شباب مصر لايعاني بطالة ولا ينتظر خطاب التعيين ولاينقصه حماس أو إصرار.. ولا يفتقد الموهبة والقدرة علي الإبداع, وتوليد الأفكار.. ظللت أردد لنفسي هذه الكلمات كلما انتقلت من ركن لآخر داخل معرض الأسر المنتجة بأرض المعارض بمدينة نصر.
وهومكان قد يلتهم من وقت أي زائر ساعات وساعات. لن تقع عيناه خلالها وسط كل الجمال والجودة والإبهار إلا علي شعار صنع في مصر, فالوجوه مصرية والخامات مصرية والمنتجات تأخذك الي قلب الثقافة المصرية.
أكثر ما أسعدني أن شبابا وأسرا بأكملها تعمل في صمت وفي منازلها, منهم من غزا انتاجه الأسواق الخارجية, ومنهم من ينتظر معرضا ليطل علي المستهلكين بسلع ذات أسعار تنافسية.. وبقدر ما سعدت بمن أنتجوا كل هذه المعروضات المبهرة من سجاد وكليم وأثاث ومنحوتات خشبية ومفروشات وملايات وصنعوا موبيليا وأثاثات, وشكلوا حليا وأقراطا وأساور من أروع الخامات بقدر ما تألمت لأنهم علي قدر إجادتهم للعمل والانتاج, وجدتهم لايجيدون التسويق والإعلان.
المهندسة أمينة الراودي رئيس الادارة المركزية للتنمية الاجتمعية بوزارة التضامن الاجتماعي اتفقت معي فيما وصلت اليه رغم تأكيدها أن هناك104 معارض وضيافة لتسويق انتاج هؤلاء الأسر, بالاضافة الي المعارض المركزية ومنها المعرض السنوي الذي يقام بأرض المعارض بمدينة نصر حاليا, هذه المنتجات ـ تضيف ـ تتمتع بجودة عالية وأسعار معقولة بسبب أن منتجيها يتقاضون هامش ربح بسيطا ولايعتمدون علي وجود وسيط في عملية البيع والشراء, فتصل السلعة بأسعار أقل من السوق بكثير ولكن ربما لايدرك الكثير من المستهلكين ذلك.
تدريب المتسربين من التعليم
في جولتنا بالدور الثاني بالصالة المكيفة الواسعة كانت العروض المقدمة مبهرة بالفعل وعلت عبارات افرش بيتك بأرخص الأسعار كل الأركان, أما العروض فكانت تتضمن غرفة نوم وغرفة سفر وطقم أنتريه بسعر يبدأ من15 ألف جنيه ولا يتجاوز ثلاثة وعشرين ألف جنيه, وظهرت المنافسات في المعروضات وأسعارها بين مراكز التكوين المهني بمحافظات دمياط الرائدة في تصنيع الأثاث, وبين محافظات كفر الشيخ والبحيرة والشرقية والدقهلية والغربية والجيزة, هذه المراكز تلعب دورا آخر في خدمة المجتمع بخلاف توفير أثاث البيت بجودة وبسعر لايقارن بأسعار السوق, وكما قال لنا المهندس سيد أبوالعلا مدير الادارة العامة للتكوين المهني والصناعات بفارسكور بمحافظة دمياط, نحن نقوم باستقطاب الشباب الصغير من سن12 الي18 عاما من المتسربين من التعليم لتدريبهم علي العمل في مجال صناعة الأثاث, وتعليمهم أصول النجارة والدهانات وأيضا الحدادة والألوميتال, ويتم تشجيعهم بمصروف يومي طوال فترة التدريب, ليس ذلك فقط بل يقوم المركز بترشيح من أتموا تدريبهم للعمل لدي الشركات والمصانع التي تكون علي اتصال بهذه المراكز للحصول علي العمالة المدربة.
حلي من أسلاك النحاس
وأمام معروضات أحد الشباب من الحلي والإكسسوار توقفنا لنسأل محمود الفاضل عن الخامة الغريبة المستخدمة في تصنيع الكم الهائل من الخواتم والأقراص والأساور والتي بدت بلون نحاسي متألق فكانت إجابته, بالفعل أصنع منتجاتي من أسلاك لف المواتير المصنوعة من النحاس المصري, ولقد استطعت مستيعنا بما درسته في كلية التربية الفنية ان أطوع هذه السلوك لصنع منتجات غاية في الدقة وبتصميمات مبتكرة, أثبتت جودتها واحتفاظها بلونها دون صدأ, وازداد اعجابنا بمحمود كشاب مصري تأخر تعيينه بعد تخرجه ولم يتأخر سعيه وعمله, عندما علمنا أنه كان مريضا بسرطان الدم, ومع ذلك بالإصرار يستطيع أن يشفي آلام الانسان الجسدية والنفسية وهذه كانت كلماته التي غادرناه بعدها لنتوقف أمام إكسسوار متلأليء من حبات الكريستال والزجاج الملون, الذي اصطف أشكالا وأحجاما متباينة في منتجات رائعة تصممها بنفسها السيدة نجوي عطا الله, وتأكدنا منها أن كل الخامات مصرية مائة في المائة وهي تقوم بشرائها من حارة الصالحية بالقرب من منطقة خان الخليلي, اللافت في قصة هذه السيدة التي فضلت الخروج علي المعاش مبكرا والعمل بمشروعها, أنها اجتذبت مجموعة من فتيات الحي البسيطات للعمل معها, حيث تقوم بتدريبهن علي صناعة السبح الكريستال والأعقاد والأنسيالات ثم تتركهن يواصلن العمل بمنازلهن ويتم محاسبتهن علي الأجر بالقطعة وبالمناسبة فهو أجر مجز, يحقق دخلا كريما للفتاة وأسرتها.
شخصيات مصرية للتصدير
لايمكن ان نصدق أننا أمام عرائس خشبية وإنما نشعر أننا أمام شخصيات مصرية فهذا بائع العرقسوس بزيه الشهير, وهذه الفلاحة المصرية بالطرحة والجلابية, وهذا بائع الفول بعربته الشهيرة.. كل هذه الشخصيات كانت مصطفة علي موائد عرض تحت لافتة محافظة الشرقية, وكلها مصنعة كما قال لنا طلبة فريد مدير جمعية الأسر المنتجة بالشرقية من أخشاب أشجار البرتقال والليمون, وكان من الرائع أن نعرف منه أن هذا النشاط الذي تشارك فيه أكثر من عشرين أسرة بالشرقية, أصبح سفيرا لنا بالخارج ويتم تصديره الي دولة الهند الي تقبل علي تماثيل الشخصيات المصرية وتطلب المزيد منها باستمرار.
نفس الاستفادة من خامات البيئة المصرية التي ربما يظن البعض ألا قيمة لها كانت في ركن خاص بمحافظة البحيرة, تماثيل تبدو وكأنها من الخزف اللامع تمثل حيوانات الغزال والجمال وأشكالا أخري وجمالية والحقيقة أنه تم نحتها من قرن الجاموس, هذه المنحوتات الرائعة ـ كما قال لنا حلمي عبد اللطيف من الأسر المنتجة لها ـ تسافر الي دول عديدة وأهمها اليونان وإيطاليا والنمسا حيث تلقي إقبالا شديدا, وبالمناسبة فكل قطعة منحوت عليها شعار صنع في مصر.
كيف تصبح منتجا ؟
كما عرفت هذه الأسر طريقها الي العمل واستغلال وقت الفراغ والأيدي العاملة للأبناء والجيران, فإن هناك بلا شك الآلاف من الشباب والأسر لديه طاقة ووقت واستعداد ولكنه لايعرف الطريق الي ساحة الانتاج مثلما عرفه هؤلاء, لذا كان سؤالنا للمهندسة أمينة الراودي رئيس الادارة المركزية للتنمية الاجتماعية كيف نضع أقدام الراغبين علي أول طريق العمل؟
فكانت إجابتها في الاتصال بمديرية التضامن الاجتماعي بالمحافظة التابعة لها الأسر أو الشاب, أما لعرض أفكار مشروعة وطلب تمويل لها( قرض) من ادارة الأسر المنتجة التي توافق علي طلبه بعد التأكد من توفر خبرته بالمشروع أو وجود دراسة جدوي, وأما يكون الشخص غير متقن لجانب معين ويحتاج للتدريب وتوجيه مهاراته وهنا يتم إلحاقه بمركز إعداد الأسر المنتجة للتدريب علي حرفة أو انتاج سلعة.
وتضيف أن الفلسفة الأساسية لمشروع الأسر المنتجة, كما وضعتها الوزيرة حكمت أبوزيد صاحبة الفكرة في عام1964 كانت تحويل مستحقي الإعانة لطاقات منتجة قادرة علي العمل, والآن حدث توسع في هذه الفلسفة لتشمل مساعدة كل من يستطيع المل علي الانتاج والتكسب سواء كان فقيرا أم لا وبغض النظر عن كونه شاب صغيرا أم رجلا كهلا أو امرأة المهم أن لديه وقتا وطاقة واستعدادا للعمل.