تفرض الثقافة الاجتماعية نمطا معينا لـ «بانوراما» العلاقات المتبادلة والمتشابكة بين أفراد الأسرة الواحدة، ولا سيما بين الوالدين والأبناء، ويحتفظ كل نمط بخصوصيته التي تميزه، وبالتالي تتشكل علاقة الأبناء بالوالدين وفق الأطر التي تحدد معالم هذه العلاقة، فمع تقدم الأبناء في العمر يكتشف أحد الوالدين أن علاقته بابنه أو ابنته، قد انهارت فيها معايير الود والثقة والتفاهم الإيجابي التي تنشأ في الأساس نتيجة الإحساس بالأمان مع الأب أو الأم. فالفتاة في جميع مراحلها العمرية تتأثر بوالدتها، وتحاكيها في كل شيء، وتعتبرها مرجعيتها الأولى في جميع شؤون حياتها، وخصوصياتها، وفي مرحلة المراهقة بوجه خاص نظراً لحساسيتها، وطبيعتها الخاصة والحرجة، وكثيراً ما تكون هذه العلاقة حذرة، ومتوازنة، وتدرك الأم خطورة هذه المرحلة التي تمر بها الفتاة دون أن تشعرها بذلك أو تسبب لها أي توتر، أو عناء، أو انحراف عن الطريق الصحيح.
توضح الأخصائية النفسية سوسن حلاوي، حقيقة هذه العلاقة، وتقول: «علاقة الفتاة بأمها شديدة الخصوصية، فالأمر ذاته لا يقل أهمية بالنسبة للمراهق الفتى، وحاجته الشديدة إلى أب قدوة، يفهمه، ويتفهم دوافعه وحاجاته وانفعالاته، ونجاح المراهق في اجتياز هذه الفترة بسلام وتوافق يتوقف إلى حد كبير على علاقته بوالده في هذه الفترة. من المهم التأكيد على استقلالية الابنة ونموها وتطور إمكانياتها وقدراتها وهواياتها في مختلف المجالات الإيجابية، فالحياة متغيرة باستمرار وتحتاج الابنة إلى قدرات متنوعة كي تستطيع مواجهة حياتها ومسؤولياتها بشكل ناجح. والأم المتوازنة الحكيمة تستطيع أن تشجع ابنتها باستمرار وتحاول أن تأخذ بيدها إلى ما فيه صالحها، ويمكنها أن تفرح وتسعد لتفوق ابنتها وتميزها في قدراتها المختلفة دون أن يكون ذلك تحدياً لكيانها وقيمتها. وأحياناً يحدث العكس الأم التي كانت مهملة وهي فتاة إذا كان بناؤها النفسي سليماً فتجدها تعطي حناناً بكثرة وتعوض في بناتها ما افتقدته وهي صغيرة. ويمكن أن يكون السبب الأكبر هو افتقاد الثقافة التربوية فنجد الأم متعلمة تعليماً عالياً ولا تعرف أي شيء عن أصول التربية والتعامل مع الأبناء. فالأم لم تعد تجد عند ابنتها وقتاً لتنقل ما لديها من خبرات ومعارف، لأن البنت مشغولة بالتعليم والمذاكرة حتى تتزوج وبعد فترة تصبح أماً لا تعلم شيئاً عن أصول التربية ولا إدارة المنزل، ومن ثم لا تعلم شيئاً عن فترة المراهقة وخطورتها».
الأساليب القهرية
تضيف حلاوي: «هناك من الأمهات من يتعاملن مع بناتهن بأسلوب محدد يتكرر فيه النقد واللوم وتطالب فيه الابنة باتباع طرق محددة في السلوك والتفكير دون مراعاة لشخصيتها وميولها وطموحاتها ورغباتها الخاصة بها، وتكثر إحباطات الابنة وغضبها وقلقها، وفي كثير من الأحيان تستسلم وتتكرر في أساليبها وتصرفاتها ملامح من أمها، ولو أنها غير راضية عن ذلك، وفي حالات أخرى يحدث التمرد والعصيان والصراع مع سلطة الأم، مما يؤدي إلى مشكلات متنوعة، ومما لاشك فيه أن العلاقة بين الأم وابنتها علاقة معقدة وتتضمن عدة مستويات، ومنها الدور التربوي المرسوم من خلال القيم الاجتماعية وهو ما تؤكد عليه معظم الأمهات. إلا أن هناك دوراً مهماً يتمثل في أحد جوانبه الأساليب القهرية الذي تعرضت لها الأم نفسها عندما كانت صغيرة، والذي يشبه مسلسل «الحماة»من حيث العلاقة السلبية والمشاعر المتناقضة والذي يؤدي إلى مشكلات اجتماعية ونفسية ومتعددة. فالأبناء بشكل عام في حاجة ماسة إلى المحبة، باعتبارها من الاحتياجات الأساسية والمهمة، وغياب وفقدان المحبة، والحنان، من شأنه أن يسبب كثيراً من الاضطرابات السلوكية والنفسية. وإذا كانت مشاعر الحب هذه فائضة وزائدة لدى الطرفين «الأب أو الأم»، من الطبيعي أن يقابلها تعلق وارتباط زائد من الطرف الآخر «الأبناء، ولكن لا يعني ذلك أن هناك خللا في نفس أحد الوالدين، ولكن في كيفية التعبير عن حبه، في الوقت الذي يكون من الضروري الاعتماد على أسلحة أو وسائل أخرى تتسم بالحزم والشدة إن لزم الأمر، وعند الحاجة وتضيف: علينا أن نتفهم إقبال كثير من الآباء إلى بناتهم بدرجة أوفر مقارنة بإخوانهن الذكور، ربما لإحساس الأب بحاجة ابنته إلى المزيد من الرقة والحنان في التعامل باعتبارها أنثى، أو لطبيعة الإناث التي تميل إلى الهدوء والطاعة والخجل والحياء مقارنة بالذكور».