«آن جاردان سور لوتوا» (Un Jardin Sur le Toit) ومعناها حديقة فوق السطح، آخر ما طرحته دار «هيرميس» في سلسلة العطور التي لا تزال تستوحيها من حدائق عالمية.
فبعد أن قطفت باقات ورد من البحر الأبيض المتوسط وأخرى من النيل ومن الهند، قررت في هذا العطر أن تعود إلى عقر بيتها وتغرف من نبعها .. من هنا جاءت الفكرة لجون كلود إيلينا، أنف الدار ومبتكر عطورها منذ 2003 .. لم لا يستفيد من أزهار وورود حديقة غناء توجد دائما في سطح مقر «هيرميس» الواقع في 24 شارع جادة فوبورغ سانت أونوريه؟ فبالرغم من صغرها مقارنة بالحدائق السابقة، فإنها تبقى باريسية الروح «هيرميسية» النكهة، تشذبها يد بستانية الدار منذ أكثر من عشرين عاما، ياسمينة دامناتي، المنحدرة من أصول مغربية. ما إن اقترح جون كلود الفكرة، حتى استقبلها الجميع بترحاب كبير وهم في حالة عدم تصديق كيف فاتهم الأمر كل هذه السنوات؟
يقول جون كلود: «غالبا ما نبحث عن الإلهام في أماكن بعيدة، وننسى أنه يمكن أن يكون تحت النظر. لقد زرت هذه الحديقة مرارا بحكم أن مكتب السيد ديماس يوجد في الجهة المقابلة من السطح، لكني لم أفكر فيها من قبل كثيرا، لكن عندما طلب مني هذه المرة عطرا يجمع باقة من الأزهار والفواكه المعطرة، كانت أول ما خطر ببالي.
الحديقة بالنسبة لي ليست مجرد مكان يحفل بالأزهار والنباتات، بل فلسفة كاملة، تشعرك بأنك تكتشفها في كل مرة تدخلها. وكلما تمعنت في جوانبها، تشعر بأنها يمكن أن تكون موضوعا دسما لرسام انطباعي، كما لصانع عطور، بتنوعها وألوانها وروائحها.
فهناك زهرة الثالوث والبنفسج والورد، وزهرة البلسم وشجرة تفاح شامخة وإجاص، وكلها عناصر أدخلتها بشكل أو بآخر في هذا العطر حتى يختزل هذه الروائح والفلسفة، علما بأن هذه بعض من العناصر المكونة للعطر الجديد فقط وليست كلها، وتتناغم بشكل ساحر ومنعش مع بعض».
اللافت في جون كلود إيلينا الذي يعمل مع الدار منذ سبع سنوات، ابتكر خلالها 18 عطرا، ميله إلى المكونات الطبيعية، وعلى رأسها الورود والفواكه، مقارنة بالأخشاب والبخور وغيرها من العناصر القوية، إلى حد أن هذه السمة أصبحت شبه ماركة مسجلة له، إلى جانب قناعته بأن القليل كثير في عالم العطور.
فهو يكتفي بعناصر قليلة ومحددة حتى تأتي مميزة وغير ثقيلة على النفس، إذ لا يستعمل سوى 200 مكون في أي عطر، في الوقت الذي قد يلجأ فيه آخرون إلى نحو 1000 مكون.
ميزة يفخر بها لأنها صعبة في عالم العطور وتحتاج إلى دراية ووقت، وهو ما يؤكده قائلا: «أقضي الكثير من الوقت في اختبار الخلاصات والمكونات لأخرج بعدد قليل أحصل منها على عطر بسيط وغير معقد.
في البداية يكون الأمر بمثابة لغز يجب عليّ أن أحله، وفي الغالب يأتي الجواب بسيطا. فأنا بطبعي، أجد العطور النفاذة مزعجة، وأفضل عليها العطور الهادئة التي تهمس أكثر مما تصرخ وتناسب الرجل والمرأة على حد سواء، مثل الفن تماما. فالفن ليس له جنسية أو جنس محدد.. إنه للجميع مثل الأدب والموسيقى، هكذا العطر بالنسبة لي، يجب أن يتيح للآخر حرية الاختيار».
لكن جون كلود إيلينا لا يكتفي بالقول إن عطوره تخاطب الجنسين، بل يشير إلى أن فكرة أن العطر الخفيف المكون من الأزهار يناسب المرأة فقط، أو على أحسن تقدير الرجل الـ«ميتروسيكشوال»، خاطئة، وهدفها تجاري محض: «فالرجل في التقاليد الهندية يتعطر بالورد والياسمين من دون أن يشعر بأن هذا يتناقض مع رجولته.
فكما قلت، تعتبر المسألة تسويقية بحتة، إذ لا تستغربي أن تجدي في بعض المحلات نفس العطر، أي بنفس المكونات، لكن بأسماء وفي قارورات مختلفة. الهدف من هذا تشجيع الرجل على شرائه وعدم إشعاره بأنه عطر نسائي».
ويتابع: «قد يكون العطر بالنسبة للجميع دجاجة تبيض ذهبا لبيوت الأزياء، لكنه بالنسبة لي يبيض ذهبا فقط عندما يكون فنا، أي بجودة عالية ونكهة متميزة. فالموسيقار موتسارت مثلا عندما عكف على تأليف سيمفونياته، وجهها لكل الطبقات الذواقة وليس لطبقة مخملية أو أرستقراطية فقط. نفس هذه الفكرة يقوم عليها هذا العطر، فهو ديمقراطي يخاطب كل من يتذوقه، امرأة كانت أو رجلا.