بقليل من الكُلفة، وكثير من الابتكار ولمسات الحداثة الواضحة، انطلقت مصممة العبايات الإماراتية الواعدة، هدى النعيمي، في عالم تصميم العباءة، مقدمة في مجموعتها «كروز»، تلك المعادلة الذكية ما بين الأسود التقليدي، وحالات تمرده الشبابية، جامعةً بين ما يمكن أن يتقدم عباءة ناعمة وبسيطة، في حال الاعتماد على الإكسسوارات والشكل التقليدي المعتاد، أو التصميم المعاصر والتجريدي في حال تحوّله إلى تصميم منفصل عـن ذلك الإطار المحلي.
في مجموعة هدى النعيمي، كان للون واتحاده الحداثي مع أفكار القصات، التركيز الأكبر، واستطاعت أن تحوّل العباءة إلى إطار يستوعب ويلتف بذكاء حول اللمسات الشبابية والقوية الصارخة، التي غالباً ما تحتاج إلى شخصية تشبهها، قادرة على أن تقول «أنا أنيقة، إذن أنا موجودة»! محوّلة العباءة من مجرد رداء يخفي ما تحته، إلى حالة تمتزج فيها وتتحد مع ما يحيطها من أزياء لتشكل جزءاً منه لا إضافة عليه.
خطوط رائجة
من اتجاهات موضة عالمية وخطوط رائجة، إلى عباءات يلفها السواد، واتحاد ذكي ما بين الاثنين، هو تحديداً ما يمكن وصف عباءات هدى به، إذ استطاعت أن تترجم التقاطاتها للاتجاهات العامة للموضة العالمية إلى شيء أقرب إلى المحلية، وقادر على التوافق معها، مضيفة تلك «الباليتة» من الألوان الزاهية والطبعات المثيرة إلى مزيج الأسود المتموج تارة، والملتف تارة أخرى، مبتكرة طرازاً يتماشى مع الاتجاه العالمي للموضة، والحاجة المحلية والتقليدية للمحافظة التي توفرها العباءة، من دون أن تتناسى لمستها الشبابية المتمردة تارة، والقوية العفوية تارة أخرى، لتتحوّل تصاميم مجموعتها الأخيرة إلى عباءات شبابية تحمل من العالمية والمحلية الكثير.
اعتمدت هدى مجموعة من الألوان الزاهية التي ظهرت من خلال اللمسات البسيطة التي تكشفها القصات، والتي تبدو منها الألوان المتباينة مع الأسود من خلال الحواشي والبطانات، والقليل من الإضافات على أجزاء الحرير الأسود، مستعينة في الوقت ذاته، بقماش «الشيفون»، و«الكريب الحريري»، والكثير من الخامات الأخرى التي تتفاوت مع اختلاف التصاميم والحاجة منها، سواء كانت نهارية عملية، أو مسائية مناسبة للسهرات والأمسيات الراقية.
عفوية
مالت الأفكار والقصات التي اعتمدتها هدى النعيمي إلى تلك الروح العفوية الشبابية المائلة إلى التمرد في اندفاعها وقوتها، إذ تمركزت تارة في وسط الجذع متجمعة في خطوط واضحة وقوية، بينما فضلت الالتفاف على الخصر في فكرة أقرب إلى الدثار في تصاميم أخرى، بعفوية مدروسة تزينها أحزمة ناعمة ذات ألوان واضحة.
كما كان لفكرة العباءة الأقرب إلى التنورة والقميص الواسع مكانها، معتمدةً قصات ضيقة في منطقة التنورة التي تداخل فيها اللون الوردي الفاتح جدا بطريقة متعرجة مع الأسود، وجذع واسعة بأكمام واسعة تظهر من اليدين الرسغ بوضوح، بطريقة جعلتها أقرب إلى الأكمام المطوية إلى أعلى، ما أعطى المزيد من تلك الروح الشبابية الواضحة، أو تلك الأفكار التي بدت قريبة من فكرة العقدة الكبيرة المركزية ملتفة ومكونة عباءة ذات فتحة صدر واسعة تصل إلى البطن، وفتحة ساق كبيرة أيضا تظهر ما تحتها، وأكمام واسعة مزينة بأطر وحواشٍ من لون زاهٍ، بينما تلتف العباءة بالكامل حول فكرة العقدة الناعمة التي تتمركز على البطن بتموجاتها الهادئة.
انطلاقة
لم يكن الخيار صعباً على هدى النعيمي، ولم تكن الموضة الاختيار الأخير الذي اهتدت إليه بعد سنوات من التردد، إذ التحقت المصممة بكلية لندن للأزياء، بعد انتهائها من دراستها الأكاديمية في بريطانيا، وانطلقت في عالم الأزياء والموضة مع عودتها إلى الدولة مطلقة، خط أزياء عباءاتها «ملاك»، والمتوافر في دار «أوش» للأزياء في دبي، محولة شغفها الأول إلى عالمها العملي، مترجمة إياه إلى حياة يومية طموحة بعيدة عن الأحلام والتخيلات، وكانت العباءة والشيلة هما اختيارها الذي تعكس فيه افكارها الشبابية ولمستها الحداثية المطورة، واضعةً بذلك تصورها ومفهومها الخاص للشكل الذي يمكن أن تتطور إليه العباءة من دون أن تخرج عن ذلك الإطار التقليدي، ولكن بلمسات تعين الفتاة الشابة من الجيل الجديد على أن تمارس عاداتها اليومية وحياتها العملية من دون انزعاج، وبأناقة وتميز واضحين.
للعباءة شكلها ومفهومها المعاصر والخاص جداً في ذهن هدى، رافعة سقف الحرية قليلاً، وسقف التميز أكثر، وراسمة تصوراً مستقبلياً للطريق الذي يمكن أن تسير إليه وعليه العباءة من دون أن تخرج من إطارها التقليدي الساتر، ولكن بلمسة تجعله محور أناقتها لا العامل الخافي لتلك الأناقة.
لم تتهاون المصممة الشابة في أن تنطلق بالطريقة الوحيدة التي تشعر بأنها صحيحة، وهي الإشراف الكامل والتام على كل ما يدخل فيه تنفيذ العباءة، ومحولة حياتها العملية إلى حقل تجاربها الذي تطبق فيه كل ما تعلمته في دراستها، إذ تقوم شخصياً بكل مراحل العمل، بدءاً من عملية تصميم الموديل، مروراً برسم الباترون، ثم انتهاء بتفصيل القماش وقصه، وهي تفخر بذلك، وبعد الانتهاء من خياطة القطعة الأولى تقوم النعيمي بتسليم القطعة لفريق العمل ليبدأ باستنساخ نماذج مماثلة.
تجد هدى الإلهام في كل ما يحيط بها من تفاصيل صغيرة كانت أو كبيرة، من حقبات زمنية، أو مناطق، أو ثقافات، أو شخصيات، كما أنها تجد في السفر طريقتها الخاصة في البحث والتطوير واستقاء الأفكار، لتجد في هذه الطريقة أسلوباً لتحرير فكرها الإبداعي.