يعد تبادل الأحاديث، والقصص، والمعلومات، والأخبار، مع ما يحيط بالمرء من أفراد، أحد أكثر العمليات والسلوكيات الاجتماعية التي يقوم بها بنو البشر منذ آلاف السنين، وحتى في العصر الحديث غالباً ما نقوم بإعادة إرسال الرسائل الإلكترونية التي تحتوي على معلومات أو أخبار أو شائعات إلى بقية قائمة الأصدقاء، أو نتشارك وإياهم آخر تلك القصص والأخبار التي وقعت على مسامعنا، سواء مع الأصدقاء، أو أفراد الأسرة، أو الزملاء، أو الجيران، ولم تعمل الخاصية التكنولوجية لنقل ونشر المعلومات سواء عبر الرسائل النصية، أو المواقع الاجتماعية، سوى على تسريع ذلك النقل المعلوماتي الاجتماعي بين الأفراد.
وعلى الرغم من أن مثل هذه السلوكيات التي قد تكون طبيعية، وجزءاً لا يتجزأ من شخصية الإنسان، إلا أن العلماء بحثوا حول الأسباب التي تجعل الأفراد يميلون إلى نقل نوع معين من الأخبار والمعلومات إلى الآخرين أكثر من غيره، وما الذي يدفعهم إلى ذلك؟ ومن بين الأبحاث الجديدة حول الموضوع دراسة جديدة نشرت في دورية علم النفس، التابعة لمنظمة علم النفس الأميركية.
ووفق رئيس الدراسة البروفيسور المساعد في كلية التسويق في جامعة بنسلفانيا الأميركية جونا بيرغر، فإن الدافع لمشاطرة الآخرين القصص، والمعلومات، يمكن أن يكون نابعاً بشكل جزئي من الشعور بالإثارة، مشيراً إلى أنه في حال شعور المرء بالإثارة النفسية، سواء بسبب محفز عاطفي، أو أي نوع آخر من المحفزات، فإنه يتم تفعيل الأعصاب اللاإرادية، التي تقوم بتحفيز وحث عملية النقل الاجتماعية تلك، ما يعني ببساطة أن إثارة مشاعر معينة في الإنسان، تساعد على رفع فرصة ونسبة مشاطرة الآخرين رسالة أو خبراً أو معلومة ما.
«نيويورك تايمز»
وبين بيرغر، أنه في محاولة سابقة للبحث عن الأسباب والعوامل، أن «الباحثين توصلوا إلى أن المشاعر، تلعب دوراً كبيراً في رفع وتحريك وتنشيط قائمة الرسائل الإلكترونية التي تصل إلى صحيفة نيويورك تايمز على سبيل المثال، وقد كان من المشوق اكتشاف أنه على الرغم من أن المقالات التي تعمل على تحفيز المشاعر الإيجابية لدى القراء يمكن أن تكون مؤثرة ومعدية، ناقلة ذلك الحس الإيجابي إلى الآخرين، إلا أن بعض المشاعر السلبية مثل التوتر والغضب، يمكن أن تزيد من عملية نقل المعلومات، بينما قللت مشاعر مثل الحزن هذه العملية، وخلال محاولتنا الكشف والبحث عن الأسباب، وجدنا أن تلك الإثارة النفسية هي المفتاح والعامل الرئيس لعملية نقل المعلومات».
وأشار بيرغر خلال الدراسة، إلى أن مشاعر مثل الخوف، والغضب، والمرح، يمكن أن تدفع الأفراد إلى مشاطرة الأخبار والمعلومات، موضحاً أن مثل هذه المشاعر تعتبر من فئة المشاعر التي تعمل على تحفيز المرء بشكل كبير على القيام بسلوكيات تفاعلية مع الآخرين، مقارنة بمشاعر أخرى تحبط من تلك السلوكيات، مثل الحزن، أو الرضا والقناعة «وعندما يتسبب أمر ما في إثارة غضب الإنسان، فإنه غالباً ما سيعمل على مشاطرة أصدقائه أو عائلته تلك المشكلة، لأنه سيكون غاضباً وحانقاً على الوضع، مقارنة بمشاعر الحزن التي يميل خلالها الفرد إلى الانعزال والابتعاد عن الآخرين».
المحتوى الإلكتروني
في الدراسة، يركز بيرغر أيضاً على كيفية تحول تلك المشاعر الاجتماعية وعمليات نقلها، إلى عدوى يتم خلالها نقل المحتوى الإلكتروني من قائمة أصدقاء إلى أخرى لتنتشر بسرعة فائقة على الشبكة العنكبوتية، مبيناً أن «هناك الكثير من الاهتمام بالمواقع الإلكترونية مثل (فيس بوك)، و(تويتر)، والأنواع الأخرى من المواقع الاجتماعية، اليوم، وهو الأمر المعتاد والطبيعي، إلا أن فهم كيفية وأسباب ميل الأفراد إلى التحدث عبره ومشاركة الآخرين في موضوعات محددة، يعد أحد أهم العوامل والأسباب التي يجب على الشركات والمنظمات كشفها، ما يعينهم على استخدام هذه التقنيات بشكل فعال».
وخلال الدراسة، أجريت تجربتان عمليتان لاختبار نظرية بيرغر التي تقترح أن الإثارة هي السبب الرئيس الذي يدفع الأفراد لمشاركة المعلومات وتناقلها، إذ قام خلال التجربة الأولى التي ركزت على مشاعر محددة 93 طالباً باستكمال ما قيل لهم انهما دراستان مختلفتان وغير متصلتين، وفي التجربة الأولى قامت مجموعات مختلفة من الطلبة بمشاهدة مقاطع فيديو حفزت فيهم سواء مشاعر التوتر، أو المرح (مشاعر مثيرة)، إضافة إلى مقاطع فيديو ذات محتوى حزين (مشاعر مثبطة)، وفي الدراسة الثانية عرضت على الطلبة مقالات ومقاطع فيديو ذات محتوى حيادي المشاعر، وتم سؤالهم إلى أي مدى يميلون إلى مشاطرة أصدقائهم وأسرهم هذه المعلومات، وكشفت النتائج أن المجموعات التي تم إثارة مشاعرها، كانت أكثر ميلاً للتحدث عن تجربتهم مع الآخرين ومشاطرة الآخرين ذلك المحتوى المستفز لمشاعرهم.
كما ركزت دراسة أخرى على التعامل مع المثيرات النفسية بطريقة عامة، إذ طلب من 40 طالباً التطوع في ما اعتبروه دراستين منفصلتين، حيث طلب من بعضهم الجلوس بسكون، وطلب من الآخرين الهرولة دقيقة واحدة، وهي المهمة التي ثبت أنها تعمل على تحفيز المشاعر، ومن ثم طلب من المجموعة قراءة مقال إخباري حيادي المشاعر، وقيل لهم انه يمكنهم إعادة إرسال هذه المقالة عبر البريد الإلكتروني لأي شخص يرغبون في مشاطرته هذه المعلومات. وكشفت الدراسة، أن الطلبة الذين قاموا بالهرولة كانوا أكثر ميلاً لإعادة إرسال المقالة للأصدقاء والأسرة، مقارنة بأولئك الذين طلب منهم الجلوس بهدوء.
وبين بيرغر أن ما تحويه هذه الدراسات من معلومات ورسائل لايزال عاماً وغير محدد، مضيفاً أن «سلوكيات الأفراد تتأثر بشكل كبير ورئيس بما يقوله ويفعله الآخرون، وسواء كان هناك من الشركات التي ترغب في أن يعمل الأفراد على نشر المزيد من المعلومات حول منتجاتها، أو منظمات صحية، ترغب في أن ينشر الأفراد رسائل صحية توعوية فيما بينهم، فإن هذه النتائج، توفر نظرة متعمقة عن كيفية وضع خطط واستراتيجيات لتصميم رسائل ترويجية أكثر فاعلية».