الشعور الغالب أن ما يناله أبناؤنا في التعليم لا يتفق مع تطور النظم العالمية في هذا المجال, فبحسب تقرير منتدي دافوس الاقتصادي فإن مصر تحتل رقم 129 بين 134 دولة من حيث جودة التعليم, أما تقديرات مجلة الإيكونوميست فتؤكد أن التعليم في مصر يتساوي مع مستوي التعليم في كوريا عام 1960 ومع التعليم في تركيا في الثمانينيات ومع التعليم في أوروبا ولكن في نهاية القرن التاسع عشر!.
وانخفاض مستوي التعليم لا يحتاج إلي مؤشرات دولية للتأكيد عليه فهو أمر يلمسه كل بيت ولا يقتصر فقط علي الدراسة في المدارس الحكومية وإنما يمتد إلي التعليم الخاص الذي لا يشكل سوي 8% من إجمالي التعليم في مصر, ورغم أن أولياء الأمور يتكبدون فيه مبالغ ضخمة فإنهم كذلك يسهمون بنسبة لا يستهان بها في الملياري جنيه اللذين تدفعهما الأسر المصرية للدروس الخصوصية كل عام ,
ولكن المحصلة النهائية للأسف هي مجرد شهادة يحصل عليها الأبناء وليس لها أي قيمة علي المستوي الدولي اللهم إلا من قرر أن يحصل علي الشهادة الإنجليزية أو الأمريكية, وميزانية التربية والتعليم تشكل حاليا حوالي 8% من الموازنة أي حوالي 38 مليار جنيه, وإذا علمنا أن حوالي 87% من تلك الميزانية يذهب إلي رواتب المدرسين فإننا سنكون علي يقين أن الـ13% الباقية في الميزانية لا يمكن أن تكفي لمجرد الحفاظ علي المستوي الحالي للتعليم ناهيك طبعا عن تطويره.
وقد يقول البعض إذا كان الأمر كذلك فلماذا كل هذه المظاهرات التي يقوم بها المدرسون ولماذا يهددون بتعليق بدء الموسم الدراسي في الوقت الذي يذهب فيه جل الميزانية لهم؟ والإجابة ببساطة هي أن عدد المدرسين في وزارة التربية والتعليم يبلغ مليونا و200 ألف وبالتالي حتي وإن حصلوا علي أغلب الميزانية فإنهم يتقاضون راتبا ضعيفا لا يتفق مع الجهد الذي يبذله المدرس ولا يوفر له حياة كريمة.
والمعضلة الكبري التي تواجه وزارة التربية والتعليم أن عدد المدرسين الفعلي في الوزارة يكاد يكون ضعف المعدلات العالمية وهي مدرس لكل 25 طالبا ولكن بحسب عدد المدرسين في مصر فإنه من المفترض وحسب لغة الإحصاء أن هناك مدرسا لكل 12 طالبا ولكن بلغة الواقع فإننا سنجد أن الفصول يوجد بها 60 و70 طالبا, بل إن هناك عجزا في مدرسي بعض المواد وإذا بحثت عن السبب في خلل تلك المعادلة تجد أن الوساطة والمحسوبية وعدم وجود قواعد صارمة في التعيين للمدرسين علي مدار السنين جعلت هناك تكدسا في بعض التخصصات ونقصا كبيرا في غيرها, وهي مشكلة تحتاج بلاشك إلي الاستعانة بالخبرات الدولية لحلها.
وبحسب مشروع النهضة للرئيس مرسي فإنه كان من المفترض زيادة ميزانية التربية والتعليم لتصل إلي 20% من ميزانية الدولة ورغم أنني علي قناعة أن هذا لن يكفي لعمل نهضة حقيقية في التعليم, فبحسب التجارب العالمية تؤكد أن دولة ككوريا قامت بتخصيص الجزء الأكبر من موازنتها للتعليم لتنهض به خلال سنوات وكذلك تفعل الهند الآن, ولكن وعود الرئيس في برنامجه الانتخابي لم تتحقق للتعليم حتي الآن,
وهو ما يدفعنا للتساؤل عن السبب في ذلك وإذا كانت هناك نيات لتطبيق ذلك في الميزانية المقبلة فلماذا لا يتم الإعلان عنها الآن لوضع خطط وتصورات لعمل تلك النهضة؟ ولماذا لا تتم الاستعانة بالخبرات المصرية الدولية في مجال التعليم وفي مقدمتهم الدكتور فاروق الباز الذي استعانت به قطر لتطوير تعليمها وأذكر أنه عندما كان يشرح لي تجربته في هذا المجال كان حزينا جدا علي أن اختيار المدرسين المصريين هناك تضاءل بشكل كبير وصاروا يفضلون المدرسين من جنسيات أخري لارتفاع مستواهم التعليمي عن المصريين وهو مؤشر خطير يعكس ما وصلت إليه الحالة التعليمية في مصر, التعليم يحتاج إلي وقفة جادة ولو قرر الرئيس المصري أن يجعله قضيته الأولي فسيجد كل المصريين وراءه, وسؤالي وسؤال كل أولياء الأمور لماذا لم يتم هذا حتي الآن أم أن لدينا إصرارا علي أن يستمر التعليم لدينا بطريقة القرن التاسع عشر في أوروبا؟!
- نور الكلمات
{ العلم والعمل قريبان.. فلتكن عالما بالله.. عاملا له. عمر بن عبدالعزيز
{ ليس هدف التعليم هو إعداد رجال يستطيعون شق طريقهم في الحياة بنجاح فحسب, وإنما هدفه أيضا أن نمكنهم من الصمود أمام الفشل والتغلب علي مصاعب الحياة. وليام جيمس
نقلا عن مجلة نصف الدنيا