال حينها: «ثمار الخوخ المجفف مصدر عظيم لعناصر غذائية مهمة بصفة حيوية وتسهم في الحفاظ على صحة الجهاز الهضمي» < الخوخ الطازج والمجفف.. ثمار عامرة بالعناصر الغذائية الصحية > وفق إصدارات وزارة الزراعة الأميركية (USDA National Nutrient data base)، فإن القيمة الغذائية لكل 100 غرام من شرائح ثمار الخوخ (Plums) الطازجة دون البذرة، أي محتواها من العناصر الغذائية، تتمثل في أن كمية الطاقة تبلغ 46 كالوري (سعرا حراريا)، وكربوهيدات نحو 12 غراما، منها 10 غرامات سكريات، وغرامان اثنان ألياف، ودهون 0.3 غرام، وبروتينات 0.7 غرام.
أما من الفيتامينات، فتحتوي تلك الكمية من الثمار الطازجة للخوخ على فيتامين «إيه» (Vitamin A) 345 وحدة دولية (IU)، 12 في المائة من حاجة الجسم اليومية. فيتامين «سي» (Vitamin C) 10 ملغم، 11 في المائة من حاجة الجسم اليومية. فيتامين «كيه» (Vitamin K) 7 ميكروغرامات، 7 في المائة من حاجة الجسم اليومية. ومجموعة من الفيتامينات بنسبة تتراوح بين 2 و4 في المائة من حاجة الجسم اليومية لكل من فيتامين «فولييت» (Folates)، و«نياسين» (Niacin)، و«حمض بانتوثينك» (Pantothenic acid)، و«بايروديكسين» (Pyridoxine)، و«رايبوفلافين» (Riboflavin)، و«ثيامين» (Thiamin)، وفيتامين «إي» (Vitamin E).
ومن المعادن والشوارد تحتوي كمية 100 غرام من ثمار الخوخ الطازجة على البوتاسيوم (160 ملغم). الكالسيوم (6 ملغم). النحاس (57 ميكروغراما)، 6 في المائة من حاجة الجسم اليومية. ومجموعة أخرى بنسبة نحو 2 في المائة من حاجة الجسم اليومية، لكل من الحديد والمنغنيز والمغنسيوم والسيلينيوم والفسفور والزنك.
وفي كل 100 غرام من ثمار الخوخ المجففة (prunes)، ودون البذور، نحو (240 كالوري). كربوهيدرات (64 غراما)، منها نحو 40 غراما سكريات. و9 غرامات ألياف. ودهون 0.4 غرام. وبروتينات 2.2 غرام. وفيتامين «إيه» 780 وحدة دولية، أي نحو 26 في المائة من حاجة الجسم اليومية، وفيتامين «كيه» 14 في المائة. وبسبب التجفيف تنخفض نسبة فيتامين «سي» إلى حد 0.6 ملغم. وترتفع نسبة الكالسيوم إلى 72 ملغم، أي أكثر من 10 أضعاف الكمية في الأنواع الطازجة. وتبلغ نسبة الحاجة اليومية من الفسفور والحديد والبورون 10 في المائة، ومن البوتاسيوم 17 في المائة <
* اهتمام طبي بـ«الفاعلية الوظيفية للأطعمة»
* «الفاعلية الوظيفية للأطعمة» (functional food) تعني أن لأنواع معينة من المنتجات الغذائية الطبيعية تأثيرات صحية في جسم الإنسان تفوق مجرد تزويدها للجسم بأنواع متنوعة من الفيتامينات والمعادن والبروتينات والسكريات والدهون والألياف والمركبات الكيميائية الأخرى. وهذه التأثيرات الصحية الإيجابية سببها هو أن الثمرة المأكولة، سواء كانت فاكهة أو خضارا أو أوراقا أو بقولا أو حبوبا، مخلوقة ضمن حساب دقيق لمحتواها من المعادن والفيتامينات والبروتينات والألياف والدهون والسكريات والمواد الكيميائية الأخرى. وهي بهذا عبارة عن «عبوة» أو «كبسولة»، وحينما يتم تناولها فإنها تكون مفيدة من الناحية الصحية لتحقيق غايات رفع مستوى صحة الجسم، والوقاية من الإصابة ببعض الأمراض أو الاضطرابات الصحية، وربما حتى في معالجة بعض تلك الأمراض.
وتشير نشرات رابطة التغذية الأميركية إلى «موقفها» من توسع الاهتمام بالقيمة الصحية للأغذية من خلال فاعليتها الوظيفية. ومما تذكره حقيقة مهمة، وهي أن الاهتمام بهذا الجانب هو حديث نسبيا في أوساط الطب في الغرب وينمو بشكل سريع وتدعمه توجهات كثير من الدراسات الطبية الحديثة، بينما عمر الاهتمام بهذا الجانب قديم جدا في طب الشرق، مثل الطب الصيني والهندي، بفترة تصل إلى ألف عام قبل الميلاد. وكذلك في الطب الشعبي القديم لسكان مناطق واسعة من أفريقيا وآسيا وأميركا.
واليوم ثمة أدلة علمية واسعة وقوية على أن أطعمة ومنتجات غذائية معينة مفيدة في الوقاية والمعالجة من أمراض واضطرابات صحية عديدة. وتتبنى النصيحة بها إرشادات علاجية لكثير من الهيئات الطبية العالمية مثل: إدارة الغذاء والدواء الأميركية، ورابطة القلب الأميركية، والبرنامج القومي للكولسترول، واللجنة المشتركة لضغط الدم، ورابطة مرض السكري الأميركية، والمجمع الأميركي للسرطان.. وغيرها كثير. والجيد في سلوك هذه الهيئات الطبية العالمية هو تشجيعها ودعمها البحث العلمي في هذا المضمار، وتبنيها منهجا صارما ودقيقا في «النصح بمقدار إثبات قوة البرهان بالدليل العلمي». ولكن لا تزال ثمة حاجة لضبط كثير من الادعاءات الخاصة بفائدة منتجات غذائية معينة على حالات صحية معينة، وإعلان ذلك على عبوات تلك المنتجات الغذائية التي تباع للناس.
ومن بعض أمثلة ما تتبنى الهيئات الطبية العالمية جدواها الصحي:
1 – تناول حبوب الشوفان الغنية بالمعادن والفيتامينات والألياف ومواد ساتنول في خفض الكولسترول وعلاج الإمساك وتخفيف خطورة الإصابة بأمراض شرايين القلب.
2 – الإكثار من تناول الخضار والفواكه بشكل عام لخفض الإصابات بأنواع معينة من الأمراض السرطانية وخفض ضغط الدم وحماية شرايين القلب والدماغ.
3 – تناول لحوم الأسماك لخفض الكولسترول والدهون الثلاثية وخفض ضغط الدم وحماية الدماغ من تدهور القدرات الذهنية.
4 – تناول بذور الكتان لخفض الكولسترول.
5 – تناول المكسرات، وبخاصة الجوز والفستق لخفض الكولسترول والوقاية من أمراض شرايين القلب.
ومن أمثلة المكونات التي تنسب إليها صفة «ذات الفاعلية الوظيفية» في الأطعمة (functional components)، والتي منها ما ثبتت جدواها الصحية ومنها ما لا تزال محل البحث العلمي:
1 – المواد المضادة للأكسدة. ومنها «بيتا وألفا كاروتين» (carotene) الموجودة في الجزر والعديد من الخضار والفواكه الملونة بمشتقات اللون البرتقالي، ومواد «ليوتين» (Lutein) الموجودة في الخضراوات الخضراء اللون. ومواد «لايكوبين» (Lycopene) الموجودة في البطيخ والطماطم والخضراوات والفواكه الحمراء والمنتجات الغذائية المصنوعة منها كالصلصة والكاتشاب. ومواد «زانثين» (Zeaxanthin) في صفار البيض والذرة والحمضيات والقرع وبقية الخضار والفواكه الصفراء. ومواد «فلافونويد» (Flavonoids) في الشاي والحمضيات وكثير جدا من الخضار والفواكه.
2 – الألياف. وهي على نوعين. النوع الأول هو «الألياف غير الذائبة» (Insoluble fiber)، أي لا تذوب في الماء، كما في الحبوب والبقول، وكثير من الخضار والفواكه. والنوع الثاني «الألياف الذائبة» (Soluble fiber) والمتوفرة في البقول والحبوب وكثير من الخضار والفواكه. وكذالك مواد «بيتا غليكان» (Beta glucan) المتوفرة في حبوب الشوفان.
3 – دهون «أوميغا-3» و«دهون أوميغا-6»، كما في الأسماك والحيوانات البحرية الأخرى والمكسرات والزيتون وغيرها.
4 – مواد «سالفورافان» (Sulphoraphane). كما في الملفوف والبروكلي والقرنبيط والفجل.
5 – مواد «ستانول/ ستيرول» (Stanols/Sterols). المضادة لامتصاص الكولسترول كما في المكسرات والبقول والذرة وغيرها.
6 – مواد «تانين» (Tannins). مثل مواد «Proanthocyanidins» الموجودة في التوت والفراولة والشوكولاته.
7 – مواد «ليغنان» (Lignans)، كما في بذور الكتان والشعير والخوخ.
وهناك جانب آخر يُصنف ضمن «الفاعلية الوظيفية للأطعمة»، وهو في الحقيقة منفصل عنها، وهي أنواع «الأطعمة المحصنة» (Fortified foods) وأنواع «الأطعمة المعززة» (Enhanced foods). ومن أمثلة «الأطعمة المحصنة» أنواع العصير المضاف إليه الكالسيوم، ودقيق الحبوب والحبوب المضاف إليها فيتامين الفولييت، أو المضاف إليها ألياف، «طعام الطفل الرضيع» (Infant formulas) المضاف إليها الحديد، والحليب المضاف إليه فيتامين «دال». ومن أمثلة «الأطعمة المعززة» مشتقات الألبان المعززة بالبكتيريا الصديقة (probiotics)، ومرق السلطة (salad dressings) المعزز بالمواد المضادة للأكسدة، والبيض المعزز بدهون «أوميغا-3»