إذا لم تشعري في العامين الأخيرين أن هناك أزمة مالية عالمية، لأنها لم تلمسك لا من بعيد أو قريب، فإنك وعالم المجوهرات تعيشان في الكوكب نفسه.
فرغم أن سعر القطعة الواحدة منه قد يتعدى المليون دولار أميركي في الكثير من الأحيان، فإن قطاع المجوهرات الراقية بالذات، لا يبدو وكأنه تأثر بالأزمة أو اكتوى بنارها، بل العكس تماما، يعطي كل الإشارات والدلائل بأن عوده اشتد خلالها.
فقد نشط الكثير من البيوت العريقة في طرح كل ما هو مبتكر في إخراج سينمائي مثير، اعتمد بعضه تقنيات ثلاثية الأبعاد لإبراز جماليات الأحجار الكريمة من كل الوجوه، بينما ظهرت ماركات جديدة في السوق، وانتعشت أخرى بعد أن غيبها الزمن لفترة، مثل دار «فابريجيه» التي كانت في يوم من الأيام دار المجوهرات الخاصة بالبلاط الروسي.
هذه الأخيرة، أفاقت من سبات دام نحو 90 عاما خلال موسم «الهوت كوتير» الباريسي الماضي الذي شهد فعالياته في شهر أكتوبر الماضي، واعدة محبيها بأنها ستطرح إبداعاتها على موقع إلكتروني.
دار «لوي فيتون» المعروفة بأزيائها وحقائبها المنقوشة بأحرفها الأولى، قدمت بدورها أول مجموعة مجوهرات راقية في شهر أكتوبر الماضي، فيما قدمت مجموعتها الثانية خلال موسم «الهوت كوتير» في شهر يناير الأخير، الأمر الذي أصبح تقليدا باريسيا رسميا، يدخل ضمن برنامج أسبوع الموضة الراقية.
فموسم «الهوت كوتير» للأزياء، الذي تقلص من أسبوع إلى ثلاثة أيام فقط في السنوات الأخيرة، كان يحتاج إلى من يغذيه ويجعله أكثر دسامة، ومن هنا ولدت فكرة تخصيص اليوم الأخير منه للمجوهرات الراقية.
والفكرة من هذا اليوم ليست منافسة الأزياء أو خطف الأضواء منها، بل تكملتها، على الأقل بالنسبة لزبونات هذا المجال، اللاتي يحضرن من كل أنحاء العالم بحثا عن فستان أو فساتين فريدة ومفصلة على المقاس، بغض النظر عن سعره الذي قد يتعدى الـ50 ألف دولار أميركي.
بعبارة أخرى، هن زبونات مستعدات لصرف مئات الآلاف من الدولارات على قطع أزياء فما البال بالمجوهرات، التي يمكن حتى لأزواجهن أن يعتبروها استثمارا؟.
جولة سريعة في شارع المجوهرات الباريسي، «بلاس فاندوم»، أو في المحلات الخاصة ببعض بيوت الأزياء التي تتفنن أيضا في صياغة الذهب والبلاتين والأحجار الكريمة وشبه الكريمة، تشير إلى أن الأزمة فعلا لم تمس هذا القطاع، وأنه يعيش في برج عال يحتاج إلى أرصدة بنكية تدوخ الرؤوس وتزغلل العيون، فضلا عن تصميماته الخيالية.
كان هناك عقد من «فان كليف أند أربلز»، مثلا، لا يقدر بثمن، تتوسطه ماسة على شكل كرة أرضية، طرحته كجزء من مجموعتها التي استلهمتها من رحلات الفرنسي جيل فيرن في القرن التاسع عشر، التي استغرقت 20000 بطولة ومغامرة تحت الماء وخمسة أيام في بالون.
دار «فان كليف أند أربلز» ترجمتها في قطع مبهرة على خلفية عالم خيالي ساحر، تنمو فيه الورود من دون أشواك، وتظهر فيه حجرة أوبال مستديرة على شكل كرة أرضية، فضلا عن ماسة ضخمة يمكن تحريكها حول فضاء على شكل سماء زرقاء مرصعة باللازورد المائل للأزرق، وغيرها من الأشكال التي يجسد بعضها البطاريق والدببة القطبية وبعضها الأخرى جبالا من الجليد.
السفر والترحال والطبيعة، مواضيع تطرقت لها أيضا دار «لوي فيتون»، وإن كان مصممها الفني، لورانز بومر، قدمها بأشكال جديدة، كانت فيها الأزهار والورود هي البطلة.
ولأنه استقاها من أماكن غريبة وبعيدة مثل أدغال البرازيل وتاهيتي، فإنه أيضا وضعها في أماكن استراتيجية من كل قطعة، غير ناسيا «لوغو» الدار، على شكل أزهار، الذي استعمله بشكل فني وهادئ، جاء كإضافة أكثر منه إعلانا للدار.
شغف لورنز بومر بكل ما هو جميل وبالسفر كان واضحا في هذه المجموعة. فبحكم عمل والده في المجال الدبلوماسي، جاب منذ ولادته العالم، حيث عاشت عائلته في الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط وكندا. وقد مده اكتشاف العالم بكمية غزيرة من الصور المذهلة وذكريات من كل لون.
تيمة الطبيعة، سواء كائناتها الحية أو بريتها، كانت أيضا المنبع الذي غرفت منه فكتوار دي كاستيلان، مصممة دار «ديور» للمجوهرات الراقية. ويبدو أنها اتفقت مع مصمم الدار للأزياء النسائية، جون غاليانو، في الاتكاء على إرث الدار وعشق المؤسس، كريستيان ديور للورود.
وصاغ الاثنان حدائق غناء بكل ما جادت به الطبيعة من ورود وأزهار في تشكيلاتهما الأخيرة. في حالته، توالت الفساتين الطويلة ذات التنورات المستديرة برسومات تتفتح فيها الأزهار بشتى الألوان والأحجار، بل وتبدو فيها العارضة وكأنها باقة ورد بشعرها المشدود لأعلى والملفوف بالسيلوفان.
أما هي، فعادت إلى صندوق عجائبها لتخلط كل أنواع الأحجار الكريمة وشبه كريمة مثل الأوبال الأخضر لتنسق باقة تعج بالألوان. الفرق هذه المرة أنها صقلت الأحجار لتكتسب بريقا يليق بنجمات بوليوود وهوليوود على حد سواء.
أما «شوميه» فقدمت مجموعة أكثر رومانسية، استعانت فيها بعارضات ارتدين فساتين من ورق، لتأخذ المجوهرات حقها من الضوء والانتباه. وكانت القطع السائدة هنا تيجانا تليق بالأميرات والملكات، لعبت فيها على الألوان والخامات المتنوعة واستعملت فيها ماسات بألوان نادرة، وبكل الألوان عدا الأزرق المعتاد.
لكن إذا كان هناك أي شيء يشير إلى عملية هذه المجوهرات، ومراعاته تطور الزمن وإيقاعه السريع، وربما مراعاته الأزمة المالية العالمية، فهي صياغة القطعة الواحدة بشكل يخول لها القيام بوظائف متعددة.
بمعنى أنه يمكن لصاحبتها أن تستعملها حسب أسلوبها الخاص ومزاجها، فتحول قلادة إلى تاج أو طوق مثلا، وأقراط أذن إلى «بروش» وهكذا، وهو أمر يحتاج إلى حرفية عالية وتقنيات لا تقل دقة.