إن الأزواج الذين بلغوا درجة فائقة من النضج العاطفي ويتمتعون باحترام متبادل مع زوجاتهم يمرون أيضاً هم وزوجاتهم بفترة يكتشفون فيها أن الخلاف ضروري حول مسائل معينة، مثل طريقة الإنفاق، أو طريق اختيار كل طرف لأصدقائه، أصدقاء الزوج قد لا يعجبون الزوجة، صديقات الزوجة قد يعترض عليهن الزوج. طريقة تفصيل ملابس الزوجة قد يعترض عليها الزوج. طريقة حديث الزوج مع صديقات الزوجة قد لا تعجب الزوجة. مستقبل الأبناء نفسه قد يكون مجال مناقشة بين الزوجين، أو طريقة تأديب هؤلاء الأبناء، وهكذا.. إن الأزواج والزوجات يكتشفون دون قصد منهم، أنهم عرضة للاختلاف في الرأي خصوصاً في السنوات الأولى من الزواج. وأي زواج ناجح يكتشف فيه الطرفان أثناء كل مناقشة بعض النقاط التي يختلفان فيها. هنا نعرف أن الزواج كالتعليم. يجب أن نستفيد من الدروس. إننا نكشف كل ما في أعماقنا لطرف آخر، وهو يكشف لنا ما في أعماقه.
قد يكتشف أحد الزوجين أنه يملك عادة مستفزة أو أن رأيه في مسألة ما غير معقول، إذن عليه أن يعترف بذلك وأن يتخذ قراراً حاسماً وصامتاً بأن يتراجع عن هذه العادة. وأن يتنازل عن الرأي غير المعقول.
مثل ذلك الزوج الذي يصر على شراء ملابس جديدة لنفسه، بينما البيت يحتاج إلى ثمن هذه الملابس. والمثال نفسه يمكن أن «ينطبق بقوة» على المرأة أحياناً أكثر مما ينطبق على الرجل. علينا أن نعرف أن الحب يحسم الكثير من الخلافات في حالات الزواج الناجح. وعلينا أن نعرف أيضاً أن الحب عندما يختفي من البيت الذي يعيش فيه الزوجان فإن الخلافات تصبح ضيفاً دائماً في هذا البيت.
إن بعض علاقات الزواج تتحوّل إلى علاقة بين أعداء لا يعلنون عن عدائهم بشكل مباشر، والذي يحدث أن يبحث كل طرف للآخر عن أسباب ليخوض معه معركة، ويخلق له توتراً ويسبب له المشاكل. ومما لا شك فيه أن المسائل التي يمكن أن يثور حولها الخلاف في كل أسرة لا حصر لها ويمكن أن ينفخ فيها أحد الزوجين لتصبح ناراً تحرق البيت نفسه.
الدكتور بنجامين سبوك، أستاذ طب الأسرة والمجتمع، يقول:»إن هذه المشاكل تحدث عندما تملأ الكراهية قلب أحد الزوجين، وتصبح الحياة خالية من المحبة والود، وإذا ما استمرت أصبحت جحيماً بينهما. فحالة الانسجام والاتفاق يرتفع ميزان حرارتها وينخفض من يوم ليوم ومن أسبوع لأسبوع ومن شهر لآخر ومن سنة لسنة»
نمط العلاقة
يمضي الدكتور سبوك:» المسألة تتوقف على أسباب كثيرة في أعماق الزوجين، وفي المجتمع الذي يعيش فيه الزوجان، وبعض هذه الأسباب واضح تماماً، وبعضها لا يعرفه حتى الزوجان نفسهما. وتستمر الحياة في هذا النوع من الأسر، لا يستقر فيها الحب كثيراً ولا يستقر فيها الخلاف كثيراً.
إن هذا النوع من العلاقات الأسرية موجود، والأزواج والزوجات يتمتعون فيه بالبحث عن القلق ويجهدون لذة في هذا السلام الآتي من بطن الحرب، وهذا الحنان المولود من براثن الكراهية، رغم أنهم قد يستنكرون ذلك لو رأوه في غيرهم، وهؤلاء الأبناء الذين ينشأون في مثل هذه الأسر يتبعون أيضاً في أغلب الأحيان نفس الأسلوب. وهُناك بعض الأسر يولد فيها طفل يشبه أباه تماماً أو طفلة تشبه الأم تماماً، وهذا التشابه الشديد يدفع الأب مثلاً إلى التحيز الشديد للابن الذي يشبهه وقد يدفع الأم أيضاً إلى التحيز للفتاة التي تشبهها، وفي أي مناقشة بين الأم وبين الولد الذي يشبه أباه أو عندما تعاتبه على خطأ ما فإن الأب يعترض ويعلو صوته بالاعتراض والرفض لهذا العقاب.
وعلينا أن نلاحظ أن الأطفال يستغلون ذلك بمنتهى الذكاء، ويحاولون أحياناً إثارة المزيد من الخلافات بين الزوجين، وهكذا نجد أن الوالدين نفسهما قد أصبحا «لعبة في أيدي الأطفال». وأن حلبة مصارعة الثيران لا تشهد الثور وهو يهجم دون داع على مصارع الثيران، ولكن هجوم الثور يأتي دائماً بعد أن يرفع المصارع علمه الأحمر أمام الثور، ومن ثم تبدأ المصارعة ».