عد مرور حوالي اثنين وأربعين عاماً من دخول روبرتو كافالي إلى عالم الأزياء، احتفى المصمم الفلورنسي الأصل مع جمهور عشاقه ومعجبيه، من خلال فعاليات أسبوع الموضة الإيطالي في ميلانو لموسمي ربيع وصيف 2012، بتقديم مجموعته الجديدة لخط الملابس الجاهزة، والتي أطر بها مشواره الفني البديع على مدار أربعة عقود.
فمن وحي الأناقة في زمن العشرينيات من القرن الماضي، مع نفحات ثائرة قادمة من الغابات الاستوائية في القارة الأفريقية، استلهم روبرتو كافالي أفكار تشكيلته مستحضرا إيقونات منتقاة تترجم رؤيته الخلاقة وأسلوبه المميز في فن الموضة، مستعيدا مجموعات كلاسيكية لافتة ليعيد إحياءها وبعثها من جديد وصوغها بشكل مختلف ومعاصر.
مسارح هوليوود
انطلق العرض في ظل أجواء موسيقية صاخبة مصحوبة بقرع الطبول الصادحة في زوايا المكان، لتظهر عارضات كافالي الرشيقات وهن يرفلن بقطع وموديلات براقة ولامعة، تحيطهن هالة من الأضواء والسحر تذكر بطراز ملابس الفنانات على المسارح الراقصة في هوليوود القديمة خلال فترة العشرينيات من القرن المنصرم، حيث الفساتين ذات الوسط المنخفض، والتي تتركز فيها القصّة عند الأوراك، مع أكتاف شبه عارية وديكولتيهات جذابة معلقة بشرائط مغوية على العنق، بالإضافة إلى نماذج أخرى تشي بملامح قوية آتية من عمق الغابات الاستوائية ووحشية الحيوانات البرية هناك، لتعكس طبعات متنوعة لجلود النمور والفهود، منفذة بقصّات معقدة ومبتكرة، زاوج فيها بين عدة خامات ومواد، مكونا منها أنماطا مختلفة من الأزياء تظهر من ترتديها بصورة دراماتيكية ومسرحية، فتبدو قوية، متمردة، وغامضة لأبعد الحدود.
جرأة وتكلف
فضل كافالي لمجموعته الربيعية الجديدة للملابس الجاهزة باقة متنوعة ومتعددة من الخامات والأقمشة، سواء لناحية الملمس، الطبعات، وطبيعية القماش وقوامه، مولفا بين الناعم والخشن، والخفيف والثقيل، والمطفأ مع اللامع، لتلعب خامة مرهفة مثل الشيفون الرقيق، أو التول الشفاف، أو الحرير الطبيعي أدوار البطولة، مع حضور قوي وواضح للأقمشة المشغولة كليا بالترتر المذهب والقصب، وبعض من الدانتيلات المحبوكة، وشيء من الجلود المعالجة من الثعبان والتمساح، ولمسات غنية من الريش المتطاير والمطرزات هنا وهناك، عاكسة أطيافا معدنية متألقة تضيء وتخبو مع حركة القوام، كما أثرى المصمم الكثير من شيفوناته الهفهافة بزخارف نباتية للزهور الربيعية وطبعات حيوانية للثعابين والنمور والفهود، مع نقوش أثينية أخرى متعرقة ومتداخلة بين بعضها البعض، مشكوكة بخيوط من الذهب والباييت، لتظهر موديلاته في النهاية بمظهر متسم بالجرأة والغرابة، فيه الكثير من التكلف والسفسطائية.
جمع المتناقضات
جاءت تشكيلة كافالي الأخيرة متضمنة عدداً من فساتين السهرة الطويلة “ماكسي”، مع أخرى قصيرة تصل لفوق حدود الركبة، مع بعض البنطلونات الضيقة المستقيمة منفذة بقماش سادة أو مشجر، تعلوها سترات مفتوحة، وشيئا من التنورات الواسعة بكسرات كبيرة من الدانتيل المخرم، مما أضاف شكلا مثيرا وثوريا على الصورة العفوية الجذابة لكامل المجموعة، لم ينس المصمم في زحمة تفاصيلها الغنية شغفه الدائم بجمع الأضداد والمتناقضات، من خلال قصاته المبتكرة، والتي أظهر فيها طرازه المفضل كما في المواسم السابقة، حين يراهن على حضور لافت للكسرات والثنيات مع قطع البلسية والدانتيلات في كل تصميم، مظهرا بغواية وغموض حنايا من الجسد على حساب أخرى، أو مبرزا بجرأة بعض أجزاء القوام ليخفي البقية.
ألوان معدنية
اعتمدت مجموعة الموسمين المقبلين لكافالي على سطوة الألوان المعدنية اللامعة وأثرها القوي على معظم التصميمات، بحيث انعكست أطيافها البراقة على العديد من الظلال والتدرجات، مظهرة شطحات مؤثرة ومتناقضة من الألوان القاتمة والمشرقة على حد سواء، لتشرق وتغرب، تلمع وتخبو، وتعلو وتهبط بين طبقات القماش، متسقة مع طبعات ونقوش أخرى أضافت عليها مزيدا من الطاقة والحياة، مترجمة تلك الروح المتمردة والثائرة للمصمم، والتي لا تتوقف فقط عند حدود الألوان والخامات، بل تتجاوزها لتلعب بفوضى وعبث بين القصات، فتقصر أو تطول حسب الذوق والمزاج، تثريها انعكاسات متعددة وغنية للذهبي المعتق، الأسود الفاحم، الأصفر المشرق، البرتقالي النضر، مع بعضا من الوردي الفوشيا والبيج العاجي.
في المحصلة ظهرت تشكيلة أزياء كفالي لموسمي ربيع وصيف 2012، لتؤكد مرة أخرى على موهبة هذا المصمم المخضرم وقدرته على إدهاش كل المهتمين بعالم الموضة وصناعة الأناقة والجمال