يعد لبن الأم المصدر الرئيسي لتغذية الطفل الصغير فهو الطعام المثالي له في السنة الأولي من عمره, إلا أنه قد يصبح غاية في الضرر إذا تغيرت مكوناته فيصبح ضرره أكثر من نفعه ويتحقق هذا في حالة حدوث حمل للأم
أثناء فترة الرضاعة, فتصر علي إرضاع طفلها حتي لا تحرمه من فوائد الرضاعة الطبيعية, وهي بالطبع لاتعلم أن إصرارها علي استكمال الرضاعة أثناء حملها فيه إضرار بالطفل الرضيع ضررا بالغا لافتقار اللبن الي المكونات الرئيسية التي تساعد في نمو الطفل جسميا وعصبيا.
وبسؤال الدكتور محمد المليجي أستاذ ورئيس أقسام النساء والتوليد بطب القاهرة عن الضرر الذي يصيب الطفل الرضيع جراء إرضاع الأم له أثناء فترة الحمل أجاب قائلا: إرضاع الأم الحامل للطفل الصغير فيه ضرر بالغ علي صحته نظرا لاختلال مكونات اللبن وافتقاره إلي العناصر الطبيعية التي تساعده في عملية النمو ويستطرد قائلا وقد حذرنا الرسول صلي الله عليه وسلم من هذا إذ قال في الحديث الصحيح عن أسماء بنت يزيد قالت سمعت رسول الله يقول لا تقتلوا أولادكم سرا،
فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره عن فرسه أخرجه أبو داوود ابن ماجة في سننهما والحديث الصحيح بلفظ آخر ‘لا تقتلوا أولادكم سرا فو الذي نفسي بيده إن الغيل ليدرك الفارس علي ظهر فرسه حتي يصرعه’ أخرجه ابن حبان في صحيحه والبيهقي والإمام أحمد في سننهما’.
والغيل هنا هو لبن الأم المرضع إذا حدث لها الحمل أثناء الرضاعة وسمي بالغيل لشدة ضرره فكأنما يغتال الطفل ويفتك به, ويقال في البناء قد تدعثر إذا تهدم وسقط وأراد سيد الخلق أن يبين لنا في هذا الحديث الصحيح أن المرضع إذا حملت فسد لبنها وأصبح أشبه ما يكون بالسم البطيء فينهك الولد إذا إغتذي بذلك اللبن فيصبح خاويا حتي إذا ما بلغ مبلغ الرجال وصار رجلا فارسا وركب الخيل فركضها أدركه ضعف الغيل فزال وسقط عن متونها فكان بذلك بمثابة القتل له,
غير انه سر لا يري ولا يشعر به حتي أن العرب تقول في الرجل تمدحه ماحملته أمه وضعا ولا أرضعته غيلا وكلمة سر هنا في قتل الطفل غاية في الإعجاز فهي إعجاز لغوي وعلمي أيضا وذلك لأسباب ثلاثة أولها: أن الأم الحامل التي ترضع وليدها لايلحظ أحد أنها حامل, واللبن الفاسد الذي ترضعه لوليدها قد فسد سرا فلا يعلم بفساده وخطورته علي الرضيع الا الله سبحانه حتي الأم نفسها لا تدري أن اللبن قد فسد,
كذلك عندما يظل تأثير هذا اللبن الفاسد بحيث يؤثر في الرضيع مدي الحياة فيضعفه نفسيا وعقليا وصحيا الي درجة أنه قد يودي بحياته علي المدي البعيد, فأيضا لن يدرك أحد ـ بل لن يتخيل أحد بعد سنوات طويلة أن اللبن الفاسد هذا هو سبب هلاكه فأصبح بذلك سرا لا يدرك. ويعتبر لبن الأم المصدر الرئيسي لتغذية الطفل خلال السنة الأولي من عمره ذلك لأنه يعطيه أفضل مايمكن لنموه الطبيعي عامة والذهني يصفه خاصة علاوة علي فوائده المناعية والنفسية.
ويتكون لبن الأم إلي جانب الماء والذي يشكل 89% منه من ثلاثة مكونات (1) المواد الكربوهيدراتية وتصل الي حوالي 6% (2) المواد الدهنية وتصل الي حوالي 4% (3) البروتينات وهي لاتشكل اكثر من 1% من مكونات لبن الأم.
ويستطرد د. محمد المليجي قائلا: لو تحدثنا عن بروتينات لبن الأم فنجدها تصنع داخل ثدي الأم نفسه ومن إعجاز الله سبحانه وتعالي أن بروتينات لبن الثدي لاتتأثر بكمية البروتينات التي تتناولها الأم, فحتي لو كانت الأم فقيرة أو غير ميسورة الحال يظل لبنها يوفر البروتين اللازم لنمو الطفل وذلك حفاظا علي حياته ونموه ككل, فلا ارتباط لبروتين لبن الثدي بتغذية الأم وقد ثبت ذلك حتي في أوقات المجاعات حيث وجد أن لبن الأم تظل كمية به ثابته غير متأثرة بالمجاعة بحيث يدر من البروتينات ما يكفي لنمو الطفل فلا يتأثر بروتين اللبن بهذه المجاعات.
ثانيا: المواد الكربوهيدراتية بلبن الأم ويشكل اللاكتوز (سكر اللبن) 90% من هذه المواد الكربوهيدراتية الموجودة بلبن الأم واللاكتوز هذا له أهمية قصوي في نمو الطفل عامة والجهاز العصبي للطفل علي وجه الخصوص والمواد الكربوهيدراتية لها أيضا أهمية كبري في الموصلات داخل الخلايا وبين الخلايا بعضها البعض..
ولذلك إذا انخفضت نسبة اللاكتوز في لبن الأم فإن ذلك حتما سيؤثر تأثيرا بالغا علي نمو الطفل بصفة عامة وعلي نمو الجهاز العصبي للطفل علي وجه الخصوص وهكذا كانت هناك علاقة طردية بين مستوي لاكتوز اللبن وحجم المخ في الأجناس المختلفة ولما كان مخ الإنسان البشري هو الأكبر حجما في الأجناس لم يعد ذلك غريبا إذ أن ذلك يعكس ببساطة نسبة اللاكتوز الأعلي الموجودة في لبن الأم المرضع.
ثالثا: الدهون في لبن الأم وهي مصدر مهم للطاقة إذ تعطي الطفل اكثر من 50% من السعرات الحرارية اليومية التي يحتاجها الطفل وعلاوة علي ماتوفره هذه الدهون من حماية للطفل من الفيروسات والطفيليات وكذلك المحافظة علي الوظائف الحيوية للخلايا فإن لدهون لبن الأم أهمية بالغة في نمو وتكوين وعمل المخ والجهاز العصبي ككل.
في أول سنة من العمر يتضاعف حجم المخ بحيث يبلغ ثلاثة أضعاف حجمه عند الولادة وقد وجد أن 60% من هذا النسيج الذي يتضاعف يتكون فقط من المواد الدهنية.
ويضيف د. محمد المليجي قائلا: لكي أتبين الحكمة من هذا الحديث أجريت دراسة شملت ستين سيدة بعضهن مرضعات حوامل والأخريات مرضعات لسن بحوامل وقمت بتحليل لبن الثدي فيهن لمعرفة الي أي مدي يحدث تغير في مكونات لبن الأم المرضع نتيجة للحمل وفوجئت بأن نسبتي اللاكتوز سكر اللبن والدهون قد انخفضتا وبصور إحصائية ملحوظة في لبن الأم ولكن فقط إذا كانت الأم حاملا ،
فالحمل اذا أضعف هذين المكونين المهمين, ولما كان لهذين المكونين أثر بالغ وأهمية قصوي من حيث نمو المخ والجهاز العصبي خاصة بل وسائر انسجة الطفل الأخري علي وجه العموم فصدق رسول الله في نصيحته البالغة وتحذيره المهم بأن تتجنب الأم رضاعة وليدها نهائيا إذا كانت حاملا فإن الطفل الذي يرضع من هذا اللبن يشب ضعيفا هزيلا خائر القوي جبانا مفتقدا لكمال الجسم والعقل والنفس إلي درجة أنه لا يستطيع أن يتماسك ويستقر فوق جواده لافتقاره القوة البدنية واتزانه العقلي والنفسي فيسقط علي الأرض وقد يموت, ذلك أنه قد أدركته ضراوة الفيل الذي لا يرحم, وينصح الدكتور محمد المليجي الأمهات أن يتجنبن حدوث الحمل أثناء فترة الرضاعة باستعمال وسيلة مناسبة وإذا حدث لهن الحمل فواجبهن أن يوقفن الرضاعة فورا وإلا قتلن أطفالهن.
ويضيف د. حسن محفوظ العجيزي أستاذ النساء والتوليد بكلية الطب جامعة الأزهر قائلا: المكونات الغذائية في لبن الأم في عملية الرضاعة الطبيعية مبرمجة حلقيا حتي تتواكب مع نمو الطفل وتناسب احتياجاته طوال فترة الرضاعة, ففي حالة حدوث حمل أثناء هذه الفترة فإن الجنين الموجود داخل رحم الأم تكون له احتياجات جديدة ولذلك فنجد أن جسم السيدة الحامل لايستطيع أن يتوافق مع هذين الحملين, نمو الجنين داخل الرحم ورضاعة الطفل الصغير،
حديث الولادة وهذا بالطبع يؤثر علي نوعية لبن الأم فيتدهور وتتغير مكوناته وتقل البروتينات والمواد اللازمة لكي ينمو الطفل نموا سليما, ومما لاشك فيه أن صحة الأم أيضا تتدهور لأنها تستنزف من الحمل والرضيع وهذا بالطبع يكون علي حساب صحتها خصوصا لو وضعنا في الاعتبار أن الأم في بداية حملها ستصاب بفقدان الشهية وأول شيء ستشكو منه هذه السيدة هو آلام مبرحة في العظام لنقص الكالسيوم في الدم لذا ينصح بتناول وسيلة مناسبة لمنع الحمل حتي تكمل الأم فترة الرضاعة الطبيعية وهي حولين كاملين.
ويري د. إسماعيل الدفتارأحد علماء الأزهر الشريف أن هذا الحديث لاتقتلوا أولادكم سرا فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره عن فرسه صحيح وموجود, فالأم الحامل يجب عليها ألا ترضع طفلها لأن ذلك فيه ضرر بالغ علي الطفل الرضيع فعلي الأم المرضع ألا تحمل حتي تكمل فترة الرضاعة باستعمال وسيلة من وسائل منع الحمل, فإذا حدث حمل فعلي الأم أن توقف عملية الرضاعة تصديقا لحديث رسول الله, فهذا الحديث موجود،
ولكن هناك حديث آخر يعتبره البعض من قبيل التعارض بين الحديثين وهو قول رسول الله لقد صممت أن أنهي عن الفيل فوجدت فارس والروم يغيلون فلا يضرهم فالعلماء هنا عندما يتحدثون عن عملية إرضاع الأم لطفلها وهي حامل يرجحون بين الروايتين فأي الروايتين أقوي؟ بالطبع هم توصلوا الي أن الرواية الأولي هي الأقوي والثانية تركت حتي يتحقق لها مايدعمها ويقويها مع مرور الزمن هذا من جهة ومن جهة أخري فقد يكون مفهوم الغيل عند الفرس والروم يختلف عن مفهوم الغيل عند العرب ولذلك فالرواية الأولي هي الأقوي.