إذا كان الطلاق نهاية العلاقة الزوجية فإنه لا يأتي فجأة بل تسبقه مقدمات وأعراض وأسباب تشير الي أن هذا الزواج الذي دام بين الزوجين علي العشرة الطيبة ورعاية الأطفال والمشاركة في الحلوة والمرة والكفاح لبناء بيت جديد ينهار
لكن الباحثين يحاولون تحليل المقدمات والأعراض التي تؤدي إلي انهيار الزواج وتقديم روشتة تصف الأعراض التي تسبق الطلاق.
يذكر د.صالح سلامة استاذ مساعد بكلية التربية والذي قام بدراسة تحليلية لمشكلات العشرات من الأزواج والتي انتهت بالانفصال أو الطلاق الرسمي توصل إلي أن هناك عدة أعراض تسبق الطلاق وانهيار العلاقة الزوجية ويمكن تقسيمها إلي عدة مراحل:
المرحلة الأولي: النقد الدائم: وهو علامة التحذير المبكرة بأن العلاقة الزوجية مهددة بالخطر والنقد المدمر هنا هو الذي يمارس علي الذات وشخصية الزوج أو الزوجة فلا يكون محددا ولا يقدم فيه الزوج أو الزوجة أي حل في أثناء عملية النقد وينسي الزوجان التعاطف والمشاعر بينهما فيقومان بالنقد اللاذع لبعضهما دون النظر إلي عواقب ذلك وفي العلاقة الصحية بين الزوجين يشعران بحرية التعبير عن أي شكوي وعدم توجيه النقد بدون ضوابط .
المرحلة الثانية: التفسير السلبي للآخر: (أي سيطرة الأفكار المسمومة علي العلاقة الزوجية) يتمثل في عدم التماس الأعذار للأخطاء التي تحصل أثناء العلاقة ويعتبر سيطرة التفسير السلبي علي العلاقة أحد الأسباب الرئيسية في تدمير العلاقة الزوجية من خلال اعتقاد الطرفين أو طرف واحد في العلاقة الزوجية بأن الآخر يحمل له النيات العدائية يساهم في دخول الريبة والشك في العلاقة وبالتالي فقد الثقة وعدم التماس الأعذار والحكم المسبق علي العلاقة بأنها في مرحلة الخطر الحقيقي. يقول تعالي (إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا) إن إحسان الظن يؤدي إلي الثقة المؤدية إلي الراحة والسعادة, وقد يكون أحد الأشياء الأساسية الناتجة عن تفسير سلبي للغيرة غير المبررة وبالتالي سيطرة الأفكار المسمومة علي حياة الأسرة وبالتالي يعيش الطرفان في حزن ونكد دائمين. ومن الآثار الجانبية للأفكار المسمومة غير المتسامحة التي تسيطر علي حياة الزوجين آثار نفسية ذات مظهر جسمي ومنها : – الشعور بآلام الرأس والصداع – آلام الرقبة والظهر …. – آلام المعدة كالقرحة …. الاكتئاب والوهن والإحساس بقلة النشاط …. – القلق والأرق – الانفعال وشدة التوتر وما يصاحبه من سوء سلوك وتشوش إدراك … – الشعور بالتعاسة.
إن سيطرة التفسير السلبي والأفكار المسمومة علي العلاقة الزوجية ينتج مشاعر بالرغبة في الانتقام والأخذ بالثأر كعلاج للأذي والاهانة محفوف بالكثير من الأعراض الجانبية التأثير والتي قد لا نقوي علي تحمل تبعاتها . المرحلة الثالثة: التحقير والاستهزاء والسخرية: من الطرف الآخر ويأتي هذا في صورة هجوم ضد الشخص ذاته وليس ضد الفعل الذي قام به. إن التحقير والاستهزاء لهما وقع مدمر إلي أقصي حد علي العلاقة الزوجية فعندما يقول الرجل ( للمرأة يا عديمة التربية أو يا قليلة الأصل.) فإن هذا التحقير يولد الحقد المؤدي إلي الانتقام بصور مختلفة وما اكثر ما يحدث هذا في حياتنا الاسرية فهناك صور من التحقير يندي لها الجبين تمارس بشكل يومي في أسرنا.
- الضرب مؤشر أكيد للطلاق
ويعتبر الضرب من أعلي درجات الاحتقار والإهانة فهو يعرض الزوجة لسلسلة من المشاكل الصحية. بداية من تكرار إصابتها بالبرد والأنفلونزا إلي تعدد مرات التبول ومختلف الالتهابات. فعندما يعبر وجه الزوج أو الزوجة عن مشاعر الاشمئزاز والقرف تجاه الآخر وهذا السلوك هو ابن عم الاحتقار أربع مرات في محادثة تستغرق 15 دقيقة بينهما فإن هذا علامة علي احتمال الانفصال خلال مدة قصيرة جدا, إن سلوك الضرب شائع وبشكل كبير في حياتنا والتقارير تنذر بالاخطار الكبيرة في هذا المجال أنه أحد الأسباب الرئيسة التي تسبب الطلاق الضرب وهو في النهاية سلوك العاجز.
المرحلة الرابعة: تصعيد الخلاف وإعطاؤه حجما أكبر مما يستحق: والتصعيد يحمل لغة التهديد ويشكل خطرا أكبر فيما يتعلق بالطريق المؤدي إلي الطلاق, إن النقد والتحقير يؤديان بطبيعة الحال إلي هجوم يجعل الطرف المتلقي في حالة دفاع, أو علي استعداد بدوره إلي شن هجوم مضاد, فالمسائل الصغيرة تصبح معارك كبيرة وكل المشاكل مستحيل علاجها. ويمكن لنا الإشارة إلي أن كل واحد منا معرض للإساءة فقد تسيطر علينا مشاعر الغضب والغيظ من مصدر الإهانة وتمتلئ صدورنا بالغل والغضب و الرغبة في الانتقام, وقد لا يتناسب وحجم الإساءة التي تعرضنا لها (نكيل الصاع صاعين) إن مشاعر الرغبة في الانتقام والتفكير في ذلك يسرقان منا أوقاتا ثمينة ويخطفان أجمل لحظات حياتنا التي يمكن أن نغتنمها ونتمتع بها دون إحساس بحسرة أو تأوه ورغبة انتقام. مما ينعكس علي سلوكنا وتصرفاتنا وإدراكنا الذي يعيق متطلبات حياتنا اليومية ويعد مؤشرا خطيرا علي تدني مستوي الصحة النفسية لدينا , بل قد يعرضنا إلي اضطرابات انفعالية نفسية وتوتر وقلق وحسد بحيث يكون من الشدة ما يجعل الرؤيا ضبابية لدينا وبالتالي ينعكس أعراضا جسيمة نعاني منها . كيف نواجه هذه الأزمات وما يترتب عليها من ضغوط نفسية وأعراض جسمية لنحافظ علي الحد الأدني من الصحة النفسية اللازمة لمواصلة مشوار الحياة؟ ولعل من أهم النصائح في هذا الصدد أن نتسامح مع أنفسنا أولا ومع الآخرين لكي ننعم بالحياة ونرضي عن أنفسنا في الدنيا ويرضي الله عنا في الآخرة. وتأتي أهمية هذه الوصفة النفسية الربانية في قدرتها علي خفض التوتر والحقد والحسد ومدي تأثيرها علي أنفسنا وعلي الآخرين وعلاقاتنا المتبادلة معهم.
المرحلة الخامسة: الانسحاب السلبي نفسيا وجسميا من الحياة الزوجية: ويتمثل هذا في الهروب وتجنب العراك وهو أسلوب لمواجهة الهجوم وهذا البديل يعتبر أكثر إيلاما خصوصا إذا كان الهروب يمثل تراجعا خاليا من التعبير (الهجر في الفراش, والنوم خارج المنزل, وجلوس المرأة عند أهلها) ويعتبر تجميد المناقشة أقصي صور الدفاع السلبي رغم الحاجة الي التواصل في هذه اللحظات, إذ يوجه الطرف الذي جمد المناقشة رسالة قوية غير عصبية تعبر عن (التباعد, التعالي, النفور, والاشمئزاز, والاحتقار, والشماتة) ويعتبر 75% من الرجال هم الطرف الذي يبني عائقا أمام المناقشة ويتجرد تماما من أي تعبير كرد فعل علي سلوك الزوجة, رغم أن الزوجة وهي في قمة الغضب بحاجة إلي التواصل وتطلب ذلك لأن ذلك بالنسبة إليها احترام وتقدير.
ينتج مما سبق ممارسة الحياة بطريقة متوازية -( السير بخط مستقيم الذي لا يمكن التقاء في نهايته ) حيث يعيش كل من الزوجين في عزلة عن الآخر (وجدانيا وجسديا ونفسيا) ويشعر بالواحدة رغم أنهما يعيشان في بيت واحد.
النتيجة النهائية: الانفصال (طفح الكيل) يصل الزوجان إلي قناعة أن حياتهما لا يمكن الاستمرار فيها ويتنازلان عن أهداف المستقبل وما يترتب علي ذلك من تبعات تخص الأطفال والألم النفسي.