للمعاكسات عادات خاصة في المجتمع اللبناني، حيث تدخل “طقوسها” في مناهج بعض معاهد ومدارس تعليم اللغة العربية، وبالتحديد “اللهجة اللبنانية” لتتعلم الفتيات الأجنبيات كيفية التعامل معها.
الملاحظ في الآونة الأخيرة أن “التحرش” بدأ يخرج عن السياق التقليدي الشعبي له ليقتصر على مجتمعات معينة وفي أوساط الشباب المراهقين الذين يبتكرون قاموسا خاصا بهم في فن المغازلات باستمرار. منها ما يبقى مقبولا، وقد يرسم الابتسامة على شفاه من تسمعها، ومنها ما يخرج عن سياق اللياقة الأدبية ويدعو إلى الانزعاج والازدراء.
ويبدو هذا الواقع اللبناني مشابها للواقع الإسباني الذي أصبحت فيه المعاكسات في طريقها إلى الزوال بعدما كانت جزءا من الثقافة الإسبانية، لأسباب عدة؛ أهمها تغير دور المرأة في المجتمع الإسباني، باعتبار أن المعاكسات تمثل تجسيدا للتقاليد الاجتماعية والسلوكية القديمة التي كان الذكور يلعبون فيها الدور الإيجابي والإناث الدور السلبي، أو المتلقي.
ونفى تقرير نشرته وكالة الأنباء الألمانية أن يكون الرجل متهما بنسيان أو عدم إتقان فن المغازلة، وإنما التراجع يعود إلى تغير المرأة وظروفها، وبالتالي عدم تقبلها هذا الشكل من الإطراء الذي قد أصبحت تعتبره استفزازا أكثر منه إطراء أو إعجابا.
لكن في لبنان حيث لهذه المعاكسات وقعها في ذاكرة الفتيات، فيمكن القول إنها سلكت طريقا حديثا ومخالفا لتلك التي كانت معتمدة منذ سنوات عدة. أما الأسباب فهي تتنوع بين انفتاح المجتمع بشكل عام وطبيعة العلاقات بين الذكور والإناث بشكل خاص، إضافة إلى ما توفره وسائل الاتصال الحديثة من فرص للتواصل بين الجنسين وما يدور بين هؤلاء من حوار مباشر أسرع وأسهل بكثير من ذلك الذي كان يدور على طريق هنا وفي شارع هناك.
وانتقلت رحى المعاكسات – في لبنان يطلق عليها اسم التلطيش – من الشارع إلى حائط الـفيسبوك حيث يستطيع الشاب أن يتعرف على الفتاة ويتواصل معها بطريقة مباشرة. وفي حين يرجع سبب تراجع هذه الظاهرة إلى الانفتاح في المجتمع اللبناني حيث لم يعد هناك شباب “محرومون” من العلاقات، يلفت إلى أن مظهر الفتاة وشكلها يلعبان الدور الأساسي في إقدام الشاب على معاكستها.
وأخذت ظاهرة المعاكسات في لبنان توجها مختلفا عن ذلك الذي كان معتمدا في السنوات السابقة وهو يظهر اليوم بطريقة منفتحة أكثر ومباشرة قد تكون في الشارع أو عبر وسائل اتصال أخرى، والدليل على ذلك الأساليب المتعددة التي يعتمدها الشباب للتحرش بالفتيات. وتعدد أشكال “المعاكسات الحديثة”، كالملاحقة بالسيارة أو إرسال رسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو الهاتف تحتوي عبارات شبيهة بتلك التي كانت مستخدمة في المعاكسات قديما.
والمعاكسات بشكل عام هي تلك الناتجة عن الكبت الذي يعيشه الشباب في مجتمع تقليدي مغلق وفي سن معينة تتحرك خلالها غرائزهم ومشاعرهم، كما توضح المتخصصة في علم النفس الاجتماعي الدكتورة بشرى قبيسي في حديثها لصحيفة “الشرق الأوسط”، وبالتالي كان (التلطيش) يعتبر نوعا من (فشّة الخلق) ووسيلة يمكن من خلالها التعبير عن هذه المشاعر، وهذا ربما كان أقصى ما يستطيعون الحصول عليه. المشكلة كانت أنه كان يصل في أحيان كثيرة إلى استخدام ألفاظ غير لائقة ومهينة، لكن وفي حين أن المعاكسات الشعبية في طريقها إلى الزوال في لبنان، لا بد من التأكيد أن الظاهرة الاجتماعية لا تزول فجأة من أي مجتمع، وتحتاج إلى فترة من الوقت كي تختفي نهائيا.
وتشير إلى أن هذا النوع من المعاكسات الشعبية التي كانت ترضي غرور بعض الفتيات، ويشكل فرصة للإيقاع بهن في الشارع وعلى الطرقات، صار اليوم يعكس صورة سلبية عن الشاب الذي يقدم على القيام بها، بل تنظر إليه الفتاة بازدراء وسخف. وتعود أسباب تراجع هذه الظاهرة إلى انفتاح المجتمع اللبناني وسهولة التواصل بين الجنسين، بالإضافة إلى الدور الكبير الذي تلعبه وسائل الاتصال الحديثة في هذا الإطار، الأمر الذي انعكس بشكل واضح على تراجع ظاهرة المعاكسات الشعبية التي تحولت إلى تواصل مباشر عبارة عن فعل ورد فعل عبر وسائل عدة، وتكون النتيجة إما التجاهل والرفض أو القبول من الطرف الآخر بعدما كانت قبل ذلك لا تلقى آذانا مصغية من الإناث اللاتي كن لا يتفاعلن معه.