تتحول المرأة على منصة عروض مصممة الأزياء الإماراتية زرينة يوسف دائماً إلى أميرة شامخة تسبح في عوالمها الشرقية الخاصة جداً، فتبدو تحت طبقات حرير هذه المصممة كائنا ساحرا غامضا وقويا، راسمة على الأجساد تلك الزخرفات اليدوية المتسلقة للقوامات الممشوقة، ومزينة الخامات بظلال ألوان الأحجار الكريمة، ونقوش يدوية كحلتها بسواد ملكي.
قدمت المصممة في مجموعتها الأخيرة لخريف وشتاء ،2011 التي عرضت في المركز التجاري العالمي في دبي أخيراً، مجموعة كبيرة ومتنوعة من فساتين السهرة التي تفاوتت بين الطويلة والقصيرة، والتي اجتمعت معظمها على اللمسة الراقية الـ«هوت كوتور» التي لفت التصاميم والقصات المتقنة، والزخرفات الدقيقة للخيوط الحريرية المعتمدة على الحبك اليدوي الفخم، مقدمة، وللمرة الأولى، عدداً من الفساتين القصيرة أيضاً وفكرة «الجمبسوت»، وهي الابتكارات التي لم تخرج عن فكرة المجموعة ومزاجاتها، مراوحة بين اللمسات الشرقية المنسدلة وبين النقوش الباروكية المحبة لكثافة التفاصيل، فكانت زرينة كعادتها قادرة على أن تصل بمجموعتها إلى تلك البصمة الخاصة بها، والتي لا يمكن إيعازها لفن محدد، أو حضارة ما، ولا يمكن وصفها سوى بالبصمة «الزرينية» النابعة من تراكمات الذاكرة وكل المشاهد والصور التي طبعت في مخيلتها وتشبعت بها مساماتها، متحولة إلى لمسة خاصة بتلك المصممة.
أحجار نفيسة
تنوعت ألوان المجموعة وتراوحت درجاتها وظلالها بين تلك الألوان والانعكاسات التي تميز الأحجار الكريمة، وأنواعها النفيسة، وبين الداكن والفاتح، والبارد والناري، عمدت المصممة إلى أن تزخرف كل تلك الخامات بالنقوش والزخارف، التي غالبا ما تكحلت بالأسود، إضافة إلى ألوان أخرى مثل الزخرفات الذهبية والفضية، والبيضاء، والكريمية، والبنية، والحمراء بدرجاتها المتراوحة بين الداكنة المارونية، والنارية وتلك المقاربة للدرجات الوردية والبطيخية، إضافة الى البنفسجية، والرمادية بدرجتيها الداكنة والفاتحة، ودرجات اللون الاخضر المتفاوتة بين الداكنة وتلك الباستيلية الهادئة، واللون البرتقالي.
وفضلت المصممة تحويل تلك الزخرفات المزينة للخامات، إلى عنصر رئيس فيها، سواء من خلال كثافتها أو من خلال توظيف ألوانها لتكون جزءاً لا يتجزأ وعنصرا معززا لألوان الخامات، من خلال اختيارها ألوان الخيوط الحريرية للتطريزات ذات الدرجات المتباينة مع الخامات، بين داكن وفاتح، أو صارخ مع هادئ، أو من خلال اعتماد التطريزات السوداء، أو البيضاء، أو تلك الخيوط ذات الألوان المشابهة لألوان الخامات، بدرجات أدكن قليلاً أو أفتح بشكل جزئي، ما جعلها تبدو أقرب إلى فكرة الخامات المطبعة بالنقوش، وهو ما ميز دقة التطريزات وإتقانها، بعيداً كل البعد عن تعزيز هذه الابتكارات باحتشاد الكريستال أو اللمسات اللماعة، تاركة إياها تتبختر وتتباهى بروعة العمل اليدوي دون إضافات أخرى.
ولم يقتصر تميز التطريزات على إتقانها ودقتها وزخرفاتها الكثيفة التي تطال مساحة الخامات بالكامل، بل أيضاً على التفاوت الواضح في سماكة وأحجام هذه المشغولات اليدوية، التي تبرز في أجزاء معينة من الفساتين وتخبو تارة أخرى، متضخمة في المناطق التي مالت المصممة إلى إبرازها لتتضاءل في أخرى.
نعومة
نوّعت زرينة في القصات التي تضمنتها المجموعة، إلا أنها اجتمعت كلياً على اللمسة الناعمة في خطوطها وأفكارها، مقدمة القصات الواسعة المنسدلة المقاربة لقصة الجلابية، إضافة إلى الفساتين الضيقة عند منطقة الصدر، والمتحررة بتموج هادئ بعد ذلك، أو تلك التي تضيق بالكامل لتتموج عند الحواشي، والفساتين ذات القصات الثمانية للتنورة، أو ذات حمالات الكتف الوحيدة، والأطواف المتفاوتة بقصة أقرب إلى المنديل، إضافة إلى قصة السراول والقميص المتلاصقين «الجمبسوت».
مع تنوع القصات، لم تحصر المصممة نفسها في قصات محددة للصدر والكتف، بل فضلت أن ترفع سقف الحرية في قصاتها لهذه المجموعة وتنوع بين تلك المغلقة بالكامل ذات العنق العالي والأكمام الطويلة، أو القصيرة، أو ذات فتحات الصدر الواسعة، أو الأخرى المعروفة باسم قصة «القلب» لفتحاتها المقوسة، أو العارية المتميزة بطبقة صدر متموجة واسعة، إضافة إلى الفساتين عارية الكتف، أو ذاتها المختفية تحت سترات قصيرة ناعمة بحواش مموجة، أو الفساتين ذات الحمالتين، أو ذات فتحت الرقبة المستقيمة والأكمام المستديرة، أو تلك المزينة بصدر مستدير كبير ذي رقبة عالية مكون بالكامل من الكشكش الكثيف شديد الدقة بشريط ناعم يزين الرقبة العالية، أو الفساتين المزينة بطبقات الشيفون المكبوس «بليسيه» أو الصدر المتجمع بكثافة تحت رقبة عالية مزينة بمناديل مربوطة.
«فيونكات»
تزينت المجموعة بقطع بسيطة وناعمة من الأحزمة الشريطية الناعمة التي زينت الفساتين سواء في منطقة الخصر أو تحت الصدر والمربوطة على شكل «فيونكة» ناعمة، والتي قاربت في فكرتها أيضاً بصمة المصمم اللبناني إيلي صعب في تزيين فساتينه دائماً بفكرة مقاربة من الأحزمة الناعمة، ما يعزز رقة وأنوثة الفساتين دائما، وهي الأحزمة التي ركزت المصممة على أن تبرزها باللون الأسود بالشكل الغالب، بينما فضلت تغيير اللون في بعض التصاميم لألوان مشابهة لألوان التطريزات اليدوية، إضافة إلى ذلك، غلبت أيضاً على المجموعة تلك الزينة اليدوية المكونة من كرات سوداء قماشية ناعمة تدلت أحياناً من جوانب الفساتين أو أضيفت على التطريزات في أماكن معينة، كما فضلت المصممة التركيز على تزيين حواشي التطريزات بتموجات شديدة الدقة والنعومة منهية بها حدود التطريزات والقصات، ما عزز تلك البصمة التي تشتهر بها زرينة في الميل الدائم إلى المثالية وتحقيق الكمال في أدق التفاصيل.