مبروك.. أخيراً وجدت الرجل الذي تعتقدين أنه سوف يسعدك ويحقق أحلامك، من المؤكد أنك تريدين إعلان الخبر على الملأ ليعرف به القاصي والداني، لكن إذا كنت قد تجاوزت الخامسة والثلاثين، فمن المحتمل إن لم يكن من المرجح، أن يكون لديك أطفال أو أن يكون له أطفال من زواج سابق.. أطفال من حقهم أن يسمعوا الخبر قبل غيرهم.. ليس هذا فقط بل من حقهم أن يسمعوا الخبر منك بصورة مباشرة وليس عن طريق طرف ثالث.. والشيء ذاته يمكن أن يقال عن الطفل الذي يريد أبوه أن يتزوج من جديد، فمن واجب الأب في هذه الحالة أن يصارح الصغير بما يمكن أن يقال عن خطوته المقبلة.
مجرد الموافقة على الزواج معناها أنك أصبحت زوجة الأب أو أن الزوج الجديد أصبح زوج الأم، أو أنكما تتشاركان في اللقبين اللذين يحملانكما الكثير من المسؤوليات الجسام. إذ يتوجب على من يريد الزواج في حال وجود أطفال أن يفكر جيداً في كل الخيارات والتحديات التي سوف يواجهها في حياته الجديدة، فنسبة كبيرة من حالات الزواج المماثلة فشلت بسبب الأطفال.
لكن هذا لا يعني في أي حال من الأحوال عدم الإقدام على الزواج لمجرد وجود أطفال، فالحياة يجب أن تستمر والمنطق يفرض استراتيجية مختلفة بعض الشيء في التعامل مع مجريات الحياة أساسها الحب والعطف والرعاية مع التفهم لمشاعر الصغار والكبار على حد سواء.
حيرة ودهشة
لعل أول المواقف الصعبة حين تسيطر الحيرة والدهشة على عقول الأطفال إذا كانوا ما زالوا صغاراً.. لن يكون من السهل عليهم استيعاب الأمر. فقد قالت سيدة مطلقة إن طفلها الذي لم يكن قد تجاوز الخامسة سألها بعد أن قابل المرأة التي تزوجها أبوه: لماذا لا يأتيان لتناول العشاء معنا.. يمكنهما أن يقضيا الليل هنا حتى نذهب إلى حديقة الحيوانات غداً!
أما إذا كان الصغار قد تجاوزوا سنوات الطفولة، فتوقيت إطلاعهم على هذه التفاصيل مهم للغاية. من الضروري اختيار الوقت المناسب وليس في موسم الامتحانات المدرسية مثلاً، وليس في أوقات صعبة قد يمرون بها لأسباب خارجية.
بالنسبة للأبناء الكبار أي البالغين، فالمنطق يفرض التعامل معهم على هذا الأساس، أي على أساس أنهم كبار يمكن التفاهم معهم بشرط احترام تفكيرهم ووجهات نظرهم من موضوع الزواج أو من غيره.
في كل الأحوال وبغض النظر عن أعمار الصغار، من الضروري للأم أو الأب ألا يتوقع الحصول على ردود الأفعال التي يريدها.. فكل طفل يتصرف بطريقة مختلفة تتناسب مع رؤيته للظروف الجديدة، لكن هذا لا يعني أن على زوجة الأب أو زوج الأم اتخاذ موقف سلبي من الطفل.
الأولوية لمن؟
حين يعلم الصغير أن أمه أو أباه يريد الزواج من جديد، سوف يتساءل بينه وبين نفسه، ومن المحتمل أن يجهر برأيه بصوت عالٍ، عما إذا كان لا يزال يمثل أولوية في حياة الأب أو الأم.. فالزواج في مثل هذه الحالة من وجهة نظره يمثل تخلياً عنه من جانب الأب أو الأم، تماماً كما الحال حين حدث الطلاق الذي يعتبره تخلياً عنه من جانب الوالدين.
المطلوب ممن تريد الإقدام على الزواج ولديها أطفال من زواج سابق أن تسأل نفسها في منتهى الصراحة: لمن الأولوية.. لأطفالي أو للرجل الذي تقدم للزواج مني؟ إذا كانت للأطفال فمن الأفضل التروي قبل الارتباط، فالزواج الذي لا يمثل أولوية في حياة طرفيه محكوم بالفشل. لكن العاقل هو من يستطيع التوفيق بين الزواج والأطفال والمسألة تحتاج لكثير من الصبر والحب والتفهم.
العاقل هو من يستطيع إقناع الأطفال بالفعل وليس بالكلمات الجوفاء فقط بأن مكانتهم في القلب ثابتة لن تتغير.. وفي الوقت نفسه إقناع الزوج أو الزوجة الجديدة بالقول والفعل أيضاً بأن مكانته في القلب لن تتزعزع ولن ينافسه فيها أحد حتى ولو كانوا فلذات الكبد.
تحديات كبيرة
من الحقائق المؤكدة أنه في حال حدوث طلاق بين زوجين، حتى لو أقدم أحدهما أو كلاهما على الزواج من جديد، يظل الأطفال يأملون بأن يعود الأب والأم إلى بعضهما.
المطلوب من زوجة الأب ومن زوج الأم أيضاً أن يتحليا بالصبر، فالوقت كفيل بحلحلة العقد وتسوية الأمور، بشرط توفر الحب والرعاية للأطفال مع مراعاة مشاعرهم واحترام تفكيرهم.
الزواج في حال وجود أطفال تحدٍّ كبير بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ومن الخطأ الاستهانة به والاعتقاد بأن الحب وحده كفيل بتذليل كل العقبات.
تقول دراسة حديثة إن الأطفال سرعان ما يندمجون في الحياة الجديدة، بشرط أن يعرف القادم الجديد كيف يستميلهم بالحب والحنان والعطف والرعاية.
لكن هذه الدراسة تؤكد أن الوقت المفضل لإتمام الزواج في حال وجود أطفال هو حين يكون الأطفال أقل من عشر سنوات أو أكثر من ستة عشر عاماً لأن الطفل بين هذين العمرين يمر في واحدة من أصعب مراحل العمر وهي المراهقة، حيث يصعب عليه التعامل والتأقلم مع العضو الجديد في الأسرة، خاصة إذا كان الأخير ليس من النوع الذي يسهل التعامل معه.
وفي ما يلي بعض التحديات التي تواجه كل من يقدم على الزواج في حال وجود أطفال:
نار هادئة
اندماج العضو الجديد في الأسرة ليس بالأمر السهل، ولا يمكن أن يتم بمجرد إتمام الزواج الثاني، خاصة في حال وجود أطفال.. المسألة في حاجة للوقت وليس لعصا سحرية، فنسبة عالية من حالات الزواج الثاني أو الثالث تفشل وتنتهي بالطلاق، لأن القادم الجديد لم يتمكن من الاندماج في الأسرة واستمالة قلوب الأطفال.
يقول خبير إن المسألة أشبه بعملية إعداد وجبة شهية، فهي في حاجة لوقت كاف ونار هادئة كي تختلط المكونات مع بعضها.. العملية في حاجة لتصميم وصبر، وقد تتطلب «الطبخة» ما بين خمس إلى سبع سنوات قبل أن تنضج.. ليس هناك وصفة سريعة فالوجبات السريعة لا مكان لها في العلاقات الزوجية.
إعداد الطعام
من الطبيعي للطفل الذي اعتاد على طبخ أمه أن يجد طريقتها في إعداد الطعام وتجهيزه هي الأفضل، ومن الطبيعي جداً أن يلازمه هذا الاعتقاد طوال عمره. ولذلك فحين تدخل زوجة جديدة حياة الأسرة بعد طلاق أم الأطفال، لن يكون من السهل على الأطفال تقبل طريقة زوجة الأب في إعداد الطعام ما لم تتمتع بذكاء يمكنها من سد هذه الفجوة.
لا مانع من استمالتهم بسؤالهم عما يريدون منها لتجهزه لهم وبالطريقة التي يريدون، بما فيها طريقة الأم أو أن تطلب منهم تجربة أصناف جديدة.
لكن من المهم جداً أن تستميلهم بكلمات بسيطة كأن تقول لهم: أعرف أن الماما ماهرة جداً في الطبخ، وسأحاول أن أكون مثلها.. حتى ولو لم يكن ذلك صحيحاً.
مشاعر الأطفال
تخطىء الأم ويخطىء الأب حين يفكر أحدهما بالزواج مجدداً بعد الطلاق أو بعد وفاة شريك العمر، إذا تجاهل مشاعر الأطفال تجاه الخسارة.. فحين يفقد الطفل أمه أو أباه بعد طلاق أبويه أو بعد وفاة أحدهما لن يكون من السهل عليه أن ينسى بسرعة، وقد يحتاج الأمر لعدة سنوات.
بعض الآباء والأمهات يتجاهلون هذه الحقيقة أو يتصورون العكس.. يعتقدون أن الزواج من جديد وبسرعة يوفر البديل للأطفال، وهذا خطأ جسيم يعطي نتائج معاكسة تماماً لتصورات الأبوين.
الخطأ الآخر الذي يقع فيه الأب أو الأم هو محاولة إجبار الطفل بالحيلة أو الإغراء، على التعامل مع الزوج الجديد أو الزوجة الثانية على أنها البديلة لأمه أو البديل لأبيه.
المطلوب من الآباء والأمهات في هذه الحالة إعطاء الصغار فسحة من الوقت لالتقاط الأنفاس والتأقلم مع الواقع الجديد.
لا يجوز في أي حال من الأحوال أن يطالب الآباء والأمهات المقدمون على الزواج الثاني أطفالهم بالمفاضلة أو المقارنة بين الأب الذي فقدوه أو الأم التي فقدوها بالزوج الجديد أو الزوجة الجديدة.. لا بديل للأم أو للأب.
خصوصية الأطفال
في حال الرغبة في الزواج مجدداً بعد الطلاق من الضروري للزوجين احترام خصوصية الأطفال الذين سيجدون أنفسهم موزعين بين البيت الذي ترعرعوا فيه والبيت الجديد.. فالأسرة الواحدة أصبحت أسرتين، وعلى الصغير أن يتعايش مع الظروف الجديدة.. يوزع الوقت بين أمه المطلقة أو الأم التي أقدمت على الزواج من جديد وبين منزل الأب المطلق أو الأب الذي تزوج من جديد.
ضرب من الخيال أن يتصور أحد نشوء علاقة بين الطفل وزوجة الأب أو بينه وبين زوج الأم كالعلاقة بينه وبين أمه أو أبيه، على الرغم من أن زوجة الأب أو زوج الأم قد ينجح في إقامة علاقة متينة جداً مع هذا الطفل.. علاقة قوية جداً لكنها مختلفة عن العلاقة الحقيقية التي تربطه بالأبوين المطلقين.
أخيراً.. من الضروري لمن يريد الزواج في حال وجود أطفال.. أن يفتح عينيه جيداً، فلا يتوهم ولو للحظة أن زوجة الأب سوف تعتني بأطفاله كما يعتني بهم هو.. أو تتصور أن زوجها الجديد سوف يهتم بأطفالها كما تفعل هي حتى ولو كانت العلاقة الجديدة في أقوى صورها
فترة نقاهة
يخطئ كثيرون حين يقفزون من علاقة لأخرى، فخبراء الأسرة والعلاقات الزوجية يحذرون من مثل هذا التصرف، وينصحون قبل الدخول في علاقة جديدة بضرورة الانتظار ما بين عامين إلى ثلاثة على أقل تقدير بعد الطلاق أو بعد وفاة شريك العمر.
يقول هؤلاء في تفسير هذه النصيحة إن المرء في حاجة لما يشبه فترة نقاهة بعد الطلاق أو بعد فقدان شريك العمر.. فترة كافية لأن يستجمع نفسه ويستعيد توازنه يخرح فيها مما كان فيه. كما أن الأطفال، في حال وجود أطفال، يحتاجون فترة النقاهة هذه قبل أن يجدوا أنفسهم وسط ظروف حياتية جديدة مطلوب منهم أن يعتادوا عليها.
شبح الماضي
من العقبات الكبيرة التي تعترض الزواج الثاني شبح الماضي وبالذات سلبيات تلك التجربة.
يحذر خبراء الأسرة من العواقب الوخيمة التي يمكن أن تنجم حين يسمح الزوج أو الزوجة لذكريات الماضي بأن تصبح جزءاً من حياتهم اليومية.
يقول هؤلاء إن مثل هذا التصرف من شأنه أن يفتح الباب لتكرار سلبيات الماضي وأخطائه، وهي السلبيات والأخطاء ذاتها التي أوصلت إلى الطلاق.