ويعزو أخصائيون تفشي السمنة وسط النساء المغربيات إلى تراجع النشاط البدني، وإلى الوجبات السريعة التي تفتقد إلى التكامل الغذائي، لكن أيضا بسبب تفشي اعتقادات اجتماعية لدى الكثيرين ترى في السمنة معيارا للجمال الأنثوي والخصوبة البدنية.
وجدير الذكر أن أرقاما صادرة عن جمعيات تُعنى بالتربية الصحية والتغذية، تقدر نسبة السمنة بين النساء في المغرب بـ 30%، لكنها تصل إلى أزيد من النصف في بعض المناطق في البلاد، خاصة في المدن الصحراوية.
أسباب السمنةويُرجع كمال الروداني، الأخصائي في الحمية والتربية الصحية، انتشار البدانة في المغرب إلى عوامل عديدة منها: العامل الجغرافي، حيث ساهمت هجرة الناس من البوادي إلى المدن، بغية تحسين مستوى العيش، في تراجع الحركة والنشاط البدني، وقلَّ الاعتماد على المجهود العضلي، ما أفرز نوعاً من الخمول والتكاسل، وبالتالي تراكم كثيف للدهنيات في الجسم.
وسجل الأخصائي الطبي أن العامل الرئيسي في ارتفاع نسبة البدانة عند المغربيات يتمثل في أسلوب التغذية الذي يفتقد إلى عناصر القوة والتكامل، مثل الحبوب وزيت الزيتون والبروتينات النباتية.
وأضاف بأن الذي صار مهيمناً حالياً هو أسلوب غذائي حديث اتبعته الكثير من المغربيات، بحكم طبيعة الوظيفة والعمل والسرعة التي تتسم بها الحياة، لاسيما في المدن الكبرى وحتى المتوسطة.
وتابع الروداني بأن المرأة الموظفة مثلا باتت تعتمد في تغذيتها على الأكلات السريعة على الطريقة الأمريكية والغربية، الأمر الذي يساعد على تفشي السمنة والبدانة وسط النساء.
وتسعى العديد من الفتيات نحو البدانة، لاعتقادهن بأنها المفتاح السهل والسريع نحو تحقيق فرصة الزواج؛ وبأن معيار الجسد الممتلئ قد يكون أقصر الطرق نحو تأسيس عش الزواج، في ظل واقع اجتماعي معقد يتسم بتفشي نسبة العنوسة بين النساء.
وتعد حنان، ذات العشرين عاما، من ضمن هؤلاء الفتيات الشابات، فهي تعاني من النحافة بشكل زائد أثر على نفسيتها، فلجأت إلى كل الطرق والوصفات الشعبية والطبية، التي تسمع عنها، لتكون بدينة وممتلئة القوام.
وتعترف حنان أنها تتبع نصائح من تعرف من زميلاتها وصديقاتها اللائي استطعن الحصول على قوام سمين، لكنها لم تفلح في تحقيق هدفها، كما أنها حاولت تناول بعض المشروبات الصيدلية التي تتيح شهية أكبر للأكل، بدون جدوى، حيث ظلت بعيدة عن حلمها بأن تكون سمينة خاصة في بعض المناطق من جسدها.
وبالنسبة لفدوى، 30 عاما، فإنها كانت تحلم بالبدانة ليس من أجل كسب قلب رجل للزواج بها، لكونها متزوجة منذ سنوات، بل لأن زوجها كان يرغب في أن تكون ذات مواصفات جسدية معينة، فهو كثير الإلحاح عليها للتغيير من طبيعة قوامها مثل الكثيرات.
سمنة قسريةوتتفشى البدانة لدى العديد من الفتيات في المغرب أيضا، بسبب طغيان بعض العادات الاجتماعية التي تسود في بعض المناطق، مثل جهة الصحراء التي تعمد فيها الأمهات إلى “تسمين” بناتهن، انطلاقا من عدة وسائل غذائية وتقنيات خاصة، وذلك بهدف تزويج الفتاة الصحراوية.
وتسمى طريقة التسمين للفتيات في الصحراء “التبلاح”، وتعني توجيه الفتاة منذ صغرها إلى تناول الكثير من المواد التي تكون غنية بالسكريات والسعرات الحرارية المرتفعة. وتقوم بهذه العملية سيدة كبيرة السن راكمت التجربة والخبرة في مجال التبلاح، حيث تشرف بكثير من الصرامة على النظام الغذائي للفتاة.
ويقوم هذا النظام الغذائي، الفريد من نوعه، على شرب الفتاة أكوابا من حليب الإبل في الصباح الباكر جدا، ثم تعود إلى فراش النوم، وبعد الاستيقاظ ترتشف حساء الشعير مع حبات من التمر والشاي الصحراوي. أما في الغذاء، فتكون الوجبة عبارة عن لحم الإبل مشويا مع البطاطس لاحتوائه على النشويات، وبعد ساعات تعود الفتاة إلى شرب الحساء من جديد، وفي العشاء تتكون الوجبة من بعض المواد النشوية.
وبهذا البرنامج الغذائي الدسم، فضلا عن إجبار الفتاة على الأكل وتعنيفها أحيانا بالضرب على مناطق محددة من جسمها بعيدان رقيقة لفصل الجلد عن العظم، ثم امتلائها بالشحوم بفضل وجبات الأكل المتراكمة، تكون هذه الفتاة عرضة للسمنة القسرية بعد أسابيع قليلة، لتفوز بالعريس الذي ينتظرها على أحر من الجمر.
ووفق بعض الإحصاءات الميدانية، تبلغ نسبة السمنة لدى النساء مثلا في مدينة السمارة في صحراء المغرب أكثر من 58 في المائة، و49 في المائة من نساء مدينة العيون جنوب البلاد.