على عكس الفطرة والمعتاد بات من المألوف في الدراما المصرية عرض فكرة ملاحقة الفتيات للشباب , والتي دعمتها ونشرتها بشكل كبير ملسلسل “قصة الأمس” في نموذج شخصية ” مرفت ” التي جسدتها الفنانة ” ميرنا “، والتي أعطت للفتيات نموذجاً بأن الإلحاح في ملاحقة الرجل لابد وأن يصل بهن إلى النتيجة المرجوة .
وما من شك أن الأفلام والمسلسلات بدأت تتغلغل داخل الأسرة وتؤثر فيها تأثيراً عميقاً، حيث يقوم المسلسل بعرض فكرة تتعارض مع تقاليدنا المجتمعية.. في البداية قد نستهجنها وننتقدها , ولكن بالإلحاح في طرحها بأساليب مختلفة نبدأ في التعود عليها تدريجياً حتى تصبح جزءاً من معتقدات الكثير من المشاهدين ومنهجاً لتفكيرهم..
بنات الألفية الثالثة
تقول ” مايا . ح . أ ” طالبة في الصف الثاني الثانوي : “كان زمان البنت هي اللي تفضل قاعدة تستنى العريس ييجي يخبط على بابها، وكانت بترضى بأي حد عشان مفيش غير كده , بس دلوقتي فكر البنات إتغير، أنا عندي بنات خالتي مثلاً لديهن قناعة إن البنت تنشن على الشاب اللي يعجبها وبعدين تجس نبضه , تشوفه مرتبط ولا لأ , لو إستجاب تتوكل على الله , ما إستاجبش نشوف غيره ..!”
وتضيف ” سها . س . أ ” 32 سنة : ” الشباب أصبح متردد ولو سيبتي الشاب لنفسه يا إما هيقضيها تسالي , يا إما هيفضل مأجل الارتباط نظراً للظروف الإقتصادية ، عشان كده لازم البنت هي اللي تاخد الخطوة الأولى , وتبقى ” تبتة ” وتفضل وراه لحد ما ياخد خطوة رسمية , أنا شخصياً عملت ده مع خطيبي , ومش شايفة إنه غلط خاصةً إنه كان فيه كل المواصفات اللي بتمناها . “
ويعلق ” أحمد. ا. ح ” بأن خطيبته كانت صاحبة المبادارة لارتباطهما، وأنه كان مقتنعاً بزواج الصالونات , حتى لاحظ توددها الظاهر له حيث كانت تعمل معه في نفس مكتب المحاماة الذي يعمل به , وأنها لفتت نظره بإهتمامها به وسؤالها المستمر ومحاولة الإطمئان عنه بالمحمول , حتى إخترقت سهام كيوبيد قلبه وسلم بحبها في النهاية .
حصار مرفوض
وتحكي ” سعاد . أ . م ” ناظرة مدرسة: عندي ثلاثة أبناء شباب , الإبن الأكبر مهندس والثاني محاسب والثالث طبيب …ابني الأكبر تعرف على زميلة له أثناء الكلية ونشأت بينهما علاقة عاطفية إستمرت حتى بعد إنتهاء الدراسة ..المشكلة أن ابني لم يختر الفتاة المناسبة ، حاولت أن أنصحه بالإبتعاد عنها وبالفعل حاول ولكن الفتاة ظلت تلاحقه وتحاصره بالمكالمات وعلى الإنترنت والذهاب إلى مقر عمله، وفي النهاية قرر إتمام الخطبة وبعدها تم الزواج .. وهو الآن يعيش حياة تعيسة وأصيب بمرض السكر نتيجة الضغوط النفسية التي يعانيها .
وتقول ” زينب . أ . ص ” عاملة بإحدى مدرجات كلية التجارة ” أنا بيتهيألي إن معظم البنات دلوقتي مقتنعين إن مفيش جواز إلا بهذه الطريقة , أنا بشوف هنا في الكلية كل يوم البنات وهي بتعرض نفسها على الشباب بدعوى الحب , ومالوش دعوة بمظهر البنت نهائي ساعات تلاقيها ملتزمة ومحتشمة في لبسها وبتلبس خمار وساعات إسدال كمان، وساعات واحدة كاشفة شعرها..
وتضيف : ” أنا لا أؤيد أبداً إن البنت هيا اللي تجري ورا الشاب من دول وترخص نفسها , حتى لو اتجوزته , شكلها هيبقى إيه بعد كده قدام نفسها وقدامه .. أكيد هتبقى رخيصة ومالهاش كرامة معاه ” .
ويؤيد ” محمد . م .ا” تصرفات بعض الفتيات قائلا: بالفعل إنتشرت الآن ظاهرة ملاحقة الفتيات للشباب , وحدثت معي شخصياً أكثر من مرة خاصةً أنني أعمل في مجال الطب ولدي مقومات الزواج , كان آخرها عندما صرحت طبيبة بحبها لي وقالت أنها لاتريد مني سوى دبلة خطوبة فقط , لدرجة أنها عندما يأست من إستجابتي لها , طلبت مني أن أقبل وجودها إلى جانبي بأي صفة حتى ولو صديقة , لعل قربها يحقق أملها في أي لحظة .
وبسؤاله عن الطريقة التي يفضل الزواج بها أجاب بأنه يريد أن يرتبط بفتاة خام يكون هو الشخص الأول في حياتها , سواء جاء ذلك عن طريق زواج الصالونات أو غيره , مضيفاً أنه يستطيع بخبرته في العلاقات العاطفية أن يفرق بين الفتاة الخام والفتاة صاحبة التجارب العاطفية .
وبدورها ترفض” إسراء . ص . ب” هذه التصرفات فتقول: “أنا خريجة كلية الصيدلة منذ أكثر من خمس سنوات , ومن بلد أرياف، وكل ما يتقدم لي عريس وألاقيه مش مناسب , أمي تلومني وتقولي “إنت اللي خايبة ماجبتيهوش معاكي ليه من الكلية قبل ما تخلصي” .. وكأن أمي بتلومني على إلتزامي … بس أنا مقتنعة باللي عملته ومش هفرط في كرامتي ولا في معيار إختياري مهما حصل، ومتأكدة إن ربنا هيكرمني إن شاء الله ..”
فراغ وضياع
ويعلق الدكتور ” حسين سعد الدين ” ،أستاذ علم النفس بكلية الآداب جامعة المنصورة، على الظاهرة بأن ذلك يرجع إلى قصور في عملية التنشئة وعدم وجود رعاية من الوالدين , ينتج عنها بنات تعاني من الفراغ والضياع , وشباب مجوف نفسياً يحب ملاحقة الفتيات له , لأنه ببساطة لايجد شيئاً يحقق فيه ذاته فيشعر بأنه ذو قيمة عندما تلاحقه الفتاة في حين أنه فاقد القيمة داخلياً .
ويؤكد أن التنشئة الصحيحة وتوفير فرص عمل حقيقية للشباب يحققون فيها ذاتهم وتؤمن لهم فتح بيت بشكل معقول، سيغير الوضع إلى الأفضل ويحجم الإنزلاق الأخلاقي وإنحدار القيم بين الشباب والفتيات .
فرصة وهتطير
ويرى الدكتور ” مهدي القصاص ” ،أستاذ علم الإجتماع بكلية الآداب جامعة المنصورة، أن إزدياد معدل البطالة وعدم وجود الدخل الكافي لتكوين أسرة , خلق لدى المجتمع ثقافة أن الشاب المناسب ذو الدخل الجيد ” فرصة وهتطير لو ما لحقوهاش “, وبالتالي يرسخون لدى الابنة أن عليها أن تقوم بالمبادرة بالبحث عن فرصة للزواج، وبمجرد أن تجد بصيص أمل في شاب ذو دخل مناسب أو صاحب حرفة أو لديه شقة أو تجارة “تمسك فيه بإيديها وأسنانها” , خاصةً عندما تسمع من صديقاتها أو قريباتها اللاتي تأخرن في الزواج ” ما تعمليش زي حالاتي ” , لذلك تكون الفتاة حريصة على الحصول على أي فرصة حتى لو لم تكن في صالحها , وذلك لأن فترة الإنتظار تسبب مشاكل نفسية وإجتماعية ويكثر فيها القيل والقال , والنتيجة إما أن تنسحب على نفسها وتعتزل المجتمع , أو تنفتح بصورة لافتة للنظر تكون معوقة لها في الإرتباط لأن طريقتها تثير علامات إستفهام حولها .
ومن خلال مشاهداتي في الكلية لاحظت أن بعض الفتيات عندما تلاحظ تغيب زميلها لفترات طويلة، وتستفسر منه عن سبب غيابه المتكرر ويجيبها بأن السبب هو إنشغاله في التجارة أو لأنه يعمل صنايعي في حرفة ما إلى جانب دراسته , تبدأ بعدها الفتاة في التقرب إليه وتنفذ الأبحاث المطلوبة منه بل وتقدمه بنفسها أحياناً , كل ذلك دون وعد صريح بالزواج , ولكنها تستمر في التودد وملاحقته بالاتصالات بحجة الاطمئنان عليه في محاولة لتوطيد العلاقة , وخاصةً أنها تجد أن حياته العملية مضمونة .
بجاحة إلكتروني
وتقول الدكتورة ” عايدة السخاوي ” ،أستاذة بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة المنصورة، : منذ 25 سنة كنا عادةً في الجامعة نرى البنت جالسة أو تستند على السيارة والشاب واقف أمامها يتحدث إليها , الآن إنعكس الوضع وأصبحنا نجد الشاب هو الجالس والفتاة تقف على رجليها أمامه , مشيرةً إلى الدور الذي لعبته وسائل التكنولوجيا الحديثة في كسر الحواجز والرهبة والهيبة تدريجياً، خاصةً من خلال إستخدام الإيميل والفيس بوك وتويتر الذي يمنح الفتاة هوية سرية تتيح لها الحوار والتعارف على الشباب عن بعد , ومع كثرة الإستخدام تخطو خطوات نحو الكشف والتبجح.
وتضيف أن إنتشار الأمية , والأمية الإلكترونية لدى الآباء والأمهات المتعلمين منهم , جعل الأهل لايعرفون ماذا تفعل بناتهم , إضافةً إلى وجود فجوة بين أسلوب التربية وأسلوب التعامل خارج البيت , لذلك من الواجب تطوير أسلوب التربية لفتياتنا بأن الخطأ ليس فقط الخطأ الحسي أو اللمس ” زي زمان ” ؛ لأن اللمس تطور الآن وأصبح بالكلمة عبر الأسلاك، وأنه من الخطأ حجز الفتاة بعد إنهاء دراستها وكبتها داخل المنزل دون عمل , لأن هذا هو ما يدفعها إلى ملاحقة الشاب عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة.
وتختم كلامها لافتة أن الدراما ساعدت علي نشر الفكرة , فهي وإن كانت صدى للمجتمع في لحظة معينة , فهي بتكرار مناقشتها لموضوع أو فكرة معينة تقوم بعمل سيادة لها داخل المجتمع .