بعد أن اقتحمت المرأة خزانة الرجل، تأخذ منها ما تشاء من قمصان وقطع مفصلة على شكل معاطف أو تايورات، كان لا بد أن تكسر مفاتيح صندوق مجوهراته وتأخذ ما يروق لها من محتوياته، من أزرار أكمام القمصان (الكبك)، إلى ساعات اليد الضخمة الحجم أو التي تتضمن تعقيدات ووظائف جد متطورة، ظلت حكرا عليه لزمن طويل.
المرأة العصرية لم يعد يكفيها التصميم الأنيق فحسب عندما يتعلق الأمر بساعات اليد، بل باتت تتوق بدورها لما هو أكثر من ذلك، أي «التعقيدات»، أو ما يعرف بالـ«غراند كومبليكاسيون» في عالم الساعات السويسرية. وكلمة «كومبليكاسيون» هي تعبير فرنسي يشير إلى أي وظيفة إضافية لساعة ميكانيكية تتعدى وظيفتها تحديد الوقت وحده. وتنتمي أكثر الموديلات هنا إلى النوع الفخم من الساعات، وتباع مثل أندر التحف، بآلاف الدولارات. وغني عن القول إنه حتى وقت قريب كانت فكرة ابتكار موديلات خاصة منها للسيدات رفاهية لا حاجة لها. لذلك، كان من السهل أن يظل الاعتقاد بأن النساء لسن مهتمات بالوظائف المعقدة والمتطورة، ثابتا، رغم أن الأمر لم يكن كذلك في القديم. فتاريخيا، حصلت السيدات على ساعات بنفس مستوى الجودة التي حصل عليها الرجال في القرون الماضية. ففي عام 1827، مثلا، ابتكر أبراهام لويس بريغيه أكثر روائعه تعقيدا، رقم 160، لماري أنطوانيت. ولم يمهل العمر الملكة سيئة الحظ لترى ساعة الجيب بعد الانتهاء من صنعها، وتكحل عينيها بتصميمها الذي يكمله تقويم دائم وتقنية معادلة الزمن وإصدار صوت للتعريف بالوقت بالدقيقة وكرونوغراف، فضلا عن ترمومتر معدني. وجميعها متراصة خلف طبقة مينا من الكريستال الصلب. بعبارة أخرى، لم يتم إغفال أي تفاصيل في هذه الساعة التحفة، فحتى ظهر الإطار كان مرصعا بالماس.
مرت السنوات والقرون، وتغيرت أولويات المرأة وصناع الساعات على حد سواء، إلى أن اقتحمت دار المجوهرات الباريسية «فان كليف آند اربلز» عالم الساعات منذ خمسة أعوام بابتكار نوع جديد تماما من «التعقيدات الشاعرية» (Poetic Complications)، لوصف مينائها الثلاثي الأبعاد التوربيون (وهي الفئة التي يبدأ سعرها بنحو 65.428 دولار. هذه المرة كانت موجهة للسيدات فقط، وفتحت شهيتهن للمزيد. ففي هذه المجموعة أصبحت العقارب الارتجاعية الخاصة بالساعات والدقائق تتخذ شكل أذرع جنيات أو فراشات.
لكن «فان كليف آند اربلز» ليست وحدها التي خاضت هذا المضمار، فشركة «باتيك فيليب» أيضا تقدم للسيدات نوعين من ساعات الـ«غراند كومبليكاسيون»، ويمكنهن الاختيار ما بين ساعة صوتية تعرف بالوقت بالدقائق، أو ساعة كرونوغراف بدافع أحادي. وفي الوقت الذي ربما تكون فيه هذه الساعات لا تمثل تقنية جديدة، فإنها تعد طفرة حقيقية في عالم صناعة الساعات. فقد باتت الإطارات فيها أصغر وأرفع مقارنة بتلك التي تميز الموديلات الرجالية، مما يجعلها مريحة على المعصم. ومع أن مينا الساعة يظهر عليه الطابع الأنثوي بشكل واضح، فإنه بسيط وكلاسيكي، يتوافق مع ثقل الساعة ويكون موضع الزجاج من الكرونوغراف الوحيد المرصع بالماس.
بدورها، أجرت دار «بلغاري» تحسينات في العمق على ساعتها الجديدة «بلغاري بلغاري» التي تم إطلاقها في عام 1977، واليوم، وبعد مرور 34 سنة، تتطور لتلبي رغبة المرأة في ساعة تجمع الأناقة بالدقة. أعيد تصميم علبة الساعة بشكل كامل لتبدو أرفع من قبل، بينما حافظت على لونها الفولاذي أو الذهبي المائل إلى الوردي، وتمتعها بسطح ناعم ولامع يحمل شعار العلامة المزوج، وكذلك بمقابض ناعمة لربط سوار الساعة.
ورغم أن السوق المتاحة لهذا المستوى من التعقيدات تعتبر صغيرة نسبيا، فإن الطلب عليها في تزايد، مما يشير إلى أن أي وظيفة معقدة كانت رجالية في السابق ستصبح من نصيب الموديلات النسائية في المستقبل. الأمر الوحيد الذي يمكن أن يشكل عائقا لتحقيق هذا الأمر أن معظم هذه الساعات فخمة وتنتمي إلى ما يعرف بالـ«أوت هورلوغري» (Haute Horlogerie)، الأمر الذي يترتب عليه عمل وبحث طويل، كما يستغرق الكثير من الوقت لتنفيذه. وهذا ما قد يجعل بعض شركات الساعات تفكر في أنه لا حاجة إلى طرح موديلات نسائية أساسا، من منطلق أن المرأة التي تقبل على هذا النوع لا تمانع في شراء الموديلات الرجالية. فهي مثله، تبحث عن المنتج نفسه، الكلاسيكي والدائم الذي لا يعترف بزمن ولا يتبع إملاءات الموضة.
أما في مجال الساعات التي لا تنتمي إلى الـ«أوت هورلوغري»، فهناك أيضا وظائف معقدة لا يستهان بها. شركة «جيرار بيريغو» مثلا تنتج بعض التعقيدات النسائية شديدة الأناقة لأكثر من 10 سنوات. ورغم عدم كونها معقدة ميكانيكيا مثل موديلات «باتيك فيليب» الجديدة، فإن مجموعة «كاتس آي» صنعت لتلبي طلب المرأة الراغبة في الوظائف المعقدة، وجاء من بينها بيان أطوار القمر والعقارب الارتجاعية والتقويمات السنوية واحتياطي الطاقة. لكن بدلا من مجرد تقليص حجمها حتى تكتسب مظهرا أنثويا مختلفا عن الرجالي الكبير الحجم، تظهر في مجموعة «كاتس آي» لمسة أنثوية لافتة للنظر. فمؤشر احتياطي الطاقة، مثلا، يتخذ شكل نجمة محلقة، وتعوض المينا المصنوعة من اللؤلؤ تفاصيل الماس.
إلى جانب جيرار بيريغو، هناك شركات أخرى تقدم بدورها تعقيدات أولية في موديلاتها مثل «غلاشوتي» التي تقدم موديل «بانوماتيك» (Panomatic)، الذي يشتمل على بيان يعرض أطوار القمر، و«موريس لاكروا» التي تقدم تنويعات مبتكرة في التقويمات وبيان أطوار القمر، وشركة «بوم آند ميرسييه» (Baume& Mercier) وموديلها «Linea»، الذي أُطلِق في الثمانينات، ويعود اليوم أكثر رشاقة بتصميمه الدائري الأسخى حجما، وإنهاءاته المصقولة، من دون أن تنسى الشركة إضافة التاريخ وعقرب الثواني، وعلامات الساعة بمسامير برشامية، وكذلك مقاومتها الماء حتى عمق 50 مترا.
من جهتها، أعادت دار «فرساتشي» تصميم ساعتها الأيقونية «دي في وان» (DV One)، التي تم إطلاقها في عام 2005. النموذج الجديد يتمتع بنسخة الكرونوغراف مزودة بثلاثة عدادات، كما تتمتع بحركة سويسرية أوتوماتيكية دقيقة الصنع وبمقياس تاكيميتر على الإطار الخارجي. كما مزجت فيها ما بين طابع الموضة والأناقة والتكنولوجيا السويسرية.
وتنوي الدار أن تلحقها بنسخ أخرى تصدر تدريجيا، عبارة عن ساعة كرونوغراف (GMT)، وأخرى مرصعة بالماس والياقوت والزفير على مستوى الإطار الخارجي وترصيع كامل في مينا الساعة.
المهم أن الشركات أصبحت كلها آذان صاغية لما تريده المرأة، ما إن تهمس هي حتى يلبي الصناع، بعد أن أصبحت كلمتها مسموعة في السوق.