حملت تشكيلة المصمم الفرنسي المبدع جان بول جولتير لأزياء “الهوت كوتور” فن الخياطة الراقية لموسمي خريف وشتاء 2013/2012 دعوة مفتوحة للاحتفال بالحياة، ليهديها لجمهور عشاقه ومحبيه، ضمن مشاركته اللافتة في أسبوع الموضة في باريس، راسما من خلالها أفكاره الخلاقة والفنتازية، ورؤيته الخاصة باتجاهات الموضة العالمية في الموسمين المقبلين، والتي تأثرت بشكل واضح بالفيلم السينمائي الشهير “اعترافات طفل القرن”.
حيث أثار المصمم الفرنسي المشاغب جان بول جولتير بعروضه الجدل من خلال مجموعته الجديدة لموسمي خريف وشتاء 2012/2013، التي أطلقها ضمن فعاليات أسبوع باريس للموضة؛ فقد كان الحضور على موعد مع الفن، الإثارة والأناقة المتكلفة لأبعد الحدود، لتحتفي منصات باريس به بشكل مسرحي ودراماتيكي متوقع، وتحيط بالأجواء هالة من الترقب والحذر، لما قد يأتي به خيال المصمم الخصب من مبتكرات وأفكار.
وحي العشرينيات
فضل جولتير أن يعود هذا الموسم بمجموعة مختلفة من القطع والموديلات، تحمل سمات مثيرة وتنبض بالحيوية والحياة، وكأنها ثورة كلاسيكية على الرتابة والمألوف في قطاع الأزياء، ليخرج بطرازه الجنوني الثائر، ويتحف الحضور بنماذج من الأسلوب القديم المتجدد، من تلك التي تتسم بالغواية التي تثير الحواس، وتعبّر عن فورة المشاعر وحركة ديناميكية تقرأ بين التفاصيل والانحناءات، مستثمرا وجوده غير البعيد في شهر مايو الماضي كعضو لجنة تحكيم في مهرجان كان للأفلام في دورته الـ65، ومتأثرا بشدة بمشاهد الفيلم السينمائي الشهير “اعترافات طفل القرن”، والمأخوذ عن رائعة الكاتب الفرنسي ألفريد دي موسيه، التي كتبها في القرن الثامن عشر، وتدور أحداثه في العام 1830 في باريس، ويغوص الفيلم بزاوية نفسية، وهي فقدان الأمل والكآبة، في أجواء مليئة بالتفاصيل. ليستعيد من خلالها أمجاد عصر مضى من الأناقة في أسلوب الحياة، وموظفا أيضا خياله الجانح ليستوحي خطوطا عريضة من طراز زمن العشرينيات من القرن الماضي، ويأخذ بعضا من أشكال الملابس والموديلات التي كانت تمّيز المسارح الفرنسية آنذاك، ليدمجه بذكاء وحرفية مع الروح المعاصرة للأناقة في الزمن الحالي، مقدما باقة مثيرة من الأزياء تتأرجح بعفوية ومرح بين الماضي والحاضر.
ثورة دراماتيكية
لم يخب الفتى الشقي للموضة الفرنسية خلال أسبوع باريس الأخير لفن الخياطة الراقية، ظنون عشاقه ومتابعيه، ليأتي بعرض مختلف، آخذا الحضور معه في رحلة مثيرة عبر السنين، حيث تكون الملابس هي التي تعكس الطبقة الاجتماعية التي ينتمي لها الأشخاص، فتعكس أصولهم وثقافتهم للآخرين، ليبدأ سمفونيته البديعة بموجة ساخنة من المد الأسود، تحمل إيقونات كلاسيكية من الرقي والجمال، وتعبر عن بريق فنتازيا المسارح القديمة، حيث جاءت خطوات العارضات بكعوبهن العالية وقامتهن الممشوقة لتحدث ثورة دراماتيكية في المكان، متشحات ببريق معدني أخاذ، وقطع مذهّبة ومقصبة بالخرز والباييت، لتتحدث كل قطعة منها عن نفسها وتترجم بشفافية بالغة من خلال تفاصيلها، أفكار جولتير الرائعة التي أدرجها كعادته بجرأة وجسارة، أظهرتها بجلاء أكسسوارات الشعر والشبكات السوداء والقبعات الجميلة، مع تلك العيون المظللة بشكل مسرحي على وجوه تحمل ملامح السحر.
ترف الألوان
عبر 59 تصميما شكّل المصمم العابث مجموعته الفنتازية لأزياء المساء والسهرة، مستخدما مسطرة محددة من الألوان، من تلك التي تعتد بها النساء المحبات للجرأة ولفت الانتباه، غلب عليها إطلالات اللون الأسود الحالك، مع دمجه ببريق الذهب، وبعض من البيج العسلي، وشيء من غنى البرتقالي الناري، وفورة الأحمر الأرجواني، ليشعلها مجددا مع شطحات من الأصفر والأزرق الفيروزي، راسما من خلالها لوحات فنية تظهر بمزيج فريد من الألوان والظلال، وبشكل متكلف ومختلف، لينفذها بأقمشة وخامات وثيرة ومعبرة، منها الأتوال الشفافة، والشيفونات الناعمة، والساتان اللامع، والأورجنزا الشانجان، مع بعض الحرير الطبيعي، وقليل من المخمل الوثير، ليثريها بلمسات مترفة من فراء المنك والثعلب، ويطرزها بأطياف الذهب والفضة، مبتكرا فساتين ترفل بطبقات من الكشاكش والقصّات، مع موديلات أنيقة أخرى من الأطقم الشبه ذكورية المكونة من جاكيت “السموكنج”، والبنطلون والقميص، وقبعات عالية تثير الانتباه.
كما ظهر في التشكيلة ما يسمى بالفستان المعطف، مع بعض المشدات “كورسيه” المقولبة للجسد، لتلبس على تنورات ضيقة ومستقيمة، وأخرى بقصات وفتحات عشرينية، مضيفا عليها مزيدا من التألق من خلال تطعيمها بزخارف ونقوش من الشغل اليدوي المتقن والشك بالخرز والستراس هنا وهناك.