يجسد القفطان المغربي لوحة فنية تجمع الأصالة بالمعاصرة، فهو ينسجم مع الحاضر ويستوحي من الماضي، ولا يهمل مسايرة ما هو آت، على شرط ألا تمس أناقته المطبوعة بالحشمة.
وحتى الآن لا يزال القفطان يعد القطعة الأغلى ثمنا والأكثر تميزا في خزانة أي امرأة مغربية، أيا كان مستواها الاجتماعي وحالتها المادية وذوقها. وبفضل جهد المصممين المغاربة، فضلا عن تميزه، بقي حلم كل عروس، مهما كان إغراء الموديلات العالمية في فساتين الأعراس البيضاء، ومهما حاول البعض الدفع بها إلى الواجهة من باب الموضة العصرية. فهذه القطعة المحملة بالتاريخ والحضارة تظل بخطوطها وتطريزاتها وأقمشتها الغنية هي الحلم، بحيث لا تكتمل الصورة النهائية بدونها. وما لا يختلف عليه اثنان في أي زمن ومكان من المغرب، أن القفطان يمنح كل من تلبسه، عنفوان شخصية أقرب إلى الملكات في ثيابهن الأسطورية. لكن هذا لا يعني أنه لم يشهد تطورات وإضافات في السنوات الأخيرة باسم مواكبة الموضة والعصر، فمع كل ما يختزنه بين خيوطه وأقمشته من حضارة وتاريخ، كان لا بد أن يخضع لهذه التطورات حتى لا يبقى قطعة من زمن ماض.
وهذا ما نراه كل سنة في الفعالية التي تحتفي به كل سنة في مدينة مراكش، والتي يتبارى فيها المصممون على تجديده، حينا بشكل جنوني يثير عليهم حفيظة محبي هذه القطعة والخائفين عليها من الضياع، والرجوع به إلى أصوله حينا آخر ليشعل حنينا إلى ماضيه الذهبي. في مقابل هذه الفعالية السنوية، هناك فعاليات أخرى تنظم بين الفينة والأخرى احتفالا به، منها عرض شهدته مدينة الرباط مؤخرا نظم من طرف وزارتي السياحة والصناعة التقليدية، وشاركت فيه نخبة من مصممي الأزياء المغاربة، مثل سميرة حدوشي وسعاد الشرايبي عن «دار غرناطة كوتير» وحسين آيت المهدي ونبيل دحاني وقاسم الساهل عن «دار أم الغيث». كان التجديد واضحا في بعض القطع التي جاءت على شكل فساتين سهرة عصرية طويلة مزينة مطرزة بالـ«صنعة» المغربية على طوله وأكمام من الدانتيل مثلا، وأخرى استعمل فيها القماش الأسكوتلندي المطبوع بالنقوشات المربعة، لكن في الغالب بقي التجديد محدودا وبجرعات تحترم خطوطه وما يمثله من ثقافة مغربية متجذرة في التاريخ، سواء من حيث التصميم أو اختيار الأقمشة والألوان. المصممة سميرة حدوشي، حاولت مثلا أن تعود إلى أصالته، من خلال التطريز والتواشي، مع مزجه مع خطوط موضة غربية استوحتها من فخامة أزياء ملكة فرنسا ماري أنطوانيت. وقالت حدوشي، التي تولت مهمة تنظيم عرض الأزياء، إن الخيار كان مفتوحا أمام أي مصمم لكي يختار التيمة التي يراها مناسبة له حتى لا تكون هناك قيود على الإبداع.
وقالت إنها اختارت تيمتين، تركزت الأولى على جمالية القفطان المغربي وأصالته، وتم إنجازها في إطار قفاطين ذات طابع تقليدي على يد حرفيين متمرسين في هذا المجال، في حين تركزت الثانية على أسلوب فخم، يشير إليه عنوان المجموعة وهو «ماري أنطوانيت». وتشرح حدوشي أن «الجمع بين خطوط القفطان المغربي الأصيل والاشتغال على تيمة ماري أنطوانيت يجسد تزواجا بين ما هو مغربي وغربي»، مضيفة أن تشكيلتها طبعها أسلوب ملكة فرنسا المدللة في اختيار ملابسها، خصوصا أنه كان معروف عنها اهتمامها بالموضة عدا أنها لا تزال تلهم الكثير من المصممين العالميين إلى الآن. التصاميم المتقنة لم تكن العنصر الوحيد اللافت هنا، فالألوان أيضا تبارت معها ومع الأقمشة المترفة مثل البروكار والحرير والمخمل، لا سيما أن المعروف عن القفطان تكونه من هذه العناصر الثلاثة. ففي حال أصاب الضعف واحدا منها أصاب المظهر كله في المقبل، فالتصميم يجب أن يبرز جمال القد، والأقمشة يجب أن تتحرك بدلال، أما الألوان فمن المفضل أن تكون مشرقة وقوية.
من جهتها، تقول كريمة فني، وهي صاحبة محل لبيع وخياطة «القفطان» المغربي بأحد الأحياء العتيقة بالرباط: «القفطان» ظهر في العهد المريني قبل عدة قرون وظل صامدا في وجه كل موجات التغيير، وتعاقبت حضارات كثيرة على المغرب من فينيقية وقرطاجية ورومانية تركت بصماتها على حياة المغاربة لكن دون أن تؤثر في أصالة الزي التقليدي المغربي. وتتابع: «وقد ظهرت أولى بصمات التغيير في مدن فاس وتطوان وسلا، حيث كان التجار المغاربة يعملون في تصدير الزي التقليدي المغربي، ثم توسعت آفاق صناعة القفطان مع وجود دور الأزياء والموضة وانتشارها. فقد مضى زمن كانت فيه صناعة هذا الزي حكرا على الخياطين التقليديين». وتشير إلى أن مصممي الأزياء العالميين وعارضات الأزياء الشهيرات افتتنوا بالقفطان المغربي وأدخلوه العروض العالمية لكن هذه الشهرة، زادت المخاوف من احتمال فقدان هذا الزي لأصالته الموروثة.
وتجدر الإشارة إلى أن حفلات الزفاف في المغرب، يعتبر إحدى المناسبات التي تتحول في إلى لوحات فنية تتخذ من الحرير الناعم مادة أساسية، في ليلة الزفاف، حيث ترتدي العروس أكثر من عشرة فساتين تمثل مختلف مناطق المغرب وتحرص العائلات المغربية مهما كان مستواها الاجتماعي على هذا التقليد حفاظا على وحدة اللباس التقليدي برغم تنوعه الشديد، وإن بدأت بعض العائلات تحيد عن التقليد بإدخال فساتين غربية كمؤشر على انفتاحها على مختلف الثقافات لكنها دائما ما تكتشف أن من فارق قديمه تاه.
– يقول المهتمون إن القفطان كان في الأصل زيا رجاليا، ويعيدونه إلى عهد زرياب، الذي كان يتأنق به قبل أن يتحول إلى زي نسائي.
– تستعمل فيه أفخر الأثواب وأجودها حياكة، مثل التافتة والحرير والمخمل والبروكار والأورغنزا.
– يمر تصميمه بمراحل أساسية، فبعد اختيار نوع القماش، تقوم محترفة في الصناعة التقليدية بطرزه بخيوط من ذهب وفضة وحرير. عندما تنتهي مهمتها تسلمه إلى المعلم، الذي يتولى تزيينه بضفائر ومجادل قبل أن يعمل على البحث عن تبطين له، يكون في الغالب من الحرير أو ساتان الحرير على شكل طبقة أخرى ومستقلة.