تعد شخصية المدرس أو المدرسة من أهم العناصر تأثيرا في الشخصية لكل طفل وطفلة خصوصا في سنوات التعليم الأولي وتظل هذه العلاقة محفورة في الذاكرة ليمتد أثرها طوال العمر, فمن ينسي أول مكافأة أو نصيحة أو حتي عقاب بدني أو معنوي ؟
ومع التطور المجتمعي والتقني الذي جعل طفل اليوم يختلف عن الأمس وخروج الأم للعمل طوال اليوم تقريبا ممازاد العبء علي بقية العناصر القائمة علي التنشئة من بينها المعلمة, وقد أكدت أحدث الدراسات علي دورها الإيجابي والقوي في تعديل السلوك العدواني أي أن علاقة الأطفال الجيدة بمعلميهم خلال المرحلة الأولي من التعليم قد تحميهم من إظهار العدوانية.
وقالت تقارير صحفية إن مجموعة من الباحثين من جامعات لافال والاباما ومونتريال ودوبلين وجدوا أن علاقة الأطفال بالمعلمين تؤثر علي طبيعتهم العدوانية في المرحلة التعليمية الأولي.
وقالت الباحثة المسئولة عن الدراسة مارا برندجن: إن السلوك العدواني في فترة الطفولة الوسطي هو علي الأقل جزئيا مفسر بعوامل جينية, لكن التأثيرات الجينية علي السلوك لا تعمل عادة بشكل مستقل عن تأثيرات البيئة المحيطة’. وراقب الباحثون 217 توءما متماثلا في سن السابعة, موزعين علي صفوف مختلفة بمعلمين مختلفين. وقيم المعلمون نوعية علاقتهم بكل فرد من التوائم, وقدر التأثير الجيني علي العدائية عبر مقارنة التشابه في السلوك بين التوائم.
ووجد الباحثون أن الأطفال المعرضين جينيا ليكونوا عدائيين كانوا أكثر عرضة لأن يصبحوا ضحايا زملائهم مقارنة بالآخرين, لكن هؤلاء الأطفال كانوا محميين أكثر من التصرف بعدائية ومن أن يكونوا هدفا لعدائية الأطفال الآخرين لدي وجود علاقة جيدة مع معلميهم.ولكن كيف يري أطراف العلاقة مدي صحة هذه الدراسة مع خصوصية أطفالنا ومجتمعنا ككل فتقول (رجاء محمد معلمة) ‘إن الدور المنشود من المدرسة ومنا هو تعليم الطفل والتربية في حدود التوجيه للسلوك الجيد أو ما ينبغي أن يكون وليس العلاج أو إعادة تنشئة فهذا ليس دورنا خصوصا مع الأجيال الجديدة وأين الأم أو الأسرة التي عليها هذا الأمر الذي أفاجأ بكثير من الأمهات يطلبنه منا ويتناسين أن هناك عملية تعليمية تمتص القدر الأكبر من الوقت .
وعن علاقة الطفل بالمدرسة’ تري دعاء عبدالله أن المعلمة عندما تقوم بتشكيل وعي ووجدان الطفل في سنواته الأولي بالتعليم تستطيع ليس فقط النجاح في الجانب الأساسي وهو التعليم ولكنها تستطيع في الوقت ذاته علاج وتقويم أي جانب سلبي في الشخصية خصوصا الجانب العدواني الذي يظهر لها في سلوكه اليومي من خلال علاقاته بزملائه والمهم أن نقدم للمجتمع كيانا سوي الشخصية وليس طالبا متفوقا دراسيا فقط. أما إيمان عماد معلمة رياض أطفال فتقول: لا يوجد موقف أو سلوك لأي طفل لم يمر علي المدرسة ولا يخلو أي فصل من طالب له مظهر أو سلوك عدواني وتعاملت معه عدة مرات ولكن كل حالة كانت لها خصوصيتها, فأحيانا للغيرة أو كرد فعل لمشكلة بالمنزل أو غيره والحمد لله بالتواصل مع الأسرة .
والملاحظة الجيدة أمكن معالجة عديد من مظاهر العدوانية من الصغر وكثيرا ما أقابل هؤلاء الأطفال بعد ذلك وأجدهم في أفضل من ذي قبل وتتساءل (منار علي) اليوم الدراسي عادة ممتلئ ونسعي لكي نكمل كل ما نريد من تعليم وتدريب ونشكو من ضيق الوقت أمام المهارات الإبداعية فأين الوقت لملاحظة السلوك والعمل علي تعديله وعلاجه ؟
أما (داليا علي) أم لطفلة 4 سنوات فتري أن معلمة ابنتها علقت علي شقاوتها الزائدة فاستغربت لأنها هادئة في المنزل بشكل زائد وبعد ملاحظة مكثفة عن كثب لاحظنا أنه رد فعل لعلاقتها بزملائها وغيرتها من تفوقهن عنها وبالتالي كان للمدرسة تأثير لا ينسي أو ينكر.
وتعلق د.فؤادة محمد علي أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس: أن المعلمة يمكنها علاج سلبيات كثيرة وليس العدوانية فقط والأهم أن تقوم المعلمة بدورها بالشكل الأمثل تجاه الطفل لأن المعلمة خصوصا في السنوات الأولي تعد بديلا للأم و الأسرة بصفة عامة حيث إنهما يعلمان الطفل بشكل غير مباشر و دون تعليمات صريحة و التنشئة من خلال المواقف الحياتية فالمدرسة أول مؤسسة تتسلم الطفل وتعلمه بطريقة عمدية (وبقصد) من خلال الدروس والشرح و الواجبات والحث علي سلوك يلتزم به وفق قواعد منظمة والمعلمة الواعية علي دراية بسلوك الطفل ومراحل نموه وخصائص كل مرحلة بجوانبها النفسية والمعرفية والوجدانية والمعرفية والمعلمة المؤهلة يمكنها اكتشاف أو إدراك أي مشكلة لدي الطفل من خلال علاقاته وتصرفاته نحو أقرانه ومدي نضجها من اضطرابها فعندما يتوافر لدي المدرسة النضج والتعليم والتدريب الجيد ستكون أفضل معين للطفل وبالتالي الأسرة, فالطفل الذي يراها بديلا للأم من خلال ملاحظتها للتصرفات والسلوك العام أو أي طارئ من خلال قدرتها الشخصية علي الملاحظة من خلال اليوم الدراسي الممتد بدراسة وواجبات قد تلاحظ ملامح أو سلوكا عدوانيا حادا تبلغ به الأهل وهنا ينبغي الإشارة إلي عامل مدي نضج الأسرة, فالتفهم الواعي لهذا مع التعاون مع جميع العناصر من اخصائي اجتماعي ومدرسة وأسرة يحقق الهدف المنشود بتعديل أو تقويم سلوك العديد من الأطفال تنتقل معهم سمعتهم السلوكية والدراسية كل عام .
وتضيف د. فؤادة محمد علي أن الفكرة الأهم هي أن السلوك العدواني نفسه دوافعه مختلفة فقد يكون انعكاسا لإحباط أو مرض أو عدم تواصل أو مشكلة أسرية ولذا من خلال الرصد الدقيق للسلوك ظاهرة وحقيقته يمكن التحديد والتشخيص وأيضا معدل السلوك وتكراره وتري د.مني جاد أستاذ رياض الأطفال بجامعة القاهرة أن المعلمة إذا توافر فيها الوعي والاهتمام والدراسة فإنها تستطيع المساعدة في تعديل السلوك ولكنها ليست العامل الوحيد ونحن مؤخرا نعمل وفق وثيقة المعايير القومية لرياض الأطفال وهناك منهج جديد (العب- اتعلم-ابتكر) وهذه المعايير بها مجالات متنوعة لخدمة الطفل مجال للمعلمة مجال نواتج التعلم للطفل مجال القيادة الفعالة لمن يدير العملية التعليمية الروضة الفعالة المشاركة المجتمعية عناصر كثيرة وتحت كل مجال مجالات فرعية ومعايير ومؤشرات حتي تستطيع المعلمة القيام بدورهاوفي هذا الصدد من خلال المشاركة المجتمعية ونواتج التعلم كيف تتواصل مع الأسرة وأهم شيء أن تشخص المسألة بدقة هل هي عنف أم شقاوة طبيعية ولا تنجرف وراء الجملة الشهيرة التي تطلقها بعض الأمهات دون وعي hyper active وهي إشكالية لها وجانب مرضي جانب سلوكي إذن فالتشخيص الدقيق هو الأساس هل عنف أو عدوانية أم رد فعل طبيعي هل تعبير عن عدم القدرة علي التعبير أو النطق بلباقة تقليد أعمي لسلوك مشابه.
إن التربية السوية نتاج أسرة ومعلمة ومدرسة وأقران وإعلام وأصدقاء بالمتابعة الواعية للمدرسة ودورها الأساسي تقل حدة العدوانية لدي كثير والأكثر علاج وتقويم العدوانية. لاشك أن لدينا قاعدة جيدة من المعلمات المدربات الواعيات لكن ينبغي ألا نتجاهل أثر المتغيرات الأخري من ضغوط مجتمعية وسياسات خاصة بكل مدرسة وكذلك خصوصية كل طفل