يسيطر هاجس السمنة على عقول الكثير من البشر، غالبا من النساء، مما قد يؤثر على طبيعة حياتهن الشخصية وعلى علاقتهن بمن حولهن خاصة الأزواج.
لكن الأبحاث الحديثة أشارت إلى أن مثل هذه الهواجس هي أمور لا إرادية تتحكم بعقلية المرأة دونما شعور منها، حيث أوردت دورية «الهوية والاختلافات الشخصية» (Personality and Individual Differences) المتخصصة في علم النفس في عدد أبريل بحثا طريفا صادرا عن جامعة بيرغام يونغ بولاية يوتاه الأميركية، يفيد بأن رؤية المرأة للأشخاص المصابين بالسمنة تثير جزءا من دماغها مسؤولا عن تقييمها الشخصي لذاتها.
مما يسفر عن عقدها لمقارنة بين حجم جسدها والصورة المثلى التخيلية التي تحفظها بذاكرتها، بغض النظر عما إذا كانت تعاني من أي مشكلات غذائية أو مشكلات أخرى تتعلق بالوزن الزائد، بحسب ما يؤكد البروفسور مارك الين أستاذ علوم الأعصاب بالجامعة.
نجح الباحثون عن طريق تقنية الرنين المغناطيسي في رصد التغيرات الآنية التي تحدث في المخ عند عرض صور لنساء بدينات على المتطوعات، في حين أن مثل هذه التغيرات لا تحدث عند عرض تلك الصور على الرجال، وهو الأمر الذي قد يفسر حساسية النساء الزائدة تجاه رؤية آثار السمنة، أو تقييمهن الذاتي المبالغ لصورهن في المرآة على سبيل المثال.
ويعزو الباحثون إلى هذه التأثيرات، إصابة الكثير من النساء ببعض الأمراض النفسية المتعلقة بالنظام الغذائي مثل النهام (الشره العصبي) (Bulimia)، وهو مرض يزداد فيه النهم تجاه الطعام ويليه قيء إرادي خشية السمنة، أو مرض فقدان الشهية العصابي (Anorexia)، وهي أمراض قد تودي بحياة المرء إذا لم تعالج من قِبَل الأطباء النفسيين في المقام الأول.
حمية غذائية ورياضة
في إطار الحرب المستعرة بين البشر والسمنة، أشار بحث نشرته الدورية الأميركية لعلوم النفس «American Journal of Physiology» في عدد أبريل (نيسان)، إلى أن الحمية الغذائية وحدها قد لا تفيد في تقليل الوزن الزائد، وإلى حتمية اقترانها ببذل المزيد من الجهد البدني، المتمثل في أفضل صورة بالرياضة.
وأشارت البروفسورة جودي كاميرون، كبيرة الباحثين وأستاذة أمراض النساء والتوليد بجامعة أوريغون للصحة والعلوم، في بحثها الذي أجرته على عدد من القردة من فصيلة «ماكاو»، إلى أن التقليل من السعرات الحرارية المستهلكة يترادف مع تقليص مواز للطاقة المفقودة من خلال الأوامر الدماغية بتحجيم كمية النشاط البدني، مما يسفر في النهاية عن عدم فقدان الوزن.
أما في حال اقتران الحمية الغذائية بالرياضة، فإن معدل الأيض (التمثيل الغذائي) BMR يزداد مما يسهم في فقدان الوزن.
وعلى عكس الشائع بأن الأكلات الغنية بالدهون هي السبب الرئيسي في حدوث السمنة، فإن بحثا تم إجراؤه في فبراير الماضي، لغرض غير ذي صلة، توصل إلى خلاف ذلك.
حيث أشارت دورية «Epilepsia» المتخصصة في أبحاث الصرع إلى أن علماء الأعصاب بمعهد جونز هوبكنز قد أثبتوا أن المأكولات المشبعة بالمواد الكيتونية (أحد العناصر الدهنية Ketogenic) قد تسهم في تقليص فرص حدوث النوبات التشنجية لدى المصابين بالصرع نظرا لما تحدثه من تغيرات حيوية في تكوين الدم، والأمر ذو الصلة هنا أن هذه الوجبات لا تؤثر في زيادة الوزن – في حد ذاتها – على المدى الطويل، إلا في حالة الأشخاص ذوي الاستعداد الجيني لذلك، أي أنهم يصابون بالسمنة مستقبلا سواء أكلوا الدهون أو لم يأكلوها إذا لم يراعوا أخذ الحيطة في حياتهم العامة.
أما عن أحدث ما توصل إليه العلماء حول فوائد خفض الوزن، فأشارت الدورية الطبية البريطانية في عدد أبريل إلى ما توصل إليه خبراء جامعة جونز هوبكنز من أن جراحات خفض الوزن قبل حدوث الحمل تقي السيدات من التعرض للكثير من المخاطر الصحية أثناء حملهن.
وتقول البروفسورة ويندي بينيت، أستاذة الأمراض الباطنية بالجامعة المشرفة على الدراسة، إن خفض الوزن الجراحي السابق لحدوث الحمل إنما يقي بنسبة تفوق 80% من التعرض لتسمم وتشنجات الحمل، وبنسبة 75% من التعرض لارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل وعقب الولادة.
الغذاء والخرف
وفي السياق ذاته، يشير بحث عرض منتصف أبريل الحالي على الاجتماع السنوي للأكاديمية الأميركية لأطباء الأعصاب (المنعقد في تورنتو بكندا) وتنشره دورية «Archives of Neurology» في عدد يونيو المقبل إلى أن الأشخاص الذين يعتمدون على الأغذية المشتملة على كم عال من الأسماك والدجاج والفاكهة والخضراوات والجوز، تكون فرصة إصابتهم بمرض خرف الشيخوخة «ألزهايمر» أقل من أولئك الذين يعتمدون بصفة أكبر على اللحوم الحمراء والزبد في مأكولاتهم.
وقام البروفسور يان غو، أستاذ الطب بجامعة كولومبيا في ولاية نيويورك، وفريقه العلمي بدراسة ما يفوق ألفي شخص فوق الخامسة والستين، ومقارنة النتائج تبعا لنظم تغذيتهم الطبيعية المعتادة.
فثبت أن الاعتماد على الأغذية الصحية، التي يصطلح على تسميتها بأغذية البحر المتوسط «Mediterranean diet»، نظرا لكثرة استهلاكها في هذا الإقليم، إنما يرتبط بتقليص فرص الإصابة بالمرض لقلة ما تحتويه هذه الأغذية من الدهون الضارة.
يفهم من ذلك أن نوع الحمية قد يتغير حسب النتيجة المرجوة منها، كما أن طبيعة التغذية تختلف باختلاف الأشخاص أنفسهم.
ولتوضيح ذلك أكثر نتناول في الحديث بحثين قد يبدوان للوهلة الأولى متضاربين، لكن نظرة فاحصة لهما تشير إلى أن كلا منهما موجه إلى نوع مختلف من البشر.
ففي بحث نشرته دورية «Archives of Internal Medicine» في عدد يناير الماضي، يشير البروفسور وليام يانسي، أستاذ الطب بجامعة ديوك الأميركية، إلى أن خفض الوزن عن طريق تناول وجبات غذائية «قليلة النشويات» (carb – Low) إنما يسهم في خفض معدل ضغط الدم في نحو 50 في المائة من الحالات التي تعاني من ضغط الدم المرتفع المزمن، مما يعني إمكان توقفهم لاحقا عن تناول العلاجات الدوائية أو – على أسوأ الفروض – تقليل الجرعات المستخدمة من هذه العقاقير.
وحسب يانسي، فإن وقف العلاج الدوائي (أو تقليل الجرعات) يسهم إلى حد بعيد في تحسين الحالة المزاجية العامة للمريض نظرا لشعوره الباطن بالتحسن.
لكن الدراسة الأخرى، التي نشرتها الدورية نفسها في عدد أسبق (نوفمبر 2009)، توضح أن الحالة المزاجية تتحسن باتباع أنظمة غذائية قليلة الدهون وعالية النشويات.
وحسب دراسات موسعة أجراها البروفسور جرانت برينكورث، أستاذ الطب بالمعاهد البحثية الأسترالية، فعلى الرغم من كونها وسيلة ناجحة وفعالة لإنقاص الوزن، فإن تأثير نقص النشويات الغذائية على الحالة المزاجية – على المدى البعيد – هو أمر لا شك فيه.
نظرا لاعتماد الجسم على جزيئات من النشويات في تصنيع بعض نواقل الأوامر العصبية داخل الدماغ، وهو ما يؤدي بعد فترة من الحرمان إلى تقليص تصنيع بعض هذه المواد وبالتالي سوء الحالة المزاجية.
وبناء على كل ما سبق، فإن النصيحة المؤكدة التي يقدمها خبراء التغذية حول العالم هي أن الحمية يجب أن تقترن دائما بزيادة المجهود البدني الرياضي لتأكيد نجاحها في إنقاص الوزن، كما أن الخضراوات والفاكهة الطبيعية بالإضافة إلى الأسماك هي دائما من المواد المحبذة لصحة أفضل إجمالا.
عوضا عن أن اتباع طريقة غذائية واحدة، سواء بتقليل الدهون أو النشويات، لفترات طويلة قد يؤثر سلبا على الحالة الصحية لمتبع الحمية، وعليه فإن أفضل وسيلة للحمية هي تغيير النظام الغذائي بين حين والآخر.