مدن ونوافذ تغمرها التماعات المطر وظلال ضبابية تسبح بينها، انعكاسات ضوء متوارية على الإسفلت المبتل بدفقات الثلج الخفيفة في مدينة يزينها شتاء أنيق، تحولت في عيني مصمم الأزياء اللبناني إيلي صعب إلى مجموعة رومانسية وشفافة لموسم خريف وشتاء 2011 – 2012 لملابس السهرة الراقية خلال أسبوع باريس للموضة الأخير، بينما تحولت سيدة شتائه إلى أميرة ثلجية يلفها ضباب مزين بنقوش، كما تشكيلات الغيوم البيضاء، مقدما ابتكارات سماوية باردة بدت أقرب إلى هدوء يسبق عاصفة مكفهرة اللون.
لا يمكن لملاحظ المجموعة سوى أن يصفها بالشتوية البحتة، ولا يمكن لصعب سوى أن يكون كلاسيكياً في بصمته الموسمية، معتمداً تلك النعومة الشديدة والمعتادة لقصاته المنسدلة والهادئة دائماً، معتمداً الألوان السادة في جميع التصاميم، مع الحرص على كسر الملل، من خلال الاختيار الذكي للخامات التي كانت أغلبيتها من الدانتيل المعرق بالكامل بالنقوش النباتية متفاوتة الأحجام، والتول الشفاف المزين بنقوش ثلجية غزت حواشي القماش، بالإضافة إلى تفاوت ومزج في الخامات المعرقة بين أجزاء التصميم الواحد، ما أضاف المزيد من الحركة على التصميم، رغم القصات شديدة البساطة والوضوح، والألوان السماوية الناعمة.
بساطة
على الرغم من بساطة القصات ووضوح فكرتها، وتلك الخطوط الضيقة والمستقيمة التي ترسم غالبا انحناءات الجسد بين قصات الصدر وأحزمة الخصر، وحفر الأكتاف، إلا أن ذلك لم يأخذ من فخامة وغنى التصاميم وخاماتها المترفة، والمعززة في غالبها بكثافة المشغولات والشذرات التي تزين كامل الخامات، والتي تتفاوت بين الترتر، والأحجار الناعمة الصغيرة، والتفاصيل القماشية اليدوية الدقيقة التي تتداخل مع بقية أنواع الزينة، دون أن يتجاهل المصمم أجساد العارضات، معتمداً على شفافية الخامات التي كشفت ما تحتها من لون البشرة الذي أضاف إلى ألوان الخامات، بينما تزين كلاهما بتلك النقوش المتسلقة من الحواشي.
وكعادة صعب، كان الترتر هو سيد مسائه، والذي اعتمده بمختلف الأنواع والأشكال والأحجام، مكثفاً إياه في بعض الخامات التي لم تتزين سوى به بالكامل، بينما اعتمده بشكل ثانوي إلى جانب المزيد من الأفكار المزينة للأقمشة، دون أن يتناسى تأثير الدانتيل بطبيعته المعرقة بتلك النقوش النباتية الكلاسيكية.
«ماكسي»
غلبت الفساتين الطويلة على معظم المجموعة التي اعتمد فيها المصمم فكرة الفساتين الطويلة «الماكسي» أو تلك الأكثر طولا بأذيالها المناسبة للسجادة الحمراء ومناسبات السهرة الراقية، كما اعتمد صعب فكرة الفساتين ذات الفتحات العالية الواصلة إلى الأرداف، والتي غالباً ما اتخذت مكانها في منتصف التنانير، ومجموعة من التصاميم التي وصلت إلى حد الركبة، وتلك القصيرة فوق الركبة «الميني» بقصاتها المتموجة المتسعة، في نفور يزين حواشيها.
وبطبيعة الحال، اعتمد المصمم مختلف الخامات التي تتميز بالطبيعة المنسدلة والشفافة المناسبة للسهرة، والتي غالبا ما تراوح بين خامات الشيفون الحريرية، والتول، والدانتيل، إضافة إلى الأورغانزا، ولمسات بسيطة من المخمل، دون أن يتجاهل قماش الترتر الكامل، الذي يتضح ميل المصمم له مع مرور وتكرار المواسم المختلفة، أو ذلك المزين في غالب أجزائه بالقصب الكثيف المغطي لشفافية التول تحته، كما عززت تلك الطبيعة الغنية والكثيفة للمشغولات التي زينت الأقمشة من انسدال وثقل الفساتين في الأجزاء المطلوبة سواء في حواشي التنانير، أو في فتحات الصدر الملتفة المستديرة، أو الأكمام التي انسدلت واصلة حتى الرسغ، أو الكوع، أو تلك التي تدلت يتيمة إلى جانب كتف عارٍ، إضافة إلى اعتماده فكرة الجذع الواسع بخصر ضيق، كما لو كان قميصاً معبعباً، مضيفاً لمسة سبعينية رومانسية وكلاسيكية من خلال أوشحة الظهر التي انسدلت طويلة بأذيال، مزينة بلمسات بيضاء بدت كندفات ثلجية تنتشر على الأقمشة الشفافة.
شتاء
غلبت على التصاميم الألوان الشتوية الهادئة، ابتداء من ألوان الثلج بتدرجاته التي تتفاوت بتفاوت أماكن نزولها، بين أسقف ونوافذ وإسفلت رمادي، وبين الألوان التي بدت بالتماعاتها أقرب إلى انعكاسات الضوء على الشوارع المبللة، أو تلك التي بدت أقرب بألوانها إلى الغيوم المحملة، أو تلك الشبيهة بلون قرميد الشرفات المبللة، والكثير من تدرجات الأبيض بأمزجته المختلفة، الواصلة إلى الدرجات المزرقة أحيانا، والمتحولة في أحيان أخرى إلى الأزرق الداكن القريب من تلك المساءات الثلجية المكفهرة، إضافة إلى لمسات من اللون البرونزي، و«اللحمي»، والبترولي المسود، والبني المغبر، بدرجات بدت بمختلف ألوانها باردة وهادئة ورومانسية تسعى لدفء غائب.