ازداد حال المرأة المصرية تراجعا للوراء عام 2011 ـ وبرغم رؤية العالم لها بعد ثورة 25 يناير بنظرة إعجاب فإنها تعاني هجوما شرسا في الداخل يعود بها إلي القرون الوسطي.
فتم تهميشها من مواقع صنع القرار والوظائف القيادية والمشاركة السياسية التي دخلتها بالكاد, بل أصبحت في وضع الدفاع الدائم عما أحرزته من نجاحات في سنوات الكفاح منذ 1919 بحجة ارتباط تلك الحقوق بالنظام السابق.
انقضي عام 2011 بعذابات كثيرة للمرأة المصرية, ولكن هناك من يتفاءل في العام المقبل.
- المرأة بعيون العالم
أعلنت النيوزويك الأمريكية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة عن قائمة تضمنت 150 امرأة من مختلف دول العالم وصفن بسيدات العام اللاتي حركن العالم كان من بين القائمة 4 مصريات هن: د.نوال السعداوي ـ الإعلامية والناشطة جميلة إسماعيل ـ والناشطتان سلمي سعيد وداليا زياد.
ووضعت صحيفة جارديان البريطانية الدكتورة نوال السعداوي في المركز الـ 16 في قائمة أهم 100 ناشطة نسائية في العالم, وإختارت صحيفة أرابيات بيزنس إسراء عبدالفتاح في قائمة أقوي 100 امرأة في العالم العربي.
كما اختارت مجلة إريبيان بيزنس .. الشهيرة الدكتورة داليا مجاهد المصرية الأصل ومستشارة الرئيس الأمريكي أوباما لشئون العالم الإسلامي.. ثالث شخصية في العالم العربي لعام 2010.. كما منح البرلمان الأوروبي جائزة سخاروف التي يقدمها سنويا لحرية الفكر, وهي من أهم الجوائز العالمية في مجال حقوق الإنسان للناشطة المصرية أسماء محفوظ مع 4 من أبرز نشطاء الربيع العربي .. وأهدت الجمعية الفرنسية الأورومتوسطية .. دكتورة كاميليا صبحي ـ أمين عام المجلس الأعلي للثقافة جائزة وشهادة التمييز النسائي العالمي لعام 2011.
- المشهد السياسي
شهد عام 2011 إقصاء عمديا للمرأة المصرية ليس فقط من المشهد السياسي, ولكن من المشهد المصري بشكل عام, وهذا ما يؤكده تقرير المر كز المصري لحقوق المرأة, حيث رصد تراجع المرأة في هذا العام بدا باقصائها من المناصب القيادية .. فاقتصرت وزارات الثورة علي عدد ضئيل من السيدات فضمت وزارتي دكتور عصام شرف سيدة واحدة, بينما ضمت وزارة الإنقاذ الوطني برئاسة الدكتور كمال الجنزوري ثلاث سيدات, وتم إقصاؤها من منصب المحافظ, ومن لجنة التعديلات الدستورية, وحتي من المناقشات حول تعديل قانون مجلسي الشعب والشوري, وقانون تقسيم الدوائر فلم تشارك فيه النساء سوي بعدد قليل جدا ضمن عشرات الرجال, وألغي قانون مجلسي الشعب والشوري تخصيص 64 مقعدا للمرأة ونص علي أن تتضمن كل قائمة امرأة واحدة علي الأقل, دون تحديد مكانها علي هذه القوائم مما أدي إلي وضعها في مكانة متأخرة لذا لم يتعد عدد الناجحات أصابع اليد, بل لاقت أيضا الناشطات كثيرا من الانتهاكات لحقوقهن الإنسانية, علاوة علي حملات الكراهية التي تطالب بتغيير الأحوال الشخصية, بالإضافة إلي مطالبة التيارات الأصولية بعودة المرأة إلي المنزل وتقليص مشاركتها في المجتمع متناسين أن هناك 32% من الأسر المصرية تعولها نساء سوف يموتون جوعا, علاوة علي تضرر الاقتصاد المصري لأن المرأة تمثل 23.2% من قوة العمل الرسمي و 70% من قوة العمل في القطاع الهامشي.
- انتخابات ما بعد الثورة
وهذا فضلا عن الصعوبات العديدة التي وجهت المرأة المصرية كمرشحة من بينها اتساع الدوائر وتخلي الأحزاب عنها, حيث وضعت النساء في ذيل القوائم الانتخابية وإلغاء قانون الكوتة وفقدان المرأة فيها لـ64 مقعدا في البرلمان بالرغم من الإبقاء علي كوتة العمال والفلاحين .. أما إجمالي النساء المرشحات في انتخابات مجلس الشعب الحالية علي المراحل الثلاث فبلغ 984 مرشحة من إجمالي 8415 مرشحا ومرشحة علي المقاعد الفردية ـ 4847 مرشحا ومرشحة و 633 مرشحة علي القوائم الحزبية من إجمالي 3566 مرشحا ومرشحة.. وأسفرت نتائج المرحلة الأولي عن فوز ثلاث سيدات فقط بنسبة 1.4% اثنتان منهم علي قائمة حزب الوفد وهما مارجريت عازر في محافظة القاهرة وحنان أبو الغيط في محافظة دمياط, كما فازت مرشحة قائمة الكتلة المصرية في محافظة أسيوط ـ سناء السعيد .. أما المرحلة الثانية ففازت 3 سيدات جميعهن علي القوائم الحزبية وهن عزة محمد إبراهيم الجرف ـ حزب الحرية والعدالة في محافظة الجيزة ـ وماجدة النويشي عن قائمة حزب الوفد ـ رضا عبدالله حزب الحرية والعدالة في الشرقية لتصل بذلك نسبة السيدات في المجلس إلي 1% من إجمالي الأعضاء وعددهم 498 مما يؤكد تراجع المرأة المصرية علي مستوي التمثيل البرلماني علي الأقل في عام 2010 حيث كانت نسبة النساء به طبقا للاتحاد البرلماني العالمي 12.8%.
- المرأة في الأحزاب
بلغ عدد الأحزاب المصرية بعد الثورة إلي ما يقرب من 50 حزبا جديدا, ومع ذلك لم يختلف وضع المرأة داخل هذه الأحزاب كثيرا عن وضعها قبل الثورة, حيث أهملت معظم الأحزاب النص علي عدم التمييز ضد المرأة, ولم يتم إدماجها في المكونات الأساسية للحزب باستثناء حزب واحد, علاوة علي عدم وجود تنظيم أمانات المرأة في الأحزاب, ولا توجد أي مؤشرات كمية ونوعية لقياس نسبة عضوية النساء في كل حزب, ونسبة شغل النساء للمراكز القيادية في الأحزاب, يمتلك حزب واحد فقط هو حزب مصر الثورة قاعدة بيانات متكاملة عن عدد النساء في الهيئة العليا واللجان والأعضاء المؤسسين,.
أما الأحزاب النسائية التي تكونت بعد الثورة, فهي حزب المرأة الجديدة الذي أعلنته الكاتبة والباحثة الاجتماعية ريم أبو عيد وحزب الحرية والانتماء الذي أعلنته المحامية والناشطة السياسية هالة طوبار وحزب الحق المصري الذي أسسته نرمين محمد عبدالرحمن, بالإضافة إلي حزب شباب مصر الجمهوري .. الذي ترأسه مشيرة غالي إحدي القيادات النسائية وقامت بتأسيسه ناشطات سياسات من الفتيات والنساء مع عدد من الشباب.
- برامج مرشحي الرئاسة
قليل من البرامج الانتخابية لمرشحي الرئاسة المحتملين اهتمت بالمرأة مثل دكتور أيمن نور فهو المرشح الوحيد الذي اهتم بالمرأة, وأكد في تصريحاته للإعلام أنه مؤمن بها ولا غد من دونها, بينما يعيد حازم صلاح أبوإسماعيل المرأة في برنامجه الانتخابي إلي القرون الوسطي, بتأكيده أن عمل المرأة هو السبب في الانحرافات الموجودة في العالم مطالبا عودتها للمنزل.. أما المستشار هشام البسطويسي فيؤمن بحق المرأة في المشاركة الكاملة في مختلف ميادين العالم, ولم يحدد عمرو موسي برنامجا خاصا للمرأة لديه ولم يضع رؤية لها, ولم يقدم أي من المرشحين الآخرين .. أي شيء حول المرأة وهم دكتور محمد البرادعي ـ حمدين صبحي ـ أحمد الجويلي ـ الفريق مجدي حتاتة ـ واكتفي محمد سليم العوا بالحديث في تصريحاته عن رأيه في مشاركة المرأة المجتمعية, في المقابل أعلنت بثينة كامل رفضها لتهميش دور المرأة عقب الثورة.
وأكدت أن ترشحها للرئاسة يؤكد حق المرأة في تولي هذا المنصب, ومع ذلك ثارت عاصفة من الانتقادات للمرأة عندما أعلنت عدد من المصريات ترشحهن لانتخابات الرئاسة المقبلة بدعوي أنها لا تصلح لتولي هذا المنصب, وهذا يؤكد استمرار الثقافة المجتمعية المناهضة للمرأة في المناصب القيادية, فلم تكن الكفاءة هي المعيار, وإنما كان الهجوم بسبب أنها امرأة رغم تاريخهن السياسي والحقوقي ومنهن الأديبة أنس الوجود عليوة ـ داليا زيادة.
- المرأة في العمل
ومن الإقصاء إلي انتقاص حق المرأة في العمل, حيث وافقت وزارة العدل بالمأ مبدئي علي طلب تعديل لائحة المأذونين, وهناك مواد قيد الدراسة منها قصر العمل البمأذونية علي الرجال دون السيدات, وهذا يعد تمييزا ضد المرأة بما يخالف الإعلان الدستوري القانوني, كما تم تجميد عمل لجان تكافؤ الفرص في جميع وزارات مصر وهي اللجنة المعنية بالتحقيق في وقائع التمييز ضد المرأة في مجال العمل وتولي المناصب.. علاوة علي صعوبة تحركات المرأة العاملة في الشارع بعد الخلل الأمني الذي يعاني منه الجميع وانتشار الجرائم والعنف ضد المرأة ومنه التحرش الجنسي والاغتصاب وكشف دراسة ميدانية حديثة عن مركز الإسكندرية لصحة وتنمية المرأة أن 75% من السيدات تعرضن للعنف من الأزواج ـ 41% منهن يتعرضن للعنف الجسدي من غير الأزواج و 43% من العينة أكدت أن سبب العنف انتشار بعض المفاهيم الدينية الخاطئة مثل النساء ناقصات عقل ودين وحق الرجل في تأديبها, بالإضافة إلي الموروث الثقافي السائد ونظرة المجتمع للمرأة بنظرة دونية, فهذا ما تم إثباته في مسيرة المرأة يوم 9 من أكتوبر 2011 بميدان التحرير, حيث تعرضت الناشطات للمعاملة المهينة والكثير من أنواع التحرش بهن.
- قيادات نسائية
رؤية بعض قيادات مصر النسائية لوضع نساء مصر تتفق مع التقرير الذي أعده المركز المصري لحقوق المرأة, ولكنها متفائلة ومنهن الدكتورة مني مكرم عبيد ـ أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية وعضو المجلس الشعب الأسبق حيث تري أن عام 2011 بمشاركة المرأة علي مدار العام رغم كل التحديات, فبدأته بالوقوف في الصفوف الأولي لثورة 25 من يناير.. كصحفية وطبيبة وربة بيت علي مدار 18 يوما وفي يوم 19 من مارس 2011 خرجن بحماس ليوضحن التصميم علي بناء مصر الجديدة مع الرجل, رغم تهميشها في لجنة التعديل الدستوري دون مبرر, لان مصر لديها خبيرات في الشئون الدستورية والقانونية, ومع ذلك لم تستسلم المرأة المصرية أمام الهجمة الشرسة لانتزاع حقوقها بحجة ارتباطها بالعهد السابق, برغم أن كل مكتسبات المرأة جاءت بعد سنوات من صمودها ونضالها طوال تلك السنوات, حتي أنهت كفاحها في هذا العام بخروجها في مسيرة عظيمة شارك فيها أكثر من 3 آلاف امرأة يطالبن بكرامتهن والحفاظ علي حقوقهن وصيانة كرامة جميع نساء مصر فكان ذلك حدثا نادرا في العالم العربي, وهذا يبشر باستمرار نضال المرأة المصرية في عام 2012 بقوة دون أدني استسلام لأي تيار يرجعها عن تقدمها أو يسلب حق من حقوقها.
أما الأستاذة ابتسام حبيب المحامية وعضو مجلسي الشعب وحقوق الإنسان الأسبق فتقول: تراجعت المشاركة السياسية للمرأة بعد الثورة وهذا واضح برغم تحقيقها الكثير من النجاحات علي المستويين الدولي والمحلي, وأخشي أن تفتقد ما كنا نطالب به من تشريعات في قضايا عديدة مثل العنف ضد المرأة, التحرش, الحرمان من التعليم, زواج القاصرات, عمالة الأطفال, ختان الاناث, الاتجار بالبشر والتمكين الاقتصادي للمرأة فليس من المصلحة العامة لمصر فقد قوة منتجة وقاعدة اجتماعية كبيرة هي المرأة, فمن الخزي أن يصبح تمثيل المرأة المصرية في البرلمان 2% تقريبا, وإذا قارنا ذلك مع أفغانستان لوجدنا المرأة هناك تمثل 52% في البرلمان, بل شاركت المرأة الأفغانية في وضع دستور أفغانستان.
ومع ذلك تتفاءل ابتسام حبيب بعام 2012 قائلة: من يتوهم أن المرأة المصرية سوف تستسلم للواقع وللضغوط فهذا ضرب من المستحيل لأنه لاعودة إلي الخلف مهما تكن التحديات, ونتساءل كيف لثورة قامت لرفع الظلم والقهر أن تنجح بتوقيع نفس القهر والظلم علي نصف المجتمع وهي المرأة, وطالبت ابتسام حبيب المرأة المصرية في العام الجديد بخطوات قوية وتنفيذية مثل ضرورية إعادة إحياء دور المجلس القومي للمرأة بإعادة هيكلته ليستمر في دعم قضايا المرأة, وتنشيط الجمعيات الأهلية الراعية لحقوق المرأة, لأن هذه المؤسسات هي ملك لنساء مصر وليس لنظام سابق, كما طالبت الإعلام بإظهار الكوادر النسائية ونجاحاتها لتغيير الثقافة الموروثة لدي البعض واكتساب النساء ثقة الجميع وعدم الاستسلام لدعوات العودة للمنزل.