تكمن خصوصية الحمام المغربي التقليدي في أنه ظل وفيا للعناصر والمواد الطبيعية المستعملة للتنظيف والتجميل. مواد باتت شركات التجميل تتسابق عليها في الوقت الحالي لإدخالها في تركيبات أساسية لمنتجاتها من جهة، ولضمان تسويقها على نطاق واسع من جهة أخرى، في ظل تنامي ظاهرة الإقبال على المواد الطبيعية والعضوية.
ويعد «الغاسول» أحد العناصر الطبيعية التي كانت وما زالت المرأة المغربية تستعملها في العناية بجمالها إلى جانب الحناء والصابون البلدي. قد لا يرقى هذا الاستعمال إلى ما كان عليه في الماضي، في عهد الجدات حين لم يكن الشامبو وغيره من منتجات العناية بالشعر متوفرة، لكنه لم يغب تماما حتى في عهد البنات والحفيدات. فهو جزء مهم من طقوس الحمام المغربي التقليدي.
يستخرج «الغاسول» من جبال الأطلس في شرق المغرب، خاصة في منطقة فاس، وهو متوفر بكثرة في منطقة «تامدافلت» في ضواحي فاس، و75 في المائة من إنتاج هذه المنطقة يوجه نحو التصدير.
وهو عبارة عن مادة طينية لزجة كانت تستعمل بدل صابون الشامبو لتنظيف الشعر، ثم كقناع لترطيب وتغذية الوجه، وعلى الرغم من أنه يمكن استعماله كما هو فقط بنقعه في الماء الدافئ لبضع دقائق يتفتت بعضها ويتحول إلى تركيبة لزجة ومتماسكة، فإن المرأة المغربية لم تعد تكتفي بذلك في سبيل تدليل نفسها والعناية بجمالها، وباتت تحرص على إدخال مجموعة من الأعشاب الطبيعية ذات الروائح العطرة عليه، مثل الخزامى والريحان والورد والقرنفل والسنبل، حتى تظل تلك الرائحة عالقة في الشعر لمدة طويلة بعد الاستحمام، عدا أن بعض هذه الإضافات تفيد البشرة مثل الورد.
في الماضي كان يباع بشكله الطبيعي الخام، لكن بعد تطور صناعته، أصبح يباع في أكياس بلاستيكية على شكل قطع رقيقة ومقطعة. ويباع دائما في الغالب عند العطارين كمنتج طبيعي دون أن تضاف إليه مواد أخرى، حيث تستعمله المرأة وهو في حالته الخام، إذا لم يكن لها متسع من الوقت لتحضيره في المنزل، لكنه متوفر أيضا في محلات بيع مواد التجميل في أكياس وبأنواع مختلفة، منها ما هو طبيعي ومنها ما هو معطر، أي أضيفت إليه مواد طبيعية عطرية أخرى، مثل الورد وغيره من المواد، لمخاطبة الشابات والصغيرات ممن ليس لديهن الوقت أو الصبر لمعالجته بأنفسهن.
أما ربات البيوت فيشترينه من العطار كمادة أولية تكون على شكل حجر متوسط الحجم، يبلل بالماء الفاتر حتى يصبح طينا لزجا ثم يترك ليجف تحت أشعة الشمس، بعدها يكسر إلى قطع صغيرة على شكل مربعات، في هذه الأثناء تغلى الأعشاب العطرة، ويسكب ماؤها على خليط الغاسول، ليصبح جاهزا للاستعمال في أي وقت.
تقول فاطمة الحاجي: «لم يعد استعمال الغاسول شائعا كما هو الحال في السابق، فالنساء العصريات لم يعد لديهن الوقت لتحضيره في البيت، ولا حتى لشرائه جاهزا، لأن طريقة استعماله لا تبدو عملية بالنسبة لهن وأصبحن يفضلن عليه الشامبو، لكني انصحهن باستعمال الغاسول من حين لآخر، أو على الأقل عند استعمال الحمام التقليدي، نظرا لفوائده الكثيرة.
طريقة استعماله سهلة، حيث يوزع على الشعر بالكامل على شكل قناع ويترك لمدة 15 دقيقة قبل أن يشطف بالماء، فيصبح الشعر ناعما، علما أنه بالإمكان استعماله أيضا كقناع للوجه يخلط بماء الورد نظرا لفوائده خصوصا لصاحبات البشرة الدهنية».
ومن جهتها، تقول نعيمة التاجي، صاحبة صالون للتجميل، إن «سر الإقبال المتزايد على مواد التجميل المغربية عامة هو خلوها من المواد المضرة ومحافظتها على طبيعتها وفوائدها التي يثبتها التاريخ والتجربة»، مضيفة أن هذه المواد «أصبحت علامة متميزة تفضلها الزبونات على غيرها من المواد رغم أن مواد التجميل ومستحضرات العناية بالشعر المعروضة في الأسواق أصبحت في الآونة الأخيرة تتجاوز المائة نوع».
وتابعت: «فحتى صالونات التجميل المتطورة جدا تفضل حاليا استعمال المواد المغربية لاعتبارات عديدة، منها ما هو اقتصادي، ومنها ما هو مهني.
فهذه المواد لها مفعول مضمون وتعطي نتائج رائعة مع الوقت. صحيح أن أسعارها معقولة جدا بالمقارنة مع ما تطرحه الشركات الأوروبية المشهورة، إلا أنه لا مجال للمقارنة بينهما، كون المستحضرات المستوردة والمصنعة تضاف إليها مواد غير طبيعية للحفاظ عليها مدة أطول، وهو ما قد لا يرضي أذواق الزبونات الباحثات عن كل ما هو طبيعي».
وأضافت: «إن تعرف الزبونات على مفعول ماء الورد والغاسول على الجلد والشعر لاحتوائها على مواد منعشة كثيرة وعلى أنواع من الفيتامينات وكذلك النصح الذي يقدمه الخبراء في مجال التجميل للنساء بخصوص فوائد المواد المغربية الطبيعية، يزيد من حجم الطلب عليها في سوق التجميل الذي يعرف منافسة شديدة، لا سيما وأن الإعلانات يمكن أن تبرز مواد أو منتجات دون أخرى ويكون الحاسم أحيانا في بروز بعضها على حساب أخرى طريقة التسويق. فكثير من المنتجات المغربية الطبيعية والبسيطة التي تتداولها الأوساط الشعبية تفتقر للدعاية المناسبة لمواجهة المنافسة».
وتضيف نعيمة: «إن إقبال النساء الخليجيات على وجه الخصوص على مواد التجميل المغربية، وإن جاء متأخرا بعض الشيء، فإنه فاق كل التوقعات ويزداد باضطراد بعد أن اكتشفت المستعملات لهذه المواد فعاليتها»، معربة عن أملها في أن «يحافظ المنتج المغربي على أصالته وطبيعته وأن لا يطرأ عليه أي تغيير قد يمس بسمعته وجودته».