ماذا تفعل ربة الأسرة إذا وجدت نفسها، بين غمضة عين وانتباهتها، وحيدة في عالم لا يرحم بسبب وفاة الزوج أو تعرضها للطلاق، وكيف ستقدر على مواجهة أعباء ومشاكل الحياة وفي رقبتها “كوم لحم” بحسب التعبير الشعبي الدارج..
ومن الذي سيسمع أنينها هي وفلذات أكبادها وسط كل هذا الضجيج ،الذي بات يصم آذان المسئولين في مصر، عن النظر بعين الرعاية لهذه الفئة من النساء المعيلات اللاتي يزيد عددهن على المليون و 700 ألف أرملة ومطلقة وفق آخر تقدير إحصائي رسمي معلن.
أم سمر نموذج لتلك المعاناة التي تدمي القلب قبل الأعين، فقد رحل عنها زوجها وهو في عمر الشباب وتركها وهي في ريعان أنوثتها بعد معاناة مع الفقر والمرض التهمت كل ما ورائهم وخلفهم، ولم يترك لهم سوى كثرة الديون وقسوة الحياة التي تصعب عى الفرد بنفسه.. فما بالنا إذا كان هناك ثلاثة أطفال وأمهم مطلوب منهم قضاء شهرهم بـ280 جنيها معاشا يلتهم إيجار المسكن أكثر من نصفهم ولا يتبقى لهم سوى 130 جنيها .
في بداية الأمر كانت أم سمر ترفض أي مساعدات من ذويها وكانت تظن أنها ستنجح في أن تكون نموذجا مشرفا للكفاح الأمومي الذي كثيرا ما كنا نشاهده في الأفلام والمسلسلات العربية، فراحت تبحث عن فرصة عمل وهي يحدوها الأمل في أن الدنيا قد تتيحها لها لتكون أما عظيمة، ولم لا وهي تحمل مؤهلا متوسطا وتجيد الكتابة على الكمبيوتر، لكنها اكتشفت أن العثور على عمل بات أصعب من النقش على الحجر. وحاولت ألا تستسلم لإغراءات الزواج المشروط بالتخلي عن الأبناء، ولم يبق أمامها سوى طرق أبواب الجمعيات الخيرية للحصول على مساعدات تعينها على توفير قوت أبنائها كبديل عن الارتماء في أحضان زوج يهين أولادها.
جواز الندامة
أما صفاء، مطلقة، فتبدأ بترديد المثل الشعبي الذي يقول “قعدة الخزانة ولا جواز الندامة”، حيث ساقتها الأقدار إلى زوج نذل فظ غليظ القلب لا تعنيه إلا متعته التي لا تقف عند أي حد، فكان يلتهم أشهى المأكولات خارج المنزل ويحرم زوجته وأولاده حتى من رائحة اللحوم ، وكانت أكبر الكبائر بالنسبة له أن تطلب زوجته أو أحد أبنائه أية مصروفات خلاف الجنيهات المعدودة التي يلقيها لهم كل شهر.
وحين ضاقت بها العيشة واستحال قبولها الاستمرار مع هذا الزوج وبمجرد تلويحها له بالانفصال عنه، قام بتطليقها على الفور وترك في رقبتها ولدين يلقي لهم 300 جنيه كل شهر دون تفكير في مدارس أو ملبس أو مأكل، ومع ضيق حال أسرتها وعجزهم عن مساعدتها في تربية الأبناء لم تجد بدا من طرق أبواب العمل، وياله من عمل شاق.
حيث اضطرت لافتراش أحد الأرصفة لبيع المناديل الورقية وحلوى الأطفال كوسيلة للارتزاق تحفظ ماء الوجه وتضيف ولو عشر جنيهات يوميا لتدبير احتياجات أبنائها التي تتزايد يوما بعد يوم.. وهذا أشرف من مد يديها بالتسول الذي تراه يجلب العار عليها وعلى أسرتها.
وما بين قسوة ظروف أم سمر وغلظة قلب زوج صفاء تختبئ آلاف القصص الحزينة، بل أن أشدها حزنا أولئك اللاتي لا يتكلمن ولا يشكين ويكتمن في قرارة أنفسهن فيفضلن الانفجار في صمت على الفضفضة للغير.
وبعد كل هذا ألا تستحق تلك الشريحة المسحوقة مليونية تضامن بمصر كلها وليس ميدان التحرير وحده، لتطالب من يتحكمون في شئون مصر الآن أن ينظروا بعين المسئولية تجاه هذه الملايين الصامتة الذين لا يملكون تنظيم اعتصام أو إضراب كالمعلمين أو عمال النقل أو الأطباء الذين يحصلون على حقوق أكثر كلما زاد ضغطهم.