تتطلب العلاقة الزوجية، إذا أريد لها أن تنجح، الكثير من التضحيات والكثير من الانفتاح لفهم الآخر، لكي تبحر السفينة في سلام وحب وأمان وتتجنب العواصف التي يمكن أن تتحول إلى أعاصير مدمرة.
من الطبيعي أن تنشأ خلافات بين الزوجين، لكن من المهم جداً أن تظل هذه الخلافات ضمن حدود يمكن السيطرة عليها لأنها أشبه بعمليات جس النبض.. كل من الزوجين يريد أن يعرف حدود تقبل وتحمل الطرف الآخر للتغييرات التي تفرضها العلاقة الجديدة.
كما يقال فالأمواج العاتية تتجمع بالقرب من الشواطئ، ويخف تأثيرها كلما أوغلت السفينة في عرض البحر.. والشيء ذاته يمكن قوله عن الزواج، فالخلافات يمكن أن تنشأ في البدايات، وإذا تمكن الزوجان من السيطرة عليها بالحب والتفاهم بعيداً عن العناد والأنانية، فمن المؤكد أن يسود الوئام والسعادة رحلة الحياة المشتركة.
لكن، في عملية جس النبض، قد يكتشف أحد الطرفين أو كلاهما صفات وأفكاراً أشبه برايات الخطر الحمراء التي تستوجب الوقوف أمامها، لأنها تنذر بخطر داهم ما لم يتم التعامل معها بكل جدية وفي الوقت المناسب من دون أي تأخير.
الدكتورة الأميركية المتخصصة في علم النفس وصاحبة المؤلفات الكثيرة في هذا المجال مارغريت بول نشرت دراسة حول الرايات الحمراء التي تهدد العلاقات الزوجية، وتقول إن بعضها ينذر بعاصفة صغيرة سرعان ما تمر بهدوء وسلام وبعضها ينذر بأعاصير مدمرة يصعب مواجهتها.. وبين هذه وتلك لا بد من الحذر الشديد من الخلافات الصغيرة التي تخفي خلفها غيوماً سوداء، فهي مثل الجيوب الهوائية التي تحمل بين طياتها مخاطر كبيرة تصعب رؤيتها أحياناً، لكن آثارها المدمرة كفيلة باقتلاع العلاقة الزوجية من جذورها.
درء المخاطر
وتعدد الدكتورة مارغريت بول عدداً من الرايات الحمراء في العلاقة الزوجية التي إن وجدت إحداها في شريك العمر يصبح على الطرف الآخر اتخاذ كل الاحتياطات لدرء المخاطر قبل أن تستفحل وتخرج عن نطاق السيطرة، من دون إغفال حقيقة أن من المستحيل تغيير أي شخص ما لم يكن هو نفسه راغباً في التغيير.
وفي ما يلي بعض الصفات التي تستوجب الحذر قبل فوات الأوان، وهي صفات يمكن أن تكون عند أي من طرفي الزواج وليست حكراً على الرجل وحده أو على المرأة وحدها:
ذكاء مخادع
في البدايات يسمعك ما تريدين سماعه.. يمدحك بلا رقيب أو حسيب.. لم أعش مثل هذا الشعور الغامر قبل أن أعرفك.. لم أكن أعرف أن الحب يفعل المعجزات قبل أن أقع في حبك.. ماذا فعلت بي فأنت مدهشة بالفعل.. كم أنا محظوظ لأن أحداً لم يكتشف كم أنت رائعة فيخطفك قبل أن ألقاك.
هذا الكلام هو بالضبط ما تريدين سماعه. إنه ذكي جداً والهدف إيقاعك في فخ الحب الكاذب، لأن هذا الأسلوب يكشف طبيعة قائله، لأنه سرعان ما سيتحول إلى نوع من السيطرة التي لا فكاك منها، كما أنه دليل على أن قائله غارق في النرجسية وحب الذات، وليس من السهل التعايش مع متطلباته التي لا حدود لها.
يرفض كلمة «لا»
كلمة «لا» تثير أعصابه.. يعاني من الحساسية لمجرد سماعها، فإذا تجرأت على التفوه بها سيتحول على الفور إلى قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة.. يغضب بسرعة ويفتح جبهة الانتقادات التي لا تنتهي. وفي أحسن الحالات سوف ينسحب من الحديث ومن الجلسة، وربما يغادر البيت غاضباً ومن المحتمل أن يقاطعك لعدة أيام.
هذه الحساسية دليل على الأنانية المفرطة.. فمن تكون هذه من بين صفاته، يتصور أنه مركز الكون ويريد من الجميع أن يعيروه اهتمامهم، وفي حال لم يحصل على هذا الاهتمام، أو إذا لم يسمع ما يريد سماعه، قد يتحول إلى شخص آخر مختلف تماماً عن صاحب اللسان المعسول.
الإعجاب بالنفس
حين يكون المرء معجباً بنفسه أكثر من اللازم، لا يعود قادراً على تحمل سماع أي شيء إيجابي عن غيره.. لا يكل ولا يمل في الحديث عن نفسه، ولا يهتم بالحديث عن غيره. لا يسألك عن أخبارك وأحوالك لأن الأمر لا يهمه، وإذا صدف أن تحدثت عن نفسك أو عبّرت عن رأيك فمن المؤكد أنه لن يعيرك أي اهتمام.
مثل هذه الصفة دليل آخر على أنانيته ونرجسيته، فهو لا يهتم بمشاعر غيره، ولا يريد سوى جذب الأنظار إلى نفسه.
الرحمة والتعاطف
يفتقر البعض لمفهوم الرحمة والتعاطف، وهذا دليل آخر على الأنانية وحب الذات. لا يشعر الواحد منهم بأفراح الآخرين ولا بأحزانهم، لا يشاركهم مشاعرهم، وبالتالي لا عجب إذا انتهى به الأمر في الوضع ذاته.. فلا يعود أحد يشعر معه إذا فرح أو إذا حزن، وفي النهاية يجد نفسه وحيداً حتى لو كان في علاقة لأنها ستنتهي إلى الفشل حتماً.
العلاقة مع الوالدين
الأقوال والأمثال الشعبية المتوارثة لم تأت من فراغ لأنها تعبر عن الحكمة والتجربة، فالمرء الذي لا خير فيه لأسرته، وبالذات لوالديه، لا خير فيه لأي شخص آخر.
قبل الارتباط بشريك العمر لا بد من التأكد من طبيعة علاقته بوالديه.. بالأشقاء والشقيقات وبأبناء وبنات هؤلاء وأولئك، لأن من لا يعرف التراحم بين الأقارب لا يمكن أن يكون رحيماً مع شريك العمر.
العناد.. غباء خفي
كثيراً ما يوصف العناد بأنه الغباء الخفي، فالبعض يتمسك بمواقفة وآرائه حتى لو أثبتت له الأيام والتجارب أنه على خطأ. لا يستطيع أن يقنع نفسه أن الارتباط مع شريك العمر يفرض عليه الانفتاح قليلاً على أشياء لم يكن يعرفها وعلى مفاهيم لم يألفها من قبل.
العلاقة الزوجية تفرض على طرفيها الانفتاح لأن يتعلم كل منهما من الآخر.. لا عيب في ذلك، وليس في الأمر انتقاصاً من قيمته، فلماذا العناد والمكابرة؟
إذا أصر كل منهما على موقفه ولم يكن مستعداً للتفاهم أو القبول بالحلول الوسط، فلن يكون في إمكانهما حل أي خلاف قد ينشب بينهما.
الإدمان يقتل الزواج
الإدمان مرض، مهما كان نوعه أو مستواه، حتى لو كان إدماناً على فعل أو قول لا يسبب الضرر أو الأذى.
بعض أنواع الإدمان يستحيل التعايش معها، كإدمان المخدرات او الكحول أو القمار.. حتى إدمان التدخين أو مشاهدة التلفزيون أو شراهة الأكل.. كلها صور مختلفة للإدمان الذي يدمر الحياة الزوجية.
وعلى هذا الأساس لا بد من الحذر حين يكون أحد طرفي العلاقة مدمناً، فمثل هذه الآفة كفيلة بقتل الزواج لأنه ليس من السهل تغيير امرئ ما لم يكن هو نفسه راغباً في التغيير، ومن النادر أن يعترف المدمن بإدمانه.
تبذير وديون
البعض يتصرف مع الشؤون المالية بطفولية محزنة وبلا مسؤولية.. ينفق بلا حساب، وسرعان ما يكتشف أنه بات خالي الوفاض لا يملك شيئاً، فيبدأ رحلة الاستدانة من هنا ومن هناك، ومع الأيام لا يعود قادراً على تلبية احتياجاته ويقع تحت طائلة الديون والفوائد التي لا ترحم.
مثل هذا الشخص من المستحيل أن ينجح في إقامة علاقة زوجية صحيحة، لأن عدم تسديد الديون سوف يوصله في النهاية إلى السجن، وقبل ذلك إلى الخلافات الزوجية الكفيلة بتحطيم الزواج.
أساليب ملتوية
بعض الأشخاص لا يتركون لمن يلتقيهم أي فرصة للوثوق بهم.. تشعر بأنهم غير أهل للثقة، غير صادقين، ويسلكون الطرق الملتوية في أحاديثهم وفي تعاملاتهم مع الغير.
قد لا يحتاج المرء الى خوض تجربة مع أمثال هؤلاء ليعرفهم على حقيقتهم.. يكفي مجرد شعور بعدم الارتياح وبعدم الثقة لكي ينفر الآخرون منهم.
سيماهم في وجوههم، يكذبون لمجرد الكذب، حتى أنهم يكذبون على أنفسهم فكيف يمكنهم أن يكونوا صادقين مع زوجاتهم أو مع أزواجهن؟
توزيع الأحكام
بعض الأشخاص يعشقون إصدار الأحكام على غيرهم.. يعطون أنفسهم الحق في تقرير هذا جيد وذاك سيئ.. هذا صحيح وذاك خطأ.. وبين هذا وذاك لا ينسون أن يكيلوا لأنفسهم المديح وإسباغ كل الصفات المرفوضة على الآخرين.
يقضون جزءاً من نهاراتهم ولياليهم في توزيع الأحكام والصفات على خلق الله من دون أن يدروا أنهم ليسوا أنانيين فقط بل أغبياء أيضاً، فمن كانت هذه صفاته لا يمكن أن يكون محباً لنفسه أو محباً لغيره، وإذا لم يشف من علته فلن يكتب النجاح لعلاقة هو شريك فيها.
الغيرة وحب السيطرة
الغيرة وحب السيطرة عَدُوّان رئيسيان لأي علاقة ناجحة، وإذا أطلت أي من هاتين الصفتين برأسها فقل على العلاقة الزوجية السلام، حتى لو طال الانتظار.
صفتان قاتلتان لكنهما في الأساس دليل على عدم الثقة بالنفس وبالآخرين، وعدم الشعور بالأمان. وإذا تمكنت أي من هاتين الصفتين من شخص ما فستحوله إلى عدو لنفسه قبل أن يكون عدواً للآخرين، فإذا غضب أو تضايق من شيء فعلى الآخرين أن يتيقنوا من أن الأولوية لديه أن يحكم سيطرته على شريك العمر وليس على أي شيء آخر.. فهو لا يهتم إلا بنفسه.
خلافات رئيسية
العلاقة الزوجية شراكة عمر في كل شيء واتفاق على كل الأمور الرئيسية، أما الاختلافات حول الأمور الثانوية فهي ضرورية لأنها مثل الملح والبهار في الطعام، تعطي الزواج نكهة محببة تبعده عن الروتين القاتل.
لكن حين يكون الخلاف حول أمور رئيسية مثل الدين أو السياسة أو طريقة تربية الأطفال، فهو كافٍ لرفع كل إشارات الخطر، لأن مؤسسة الزواج لا يمكن أن تستمر في ظل الاختلافات الكبيرة.
تجارب فاشلة
حين يكون الطرف الآخر قد تقدم به العمر ولم يسبق له الزواج، أو أنه كان طرفاً في علاقة فاشلة أو في سلسلة من العلاقات الفاشلة بين زواج وطلاق.. مثل هذا الشخص غالباً ما يعيش تحت وطأة شعوره بأن الآخرين قد تخلوا عنه. يظل يردد بأنه لم يعثر على الشريك المناسب، وبأن تجاربه السابقة إنما فشلت بسبب أخطاء غيره، متجاهلاً حقيقة أن العلاقة تحتاج الى اثنين من أجل إنجاحها، لكن إفشالها قد لا يحتاج الى أكثر من واحد.
على هذا الأساس يمكن القول إن مثل هذا الشخص لن ينجح في أي علاقة مستقبلية ما لم يعمل جاهداً على تغيير نفسه.. على تغيير طريقته في التعامل مع الآخرين وفي نظرته ومفهومه للحياة وللعلاقة الزوجية.
عدم الشعور بالمسؤولية
يتفنن البعض في إلقاء المسؤولية على الآخرين.. يلومهم حتى على أفعاله وأقواله.. يحملهم المسؤولية عن الظروف المحيطة به وعن عدم شعوره بالسعادة مثلاً.. لديه قدرة عجيبة على التهرب من المسؤولية عن أخطائه، أما إذا كان شريك العمر هو الذي أخطأ فسيتحول إلى بركان ثائر.