عندما توجه الشاب الليبي محمد شاويش إلى إيطاليا لإكمال دراسته، لم يكن يحلم بأن يكون مصمم مجوهرات يحقق سبقا في عالم الإبداع والتصميم. فقد دخل معهد «بوكوني للأعمال» بنية التخرج فيه كرجل أعمال متمرس في مجال التجارة، لكن الصدفة غيرت اتجاهه، عندما اقترح عليه أحد المعارف الدخول في مغامرة عالم الماس والأحجار الكريمة. استهوته الفكرة وعندما جنى منها بعض الربح، فتحت شهيته على المزيد. والمزيد هنا لم يكن الاكتفاء بالاتجار بها، بل تصميمها وتحويلها إلى تحف تتحدى قوانين الطبيعة والابتكار، بدليل أول خاتم مصنوع كليا من الماس.
والمقصود هنا ليس ماسة ضخمة ترصع خاتما من الذهب أو البلاتين وغيرهما من المعادن، بل حجرة ماس ضخمة محفورة من الوسط لتحيط بالإصبع وتلتف حواليه على شكل خاتم مقبب من أعلى. خاتم اعتبر سبقا في تاريخ المجوهرات عندما كشف عنه الستار في شهر أبريل (نيسان) الماضي، فهو ليس فريدا بتصميمه والتقنيات التي استعملت لحفره وصقله فحسب، بل أيضا لسعره الذي يقدره البعض بـ43 مليون جنيه إسترليني تقريبا. عندما قابلناه في شهر سبتمبر (أيلول) في محله بجنيف، كان عائدا لتوه من ليبيا قبل تحريرها، حيث شارك 450 فردا من قبيلته في الزاوية حربهم للإطاحة بالنظام السابق. ومن الزاوية توجه إلى طرابلس ليسجل دعمه للثورة وليكون إلى جانب الثوار، الذين قال إنه لا يختلف عنهم وتجمعه بهم عدة قواسم مشتركة.
فمثله، لم تكن لهم أي علاقة بصناعة الحرب من قبل، حيث كان بعضهم أطباء وبعضهم الآخر أساتذة ومعلمون، تركوا أعمالهم للمشاركة في كتابة صفحة جديدة من تاريخ بلدهم. ويقول محمد شاويش باعتزاز إنه قضى معهم شهرين. يعترف بأنه لم يكن من السهل عليه استبدال أدواته الرفيعة والدقيقة لصناعة مجوهرات تخاطب النخبة والمناسبات السعيدة، ببندقية ورشاش، موضحا أن دوره المفضل كان القيام بمهمات دبلوماسية وحملات لتوعية الليبيين بمعنى الثورة. يشرح: «المشكلة التي لاحظتها أن بعض الناس لم يكونوا مستوعبين ما يجري. كان كل همهم أن يعيشوا بسلام حتى لو بقي القذافي، وهو أمر مفهوم إذا أخذنا بعين الاعتبار أن منهم من كانوا يعيشون من دون كهرباء أو أجهزة تواصل أو كتب، وكان لديهم انطباع بأن الثورة تعني عودة الاستعمار الإيطالي، لهذا كان علينا أن نشرح لهم ماذا يجري ولماذا».
كان غريبا سماعه يحكي عن تجربته مع الثورة، وهو في محله الواقع في واحدة من أرقى المناطق بمدينة جنيف السويسرية. تجربة سجلها في صور فوتوغرافية يفتخر بها وتظهره وهو يحمل بندقية والصحراء من خلفه. كان كمن يحكي عن أحداث عالم بعيد ومن زمن آخر. فمحله لم يكن أنيقا فحسب، بل كان أقرب إلى المعرض، يمكن لزائره معاينة مجموعات تتألق بأصفى وأغلى أنواع الأحجار الكريمة تتلألأ في تصميمات لا تعترف بأن القليل كثير، بل العكس تماما. أغلبها كان يخاطب ذوات الإمكانات العالية جدا بالطبع، من دون أن ينسى مخاطبة شريحة الشابات.
لكن حتى بالنسبة لهذه الشريحة استعمل لغة تركز على التصميم أولا وأخيرا، بينما بقيت الخامات والمواد هي نفسها: مترفة ونخبوية. أما هو فلم ير تعارضا بين دوره كمصمم مجوهرات ودوره كناشط: «أعتقد أنه يمكنني أن أقوم بالدورين، طموحي الشخصي مهم لكننا لا نعيش فقط لنخدم أنفسنا، بل علينا أن نلبي واجب الوطن والدفع به إلى الأمام. أنا أتمتع بموقف قوي يمكنني من مساعدة أبناء بلدي من خلال علاقاتي، مثلا تمتين العلاقات بين ليبيا وسويسرا. ثم إني أرى أن ليبيا لها مستقبل كبير نظرا لإمكاناتها الهائلة، وعدوها الوحيد هو نحن أبناءها إذا لم نقم بواجباتنا تجاهها. الكثير من الأمور يجب أن تتغير على المستوى الإنساني والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وهناك مشاريع كثيرة يمكن التفكير فيها والقيام بها، منها مشروع تطوير وتنمية الساحل الشمالي وتنظيف مياه البحر واستغلالها لاستخراج الطاقة. هذا مشروع قريب إلى قلبي، إلى جانب أشياء أخرى أتمنى أن تتغير ومنها بعض العقليات وكيف تفكر تجاه العمل وتحقيق الأهداف.
أتمنى أن يستوعبوا أنه لا يمكن تحقيق الأحلام من دون العمل والمثابرة. ولا شك في أن محمد شاويش يتكلم عن تجربة، فعلى الرغم من أنه في أوائل العشرينات من العمر، فإنه حقق ما لم يحققه كثيرون في مجال المجوهرات في جنيف أو غيرها بفضل مثابرته ورغبته في النجاح، بدليل خاتمه الماسي الفريد من نوعه، الذي يشير إليه بفخر وهو يقول: «كان من الصعب تقطيع هذه الماسة، بل بدا الأمر في البداية مستحيلا، لكننا لم نقبل أن نعترف بالمستحيل. استثمرنا في أدوات جديدة ولازير متطور لتقطعيها وصقلها من الخارج والداخل، كما قمنا بالكثير من الأبحاث حول تقنية التقطيع من أجل عدم إتلافها والحصول على هذه النتيجة». ويتابع: «استغرق الأمر نحو أربع سنوات، لكن كان مهما بالنسبة لي أن أتسلح بالصبر إذا كنت أريد أن تأخذ أعمالي مكانتها كماركة رائدة».