نماذج نسائية كثيرة هذه الأيام تحت الضوء، فها هي هيلاري كلينتون تشحذ كل طاقتها للوصول إلى البيت الابيض، وسيغولين روايال ايضا جندت كل أسلحتها في الآونة الأخيرة للوصول إلى قصر الإليزيه، وقبلهما مارغريت ثاتشر التي حكمت بريطانيا بيد من فولاذ، ونماذج أخرى يصعب حصرها، الأمر الذي يطرح سؤالا عن كيف يتقبل أزواج هذه النوعية من النساء نجاحاتهن؟
بالرغم من ان البعض لا يرى غضاضة في الأمر، فان الحقيقة قد لا تكون دائما ملمعة مثل الصورة التي يريد اصحابها رسمها أمام وسائل الإعلام، خصوصا إذا كان ما يزعمه كتاب صدر مؤخرا عن علاقة سيغولين وزوجها صحيحا. الكتاب يزعم ان سيغولين هددت زوجها، فرنسوا هولاند، الامين العام للحزب الاشتراكي، من رؤية أبنائهما فيما لو سولت له نفسه عرقلة طموحها للرئاسة.
محامي سيغولين ينفي هذا الادعاء ويهدد برفع دعوى ضد مؤلفتي الكتاب، لكن السؤال يبقى مطروحا. فالقضية ليست وليدة الساعة، فلا أحد يعرف مثلا نهاية علاقة شجرة الدر بزوجها المملوكي أيبك لو لم تكن ملكة مصر القوية التي نجحت في إنجاز ما عجز عنه الرجال. وشجرة الدر ليست المرأة الوحيدة التي استأثرت بالأضواء في التاريخ القديم، فلا أحد يعرف الكثير عن زوج الملكة حتشبسوت تحتمس الثاني. بل ان البعض لا يعرف من الاساس من هو زوجها بعد أن طغت أخبارها على كل ما يمت له بصلة.
وعلى الرغم من شهرة أذينة كبطل تاريخي، الا أن شهرة زوجته زنوبيا ملكة تدمر طغت عليه. وبعيدا عن السياسة والتاريخ، نجد في عالمنا الآن نساء يتبوأن مراكز تسلط عليهن الضوء بينما يقبع أزواجهن في الظل. البعض يتقبل الأمر برحابة صدر، وآخرون يحولون حياة زوجاتهم إلى جحيم.
ردود أفعال الزوجات أيضا تختلف، البعض منهن، من نوع الـ«نساء العاقلات» يحاولن احتواء غيرة الزوج ومشاعر الاحساس بالنقص التي يمكن أن تتولد لديه، بالإطراء عليه بمناسبة أو غير مناسبة. والبعض الآخر لا يتحملن الوضع ولا يعرفن كيف يتعاملن معه ويصرخن هل يمتنعن عن التفوق والنجاح كي يحافظن على علاقتهن بأزواجهن؟
المتعارف عليه، أن تسمع زوجة تتحدث عن زوجها ذي المنصب الهام بفخر أمام صديقاتها، أو أفراد أسرتها مرددة بين الحين والآخر كلمة «زوجي»، ومقرنة إياها بمنصبه الذي يحتله ويثير الاعجاب. مثل:المدير أو الوزير أو العالم أو المذيع المعروف، لكن من النادر أن تسمع زوجا يتحدث عن زوجته الناجحة بهذا الفخر، خصوصا إذا كان عمله لا يمنحه الفرصة للسطوع مثلها.
«فاقدو الثقة في قدراتهم وإمكانياتهم، هم فقط من يخجلون من نجاح زوجاتهم» هكذا لخصت الدكتورة هدى بدران، رئيس رابطة المرأة العربية، مضيفة: «في رأيي ان نجاح المرأة يعكر صفو الحياة فقط إذا كان الزوج إنسانا بلا طموح أو فاقد الثقة بنفسه وقدراته في تحقيق النجاح في مجاله. وهي ظاهرة لا تقتصر على عالمنا العربي أو الشرقي فقط ولكنها موجودة في كل أنحاء العالم. وأشعر بالتعاطف مع أي زوجة تضعها الظروف في موقف يكون فيه نجاحها سببا في شقائها الاسري».
الاعلامية ليلى رستم، مذيعة التلفزيون المصري الشهيرة في فترة الستينات، أكدت أن الزوجة الذكية هي من تستطيع امتصاص تلك الغيرة. فهناك نساء تضعهن ظروف عملهن تحت دائرة الضوء، ويكون الزوج ناجحا هو الاخر ولكنه بعيد عن الاضواء، في حين أن المجتمع ينبهر دائما بكل ما هو لامع. وتضيف: «كثيرا ما كنت أسمع عبارة « هذا هو زوج المذيعة ليلي رستم ». فكنت أسارع إلى نفي تلك العبارة وتصحيحها بالقول: «بل أنا زوجته». وهذا صحيح فعملي بالتلفزيون منحني الشهرة، ولكنه لم يكن يمنحني المال الكافي للانفاق حتى على مظهري، ومن حق زوجي علي أن أعترف بفضله ووجوده والحفاظ على مشاعره كرجل شرقي، طالما أنه يمارس نفس السلوكيات تجاهي».
وتتفق الدكتورة عبلة الكحلاوي، عميدة كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر فرع بورسعيد، مع الرأي السابق بقولها: «مهما حققت المرأة من نجاح وشهرة عليها الا تنسى دورها كزوجة وأم وربة بيت في المقام الاول. ولي في حياتي مثال حي. فقد منحني عملي في مجال الدعوة الاسلامية انتشارا واسعا في العالم العربي، وكان زوجي الراحل ياسين محمد يعمل كمهندس في القوات المسلحة، وكان سعيدا بما حققته من نجاح. الاكثر من هذا، أنه عندما كنت أنظم دروسا في منزلي، كان يقدم واجب الضيافة في بعض الاحيان إلى الحاضرات، ويرحب بهن معي ويبذل قصارى جهده لإنجاح كل ما أقوم به من أعمال، بل إنه تعلم الشريعة حتى يساعدني في عملي. وبالنسبة لي لم أنس يوما دوري الاول كزوجة لهذا الرجل الفاضل، ولم أفكر في مسألة الشهرة هذه قط».
الدكتور شريف حتاتة، زوج الكاتبة الدكتورة نوال السعداوي، التي تمثل أقصى نماذج استقلالية المرأة ورغبتها في النجاح وتحقيق الطموح ككيان مستقل، أكد أنه لم يفكر يوما في قصة شهرة زوجته، لأن من حقها ان تحقق شهرتها طالما أنها تستحقها. وأضاف: «لقد تبنت الدكتورة نوال منذ سنوات طويلة، عددا من القضايا التي كرست لها حياتها. وكانت شجاعة إلى الحد الذي قررت فيه هدم تابوهات الفكر الذكوري في المجتمع المصري، وهو ما منحها شهرة لا حدود لها، فهي صاحبة فكر وقضية ومبدأ. وأعتقد أن الزوج الذي يغار من شهرة زوجته، أو يعتقد أن شهرتها أحاطته بسجن من الظل، هو رجل ما زال يعيش في القرون الوسطى. كما أنه لا يدرك مكامن القوة بداخله وكيف أنه باعث للأمن والدعم لنجاح وشهرة زوجته».
شهد القرن العشرين العديد من النماذج النسائية الناجحة المتزوجات من رجال يعيشون في الظل. فالعالم ما زال يذكر مدام كوري، التي حصلت على جائزة نوبل للعلوم مرتين: الأولى عام 1903، والثانية عام 1911. وتفوقت في أبحاثها على زوجها بيير كوري أستاذ الكيمياء بعد اكتشافها لعنصر الراديوم المشع. ومع ذلك كانا في حالة مستمرة من العشق. ولكن لا أحد يعلم هل كانت ستستمر علاقة الحب، لو لم يلق بيير مصرعه تحت عجلات إحدى العربات، قبل حصول كوري على جائزة نوبل في الكيمياء؟ هناك أيضا المرأة الحديدية، مارجريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا السابقة، صاحبة المقولة الشهيرة: «إن أردت القول فابحث عن رجل. وإن أردت الفعل فابحث عن امرأة». وكانت دائما تظهر أمام لقطات المصورين في المقدمة بدون أن يعلم الكثيرون شيئا عن زوجها، السير دينيس تاتشر، الذي كثيرا ما أشادت بفضله في ما حققته من نجاح. حتى أنها وبعد وفاته في العام 2004 خضعت للعلاج النفسي لعدم قدرتها على تحمل فراقه.
وإذا كانت تلك النماذج تشير إلى إمكانية تقبل الرجل لنجاح زوجته ومدها بيد الدعم والعون وتقبل الحياة في ظل زوجته. فإن الحياة مليئة أيضا بنماذج مختلفة تماما. يقول أحمد المجدوب، أستاذ الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية: «الرجل بوجه عام لا يتحمل أن يكون تابعا لزوجته، أو أن يحيا في ظل شهرتها حتى لو كان ناجحا في عمله.
وينطبق هذا المبدأ في المجتمعات الغربية أيضا، التي تكتسب فيها الزوجة لقب عائلة زوجها كبديل لاسم والدها بعد الزواج وهو ما يعني أنها باتت تتبع الزوج في كل شيء. وعلى المستوى الشخصي أعرف الكثير من السيدات اللواتي فشلن في حياتهن الأسرية بسبب شهرتهن أو نجاحهن الذي لم يتحمله أزواجهن.
كما أعرف زوجات شهيرات يرفضن الحديث في المنزل عن تفاصيل أعمالهن تجنبا لشعور الزوج بالضيق والغيرة. ونسبة غير قليلة من النساء الناجحات، اللاتي التقيت بهن كن إما غير متزوجات أو مطلقات ولهذا فأنا لا أصدق ما تردده بعض النساء عن عدم ضيق أزواجهن بما حققنه من شهرة».
وعودة إلى سؤال البداية، ماذا تفعل المرأة الناجحة الشهيرة كي تحقق التوازن بين نجاحاتها وعلاقتها الخاصة بزوجها؟ يقول الدكتور هاني السبكي، استشاري الطب النفسي، إنه في حال لم يكن الرجل واسع الافق، ومتقبلا لنجاح زوجته فمن المستحيل أن ينعما بحياة هانئة. هذا بالإضافة إلى ضرورة تمتع الزوجة بنوع من الذكاء واللباقة التي تجعلها مدركة ضرورة إيجاد دور لزوجها في ما حققته من نجاح ولو كان بسيطا، والأهم أن تترك شهرتها على باب المنزل.