عبر صفحات التواصل الاجتماعي (الفيس بوك).. تتحدث الكثير من الفتيات عن قضية التحرش وكيفية مواجهتهن له خاصة ونحن مقبلون علي عام دراسي جديد, حيث تكثر معدلات التحرش بالطالبات بمختلف أعمارهن أمام المدارس,
وفي وسائل المواصلات, وذلك عبر نصائح يتم تبادلها بينهن, واتجهت أغلب هذه النصائح التي يبدو بعضها مألوفا إلي تجنب الوجود في مناطق غير آهلة بالسكان وعدم الخروج بشكل منفرد والالتزام بارتداء ملابس غير لافتة, ثم تطورت طرق محاولات مساعدة الفتيات علي الدفاع عن أنفسهن بنصحهن خاصة في ظل الظروف الأمنية الراهنة بعمل خليط من مواد التوابل الحارة عبارة عن ملعقتين من الفلفل الأسود أو الشطة الحمراء تضاف إليهما 2سم كحول إثيلي + 1سم من زيت الأطفال ويتم وضعها في زجاج به بخاخ لاستخدامها بالرش تجاه العين والأنف, وهناك أيضا الصاعق الكهربائي.
تقول نهي : عندما كنت طالبة في المرحلة التعليمية الإعدادية ونحن نقترب من باب المدرسة كنا نجد أشخاصا يقومون بأفعال بذيئة مثل قيام شخص ما جالس في عربته بأفعال إباحية بجسده أو بعرض صور إباحية, هذا إلي جانب استخدام الألفاظ النابية التي فيها إيحاءات جنسية وغيرها مع العلم بأنني كنت في مدرسة حكومية, وأنا لا أعلم إن كانت طرق الدفاع المطروحة يمكن أن تساعد الفتاة لحماية نفسها من التحرش أم لا, فأنا لم أجرب أي طريقة منها من قبل, ولذا فقد أقوم بتجربة إحدي الوسائل المقترحة ولكن أرجو أن يكون هناك خاصية للمدارس الحكومية مثل وضع أمن أمام المدارس لحماية الطالبات من هؤلاء المرضي.
أما سمر فتقول : في إحدي المرات وأنا جالسة في وسيلة المواصلات في طريقي للعودة إلي منزلي شعرت بحركات غير طبيعية, ونظرت خلفي فوجدت أصابع تحاول التسلل للمسي, فما كان مني إلا أن أدرت ظهري وبقوة يدفعها الغضب .. لم أدر بنفسي إلا وأنا أضرب هذا الرجل علي رأسه.
وللعلم هناك تغير ما حدث لبعض الفتيات الآن واللاتي أصبحن يواجهن ما يتعرضن له من أفعال غير لائقة, ولي صديقة بالفعل تستخدم مادة قامت بصنعها من التوابل ذات الطبيعة الحارة, وذلك لمواجهة أي شخص يحاول الاحتكاك بها.
وتقول لمياء: هذه طرق من الصعب الأخذ بها, حيث أنني لا أمتلك جرأة المواجهة, فعندما أتعرض للتحرش أتجمد في مكاني ولا أعرف ماذا أفعل .. وهذا سبب لي ألما كبيرا وشعورا بالاكتئاب وبالإرهاب من نزول الشارع والتعامل مع الناس, ولا أخفي أنني أصبحت أكره الرجال وأخاف الزواج.
وتقول ريهام : ذات مرة في ركوبي إحدي وسائل المواصلات لاحظت شخصا يحاول مد يده للتحرش بي, فأخذت دبوسا من حجابي وقمت بشكه به, وحاول مرة أخري أن يلمسني فكررت ما فعلته سابقا .. فابتعد عني, ولذلك هذه الطريقة وغيرها من الطرق قد تساعدنا إلي حدما في حماية أنفسنا.
أما مني فتقول: بالنسبة لمن يقولون إنه علي البنات ارتداء زي مناسب والخروج في مجموعات أو مع أحد رجال الأسرة فأقول لهم : إنني محجبة وملتزمة في زيي ومع ذلك أتعرض للتحرش, وهنا سأذكر هذه الواقعة تحديدا, حيث كنت في الشارع مع أبي ومر بجانبنا رجل اقترب من أذني وأسمعني كلاما بذيئا يقشعر له البدن, فلم يعد هناك احترام لأحد, وأنا أري وأؤكد أن ظاهرة التحرش الجنسي صعب أن تنتهي وتتلاشي فهي مشكلة ستظل قائمة ولا حل لها, فمن يقولون إن أسباب التحرش متعلقة بالفقر والبطالة والجهل, هذا كلام غير صحيح, فهناك رجال علي مستويات ثقافية ومالية عالية ويمارسون هذا الأمر, ولذلك فإن من يقومون بالتحرش مرضي والدين والأخلاق الحميدة غائبان في نفوسهم وعليهم التوجه إلي الطبيب.
وتري د. عزة كريم أستاذ علم الاجتماع أنه من الطبيعي أن تدافع الفتاة عن نفسها بالطرق المشروعة لمواجهة من يحاول التعرض لها, لكني أري أن التحرش قلت معدلاته عن ذي قبل لعدة عوامل منها خوف الأسر علي بناتهن ومنعهن من الخروج ليلا, كما أن البلطجية هناك ما يشغلهم أكثر من التحرش من حيث السرقة والسلب والنهب, ومعظم الذين يقومون بأفعال التحرش ينتمون لمناطق ذات طبيعة شعبية ومنهم من هم صغار في السن.
والحقيقة أنني أري أن المجتمع هو الذي صنع التحرش, ففي حقبة الستينيات والسبعينيات كانت النساء ترتدي ملابس قصيرة ولم توجد مثل هذه التصرفات لأن الشباب كان لهم هدف وقضية ـ أما اليوم في ظل ضعف فرص العمل وعدم استطاعة الشباب الزواج ووجود طاقة لدي الشباب لا نستطيع أن نوظفها بشكل جيد نري ارتكاب بعضهم لمثل هذه السلوكيات المشينة, لكننا الآن نأمل في التغيير الحقيقي في القوانين الخاصة بالعمل والإسكان وغيرها وأن تتحسن أوضاع الشباب الذي قام بثورة 25 من يناير, ففي ميدان التحرير وجدت أرقي الأخلاقيات ولم نشاهد واقعة تحرش مما يدل علي أنه إذا كان لدي الشباب هدف سيتحسن الكثير من الأمور.
يقول الدكتور يسري عبدالمحسن أستاذ الطب النفسي: التحرش ينتشر كالعدوي طالما هناك أرض خصبة تساعد علي انتشاره, وهي وجود خلل في الأخلاق وعدم احترام الآخر, وبالتالي يحدث الاعتداء علي الأنثي, فهو من إحدي الظواهر المؤسفة ضمن منظومة الانفلات الأمني, وبالتالي يأتي ما تقوم به الفتيات من اتباع طرق معينة لمواجهة التحرش حتي يقمن بالدفاع عن أنفسهن خاصة في ظل ما نعيشه الآن من ظروف أمنية مضطربة.
والحقيقة أن النقلة النوعية في حياة الشعوب يصحبها نوع من الانفلات الأخلاقي خاصة إذا كانت هذه النقلة مفاجئة لم يكن لها استعداد .. فالتحول لدينا لم يأت بالتدريج, وإنما حدث من النقيض إلي النقيض من قمة القهر وحكم الفرد والاستبداد إلي قمة الانفلات والحرية مع شعب لم يتدرب للتعامل مع مثل هذه النقلة بصورة متدرجة ووعي وانضباط وحفاظ علي الوطن والانتماء له, فنحن تحولنا من الحالة الصلبة إلي الغازية دون أن نمر بالحالة السائلة, ففي الفيزياء عندما يحدث تحول الصلب إلي الغاز دون المرور علي التحول إلي السائل يحدث خلل كيميائي, وهذا ما حدث لنا, فهذا تشبيه أردت أن أعطيه مثلا لما نحن فيه, وفي تقديري هذه السلوكيات التي يشوبها الانحراف تتسم بالانتهازية, وأنه ما زال البعض لم يعرف معني الحفاظ علي الآخرين واحترامهم والتعامل مع الحرية بصورة منضبطة, فهناك تصور خاطئ للحرية والتي تفتقد المسئولية, لذلك لابد من إعادة الانضباط بأن تكون هناك عصا غليظة تدرب المواطن علي استنشاق فسيح الحرية في حالة من الضبط والربط, وبالنسبة لبعض المتحرشين الذين يترقبون الطالبات أمام المدارس وفي وسائل المواصلات فإنهم قد يختارون هذه الفئة تحديدا لتأكدهم من أنهن سوف يصمتن, وبالتالي يكون لديهم فرصة فعل ما يريدونه, وهذا فيه أذي كبير لنفسية الفتيات الصغيرات المقبلات علي الحياة والذي قد يؤثر عليهن فيما بعد, حيث ربما تصبح شخصية بعضهن تميل إلي الخوف والانعزالية وعدم الرغبة في الزواج, ولذلك لابد أولا أن يحرص الأهل علي الاطمئنان علي بناتهن سواء بتأمين وسيلة مواصلات تقلهم إلي المدرسة أو بتوصيل أحد الوالدين ابنتهما إلي المدرسة .. وثانيا وجود الأمن أمام المدارس وفي وسائل المواصلات وذلك لكي يشعر المتحرش بالفزع ويفكر أكثر من مرة قبل الإقدام علي مثل هذه التصرفات المشينة.
أما بعض الطرق التي تنصح بها الإناث بعضهن لاتباعها لمواجهة التحرش فهي حلول مؤقتة وليست جذرية ودائمة, فنحن في حاجة إلي التوعية الدينية والثقافية والعقاب الغليظ من قبل القوانين والأحكام والإعلان عنها في وسائل الإعلام لمن يرتكب مثل هذه التصرفات المشينة كالتحرش الجنسي وغيره من الجرائم.
ويعلق المستشار خالد الشباسي رئيس محكمة الجنايات قائلا: بحكم طبيعة عملي وما يتم عرضه علي من قضايا أمام المحكمة ألمس ارتفاعا في معدلات الجريمة مثل السرقة بالإكراه والمشاجرة والقتل والتعدي علي الإناث والتحرش بهن وهتك عرض الأطفال تحديدا منذ شهر مارس الماضي, حيث ساعدت الظروف الأمنية غير المنضبطة علي زيادة هذه الجرائم, وجريمة التحرش بالإناث والتعرض لهن في الطريق العام بألفاظ نابية أو لمس مناطق حساسة بجسدهن وسرقة حقائبهن تأتي في المرتبة الثانية بعد جرائم السرقة بشكل عام.
ومن المؤسف أن 70% من هذه القضايا التي تصل للمحكمة تكون بلا فاعل, حيث أن الجاني يهرب سريعا باستخدام التوك توك أو الموتوسيكل الذي يقوم معظم الجناة باستغلاله في هذه الآونة في ارتكابهم لجرائمهم خاصة السرقة ثم يهربون سريعا, وإذا حاول البعض الإمساك بالمتهم يقوم بإشهار السلاح في وجه المارة ويتمكن من الفرار خاصة بعد انتشار الأسلحة في يد الكثيرين الآن وأري أن من الأفضل أن تتحرك الفتيات في مجموعات.
ويضيف الشباسي: لابد من عودة الأمن بشكل رادع وأن تتحرك دوريات شرطة مدعمة من الجيش تجوب المناطق المختلفة خاصة المعروف أنها تضخ عناصر من الخارجين علي القانون, وأطالب أيضا بتكثيفها أمام المدراس خاصة ونحن مقبلون علي عام دراسي جديد, حيث يكون هناك بعض الوقائع غير اللائقة والمعاكسات والتعرض للفتيات, بالإضافة إلي أن حوادث سرقة حقائب الفتيات تقترن أحيانا بقيام المجرم بمحاولة التحرش بالفتاة, فغياب الأمن يؤدي إلي ارتكاب الجريمة بشكل عشوائي.
حول تعليقه علي المتحرشين الذين يقفون أمام المدارس ويقومون بارتكاب أفعال مشينة سواء بجسدهم أو بعرض صور إباحية أمام الطالبات وغيرها.. يقول الدكتور هاشم بحري أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر إن بعض الرجال الذين يرتكبون مثل هذه الأفعال يعانون من اضطرابات نفسية فمثلا الشخص الذي يقوم بالكشف عن أجزاء من جسده بهدف أن يجعل المرأة تخاف وتقلق وبالتالي يكون رد فعلها حافزا له لممارسة العادة السرية وبالنسبة للتحرش الجنسي بالأطفال فهذا يرجع إما لعدم قدرة الرجل علي إقامة علاقة طبيعية مع أنثي أو لأنه تعرض شخصيا لشكل من أشكال التحرش أو الاغتصاب وهو صغير مما يجعله يكرر ما حدث له مع غيره حتي لا يشعر بأنه الوحيد الذي تعرض لهذا الأمر المعيب ولذلك أري أن العمل علي الحد من التحرش والقضاء عليه من الأفضل ألا يكون بالقمع وذلك بحبس المتحرش لأن عقوبة الحبس يمكن أن تجعله يخاف ويحاول الابتعاد عن التحرش ولكن لوقت قصير لأن المرض النفسي سيطغي عليه وسيعود مرة ثانية لممارسة نفس العادات السيئة, فهذه الفئة من الشخصيات تلجأ إلي العيادات النفسية وهي متأزمة وتعاني الخجل مما تفعل والحقيقة أنهم يحتاجون لجلسات علاجية نفسية تستغرق فترة طويلة من الزمن لتعديل سلوكهم المضطرب ولكن للأسف لا يوجد لدينا القدر الكافي من الأطباء المتخصصين في علاج هذه النوعية من الحالات.
ويضيف د. هاشم أن مجتمعنا لا يملك ثقافة التوعية فدور الأسر في التوعية غير موجود بل علي العكس فإنهم يوجهون بناتهم إلي الصمت والسلبية بدعوي عدم التسبب في الفضيحة لأنفسهن وأن هذا أمر عادي يحدث للجميع والبنت الشاطرة هي التي تبتعد عن المشاكل, فالأسر نفسها تعاني الخوف وينقلون عدوي خوفهم إلي بناتهم, وهذا ما يجعل البنت عند تعرضها للتحرش تتجمد ولا تعرف كيف تتصرف وتتعامل مع مثل هذا الموقف, هذا إلي جانب الثقافة السلبية التي يتمتع بها بعض الأهالي الذين يشعرون البنت بأنها فعلت كارثة وأنها السبب فيما تتعرض له من مضايقات ويلقون باللوم عليها إذا تم التحرش بها أو اغتصابها مما يجعل لها تظن أنها آلة للجنس ومجرد شيء يثير الرجل, ولذا أري أنه يجب عمل دورات سواء في المدارس أو الجامعات لتدريب بناتنا علي كيفية مواجهة التحرش الجنسي وأي موقف غريب يطرأ عليها ويتم تخصيص فرق فنون قتالية ليعلموا الطلبة طرق الدفاع عن النفس, كما يجب أن يكون لدي الأسرة الوعي الكامل في توجيه سلوكيات أبنائها بالشكل الصحيح والذي يجعلهم يحسنون التصرف ولا يخافون من شيء.
ويقول د. علي ليلة أستاذ علم الاجتماع في تعليقه علي وقائع التحرش التي تحدث أمام المدارس أو في وسائل المواصلات : للإعلام دور كبير في ضرورة توعية الأسرة بكيفية مواجهة هذا الأمر وذلك بجعل رب وربة الأسرة إذا علما أن ابنهما يعاكس الفتيات يعاقبانه ويقومان بإرشاده للسلوك المنضبط وذلك لأن الشباب لديهم نقص في الوعي, أما بالنسبة للرجال الذين تتعدي أعمارهم فترة الشباب فيجب أن يعاقبوا بشكل رادع يجعلهم يفكرون أكثر من مرة قبل الإقدام علي أي فعل يخدش الحياء, وأنا أنصح إما بوجود شرطي علي باب مدرسة أو بتكليف مجموعة من الفراشين العاملين بالمدرسة بحماية الطالبات في الدخول والخروج منها, فإذا وجدت هذه المجموعة رجلا يفعل أمرا بذيئا فعليها أن تقبض عليه وتبلغ الشرطة فلو حدث هذا الأمر فسيكون مرتكب هذا الفعل عبرة لنفسه لعدم تكرار هذه الأخطاء الجسيمة وعبرة لغيره أيضا.
ويضيف د. علي ليلة: كما يجب أن يتم تشجيع الفتاة علي مواجهة التحرش وألا تصمت لأنها بذلك ستكون بطلة, حيث إنها رفضت هذه الأفعال الشنيعة التي يجب ألا تداري ويسكت عليها, وعلي الأسرة أن توعي بناتها وتفهمهن أن أخذ رد فعل تجاه من يقوم بالتحرش هو الفعل الصحيح وهو الموقف الإيجابي الذي يجب أن يتخذنه وأن الخطأ والعيب الحقيقي هو صمتهن وعدم أخذ رد فعل تجاه المتحرش. أما عن النصائح التي تقدم علي الفيس بوك والمواقع الموجودة علي الإنترنت لمواجهة الفتاة للتحرش الجنسي فأنا أشجعها, حيث إنها تقدم وصفات سهلة للغاية ومن الأفضل أن تخرج البنات في جماعات وإذا تعرض لهن أحد المتحرشين وقمن برش إحدي الوصفات المعروضة سابقة الذكر عليه فأعتقد أنه لن يكرر أفعاله البذيئة مرة أخري وذلك لأن الإنسان عند ارتكابه لجرم ما لا يخاف ولكن يخاف من الفضيحة العامة.