العالم يجاهد لكشف أسرار المخ والجهاز العصبي.. وفي أمل جديد للبشرية كشف41 ألفا من علماء النفس والطب العصبي في خمسة مؤتمرات عالمية أسرارا جديدة تعلن لأول مرة سبب ذهول العالم.
حيث كشف العلماء والباحثون عن ثورة هائلة تغير تماما ملامح الأمراض النفسية والعصبية.. وتطرح وسائل جديدة للتشخيص أهمها استخدام الأشعة والتحاليل في كشف المرض النفسي.. وتكشف أيضا عن أمصال تعمل علي حماية الشباب من خطر الادمان.. وأهم من ذلك كله تكشف عن علاجات جديدة تماما بدأت تخرج من مراكز الأبحاث تعمل بأساليب ومفهوم جديد لم تكن موجودة من قبل.
إنها ثورة بكل مفهوم الثورة, حيث تغيرت كل أنماط التشخيص والعلاج والحماية والوقاية من المرض النفسي والعصبي الذي أصبح يصيب450 مليون إنسان فوق سطح الأرض. وان الاكتئاب وحده وصل الي140مليون انسان, أما حالات القلق والخوف فقد وصلت في العالم الي200 مليون انسان خائف وقلق.. ووصل الإدمان في العالم أيضا الي130 مليون إنسان مدمن.. أما الأرقام في مصر فإنها تؤكد وجود مليون و200 ألف إنسان مصري يعاني عذاب الاكتئاب.
بعد عودته من مؤتمرات الطب النفسي العالمية في باريس والأرجنتين وامستردام والصين ودبي اختص عملاق وأستاذ الطب النفسي د. أحمد عكاشة تحقيقات الأهرام للإفصاح عن الجديد في هذا العالم المجهول النفس البشرية.
في البداية يؤكد أنه ثبت ان المرض النفسي لايورث.. ولكن الاستعداد للمرض النفسي هو الذي يورث للأبناء بواسطة عدة جينات متعددة الأشكال تعطي هذا الاستعداد.. ولكن وجد العلماء بعد دراسة التوائم المتشابهة ان نسبة التوءم الذي أصيب شقيقه بمرض نفسي مثل الفصام أو الاكتئاب لايزيد علي30%, مما يعطي الاشارة بأن البيئة كالفقر والبطالة وعدم العدالة الاجتماعية وأحداث الحياة والضغوط والكروب تلعب نحو07% من نشأة المرض النفسي.. وأكدت الأبحاث أيضا أن الظروف البيئية والتنشئة المبكرة تحدث مايسمي مافوق الوراثة ويعني أنها تغيير في التعبير الجيني مما يخفف ويعدل من التأثير الوراثي في المرض النفسي.
تصوير المخ
> ويحملنا معه استاذ الطب النفسي الي الدور الخطير الذي سوف يلعبه تصوير المخ خلال السنوات القادمة اذ ان تصوير المخ بما يسمي الرنين المغناطيسي الوظيفي.. وكذلك بطريقة الـPET والـSPECT تلعب دورا كبيرا في فهم أسباب نشأة المرض النفسي والمسارات والموصلات العصبية.. وكذلك مكان تأثير العقاقير.. وكيفية تغير الموصلات العصبية بتأثير الدواء.. وأصبح اكتشاف تأثير الدواء يعتمد علي مدي نجاحه في تغيره للموصلات والمسارات العصبية في المخ.. وهذا الاسلوب التصويري يطبق الآن في بحوث الاكتشافات الدوائية وسوف يمكن بعد ذلك استخدامه في تشخيص ومتابعة المرض.
العلاج حسب الخريطة الجينية
ويأخذنا د. أحمد عكاشة الي مزيد من المجالات المدهشة تكشف أسرار النفس البشرية.. ويحدثنا عن ضرورة عمل خريطة جينية للمريض النفسي أو العصبي وسوف نستطيع عن طريق الحصول علي هذه الخريطة لكل مريض وصف العلاج المناسب, إذ إن صيدلية الأمراض النفسية تتضمن الآن مايزيد عن42 عقارا مضادا للاكتئاب, ونحو50 عقارا لعلاج الفصام.. وحتي يمكن تحديد الدواء المناسب لكل حالة.. فإن الخريطة الجينية للمريض هي التي سوف تحدد الدواء.. وبذلك نحمي المريض من محاولات تجربة كل عقار, قد يكون مناسبا أو غير مناسب.
أدوية جديدة
ثم يأتي الحديث عن الصيحة المذهلة في العلاجات حيث يقول د. عكاشة طوال الـ50سنة الماضية كانت العقاقير الخاصة بعلاج الحالات النفسية والعصبية تعمل من خلال الموصلات العصبية أساسا, وهي مواد موجودة بالمخ( الدوبامين ـ والسيروتونين ـ والنود أدرينالين) ولكن الآن بدأت البحوث في الكشف عن عقاقير جديدة تعمل من خلال هرمونات وبروتينات وبيتايوس ـ تؤثر مباشرة في التعبير الجيني للمريض وهذه ثورة جديدة في علاج المرض النفسي.
تحليل دم يكشف المرض النفسي
ومن الطروحات المذهلة أيضا اكتشاف اختبارات تؤيد وتثبت وجود المرض النفسي.. كما طرحت اختبارات تبين نوع المرض النفسي لكل مريض بل وتجاوزت تحديد نوع المرض باكتشاف قابلية الانسان للمرض النفسي.. وأهم هذه الاختبارات هو اكتشاف تحليل للدم للمريض النفسي يكشف نوع المرض وماإذا كان مريضا نفسيا بالفعل أم لا وعلي أساسه يتقرر العلاج المناسب.. بل ويصل الي حد تحديد ماإذا كان الشخص معرضا للمرض النفسي أم لا..
مصل ضد الادمان
وأعلن الباحثون في مؤتمراتهم المثيرة عن اكتشاف مصل لمدمني الكوكايين.. وان الأبحاث في طريقها الآن الي إيجاد مصل للهيرويين والحشيش والمخدرات.. وهذه الأمصال تعمل تماما مثل أمصال الأمراض المعدية.. حيث انها تكون أجساما مضادة داخل جسم المدمن تقلل اللهفة علي تعاطي عقاقير الإدمان ولا تقف الجهود عند حد الأمصال.. فإن هناك كما أعلن في هذا التجمع العلمي الخطير عقاقير جديدة للقلق وللوسواس وللخوف وللاكتئاب وللفصام ومعدلات للمزاج ومفرحات للنفوس وعقاقير للبهجة.. إذ يتوقع خبراء وأطباء النفس في العالم الزيادة المخيفة في نسبة الأمراض النفسية خلال السنوات القادمة مع زيادة المحن والمآسي والحروب والبراكين والزلازل وسوف تنجح هذه العقاقير في تخفيف وطأة المرض النفسي من ضحاياه.
طريق الوصول للصحة النفسية
يشرح لنا د. عكاشة الذي قاد الجمعية العالمية للطب النفسي خلال سنوات طوال ـ فقد وجد انه يوجد علاقة واضحة بين الصحة النفسية وإحساس الفرد بقيمته في المجتمع واحترام كرامته وقدرته علي التعبير بمعني توفير الحرية والديمقراطية حيث توجد علاقة مؤكدة بين ذلك وبين الصحة النفسية للمواطن لأن العدالة الاجتماعية تجعل الفرد في حالة أمل مستمر.. والأمل والتفاؤل هو المقياس لجودة الصحة النفسية أي الرضا والسعادة.. وقد ثبت بأبحاث مختلفة أن الرضا النفسي له علاقة واضحة بالنسيج الاجتماعي للفرد.. كلما كنت تعيش في مجتمع يتميز بالصداقة والتكامل الأسري والانضمام الي جمعيات خيرية ورياضية وسياسية ودينية.. كان لذلك التأثير الجيد في الرضا النفسي.. بل ان الباحثين يؤكدون ان الرضا النفسي ليس له علاقة بزيادة المال والشراء.. ولكن بالنسيج الاجتماعي. وقالوا يجب استثمار الصحة النفسية بوجود مزيد من الأصدقاء. بجانب ذلك يجب ان يكون لك هواية سواء فنية أو رياضية أو اجتماعية وهذا يحميك من المرض النفسي.. وثبت ان المشي في الهواء الطلق ينشط الموصلات العصبية المسئولة عن المزاج والافيونات الربانية المسئولة عن تخفيف الألم وقد ثبت ذلك من خلال تصوير المخ بعد رياضة المشي وعن طريق المسارات العصبية في المخ المسئولة عن اللذة نستطيع مشاهدة تأثير كل هذه الانشطة علي المخ وعلي هذه المسارات.