كان من الممكن أن يعيد المصمم الفرنسي جون بول جوتييه إثارة الجدل حول هوس الموضة بمقاس صفر وتجاهلها للمقاسات الكبيرة، وبالتالي يكون حديث الأوساط، لا سيما أنها لن تكون المرة الأولى التي يستعين بها بعارضات ممتلئات.
وحسب ما كتب في بطاقة الدعوة ومشاركة مغنية فريق «جوسيب» بيث ديتو في عرضه هذا ما تبادر للأذهان للحظات، لأن ما حصل غير ما كان متوقعا، واستعانته بالمغنية البدينة كان للتشويق وتحريك مياه كادت أن تكون شبه راكدة في عرضه لولا حضورها.
لهذا غني عن القول أن بيث ديتو بحجمها الضخم، كانت نجمة عرضه وغطت بوجودها وديناميكيتها حتى على الأزياء.
افتتحت العرض بفستان مقطع بالليزر باللون الفضي، ساد الاعتقاد أنه سيكون بداية مجموعة خاصة جدا، يعلن فيها المصمم الفرنسي أنه انتقل من مقاس صفر إلى مقاس الـ20 وما فوق، لكن ما إن توارت عن الأنظار حتى أطلت عارضات نحيفات بمقاسات لا علاقة لها بالوزن الثقيل.
كانت هناك عارضة أخرى بمقاس يقدر بـ14، لكنها كانت يتيمة، مما يجعل الواحد يفكر ما إذا كانت هناك فعلا حاجة للاستعانة بها.
الدعوة إلى العرض كانت أيضا مشوقة، إذ تضمنت نظارات ثلاثية الأبعاد من ورق، كان استعمالها ضروريا في العرض للتمعن والاستمتاع بتفاصيل النقوشات المتضاربة على الحرير التي ظهر بها السرب الأول من العارضات.
جون بول جوتييه أيضا أخذ إيحاءات من الروك آند رول وأسلوب البانكس التي كانت قوية في الكثير من العروض طوال الأسبوع، وعلى رأسها عرضا كل من «بالنسياجا» و«بالمان» ولعب عليها، ولو من خلال الشعر المستعار ومكياج العيون والأحذية الضخمة.
الجاكيتات تميزت بأنها قصيرة تغطي الخصر بأكتاف عالية وبارزة مع بنطلونات منسدلة في ترجمة جديدة لسراويل الحريم أو ضيقة جدا.
الحرير لم يكن وحده البطل هنا، فقماش الدينم أيضا ظهر في الجاكيتات، على وجه الخصوص، التي حاك أكتافها بخيوط واضحة بالأحمر والأبيض ونسقها مع بنطلونات ضيقة جدا لن يمكن لمثيلات بيث ديتو حتى التفكير فيها، فيما تم تنسيق بعض قطع الجينز بقطع من الدانتيل الأسود.
ماركته المسجلة المتمثلة في الكورسيه لم تغب، كذلك عشقه لإيحاءات البحارة التي ظهرت من خلال خطوط مقلمة ظهرت هذه المرة في سراويل حريم أو كنزات قصيرة وخفيفة بالأحمر والأزرق.
بعد العرض شرح المصمم أن ما يهمه كان إبراز شخصية المرأة من خلال الأزياء، مشيرا إلى أن المقاس لا يهم، خصوصا وأن البليسيهات التي أسهب فيها هذه المرة، يمكن لأي امرأة بغض النظر عن مقاسها ومقاييسها أن تلبسها.
كما افتتحت العرض وأنهته بيث ديتو لكن هذه المرة في جوارب مخرمة وشورت قصير فوقهما فستان قصير من التول مطبوع بالورود، وهي تغني لتزيد من حيوية العرض وتبرر حضورها، ومع كذلك لا يمكن القول إن هذا أفضل ما قدم شقي الموضة الفرنسي، إذ لم تكن هناك قطع بالمفهوم الجديد، أسلوبا أو أفكارا، بل مجرد إعادة واجترار لما قدمه في السابق من دون أن يتخلى عن أسلوبه الشقي المفعم بالحيوية والطاقة الذي يعتبر نقطة قوته.
ضعفه ربما يعود إلى النقوشات المدوية التي استعملها في بداية العرض وبدت مقحمة وليس لها مكان مبرر سوى أنها امتداد لما قدمه في الموسم الماضي أو ذكرى لرحلته التي قام بها إلى المكسيك.
كما أن الورود التي طبعت بعضها الآخر لم تضف على أسلوب البانكس نعومة أو تناغما، بل العكس جعلت المظهر يبدو غريبا.
ربما يكون السبب أنه ركز كل جهده في هذا الموسم على آخر تشكيلة سيقدمها لدار «هيرميس» يوم الأربعاء المقبل. فهو سيغادر الدار الفرنسية العريقة بعد عدة سنوات من الإبداع، مسلما المشعل للمصمم كريستوف لومير، وليس ببعيد أنه يرغب في أن يتركها مخلفا أصداء قوية تليق باسمه وتنعكس عليه وعلى ماركته، أو هذا على الأقل ما يأمل معظم محبيه.
إذا كان الروك أند رول وأسلوب البانكس الذي تكرر في الكثير من العروض قد طبع عرض جون بول جوتييه، فإن التلاعب بمفهوم الأنوثة والذكورة هو الذي تكرر إلى حد ما، في عرض الثنائي فكتور آند رولف.
كانت هناك الكثير من القمصان الواسعة المستوحاة من قمصان الرجل والأكتاف الكبيرة التي تأخذنا إلى حقبة الثمانينات.
وكعادتهما، عادا إلى أسلوبهما في إعطاء القطعة الواحدة عدة أشكال ووظائف، إذ سرعان ما تغيرت القمصان إلى فساتين كوكتيل قصيرة نسقاها مع «شورتات» قصيرة أو بنطلونات تغطي نصف الساق لكن واسعة جدا.
توالت القطع المبتكرة مثل قميص يبدو من الأمام قصيرا إلى حد الخصر لكن يطول من الخلف ليصل إلى الكاحل فضلا عن قطع أخرى كانت فيها الأكتاف وأحجامها الضخمة هي البطل، علما أنه سيتعذر على صاحبتها الدخول من أي باب عادي لضيقه عليها.
كانت هناك أيضا مجموعة من فساتين الكوكتيل باللون الأبيض تأخذ شكل فساتين زفاف كونها من الدانتيل والحرير وهي التي أنهيا بها عرضهما المثير.
أما الفرنسية المخضرمة سونيا ريكييل، فقد قدمت عرسا راقصا على إيقاعات شابة وسعيدة. إذا كان هناك مأخذ واحد على عرضها، فهو بلا شك ليس من فعلها، بل يعود إلى ارتفاع درجات الحرارة الذي وصل درجة لا تطاق في القاعة المنصوبة في جسر ألكسندر 3 القريب من «لوغران باليه» الذي أصبح بيت فيدرالية الموضة الفرنسية لهذا الموسم.
وفي الكثير من اللحظات كان من الصعب التفريق ما إذا كانت الحرارة المنبعثة من الجسم هي بسبب القاعة المغلقة والمكتظة فضلا عن الإضاءة القوية المسلطة على الرؤوس، أم لأن الأزياء كانت تزيد من تسارع دقات القلب.
كان كل ما فيها حيويا ينبض بالفرح وشقاوة البنات، سواء من حيث التصميمات أو ألوان قوس قزح. الألوان تباينت بين المرجاني والأصفر والأزرق والوردي والتصميمات أكدت أن الدار حققت نقلة نوعية فيما يخص الصوف، الذي يعتبر البصمة الوراثية للدار.
فسونيا ريكييل مشهورة بلقب «ملكة الصوف» منذ أكثر من 4 عقود، وتعرف كيف تجعله خفيفا مثل الحرير، منعشا مثل القطن، خصوصا أن الموسمين اللذين تتوجه إليهما هما الربيع والصيف المقبلان.
تهادت العارضات في فساتين طويلة ومنسابة قد تكون كنزات طويلة لكن من دون أكمام فيما جاء بعضها مفتوحا من الكتف إلى الخصر من جوانب الأكمام، وآخر جاء مفتوحا عن الظهر أو مشبوكا بحمالات تشد التنورة إلى الأكتاف.
كما ظهرت فساتين محددة تزينها قطع إضافية وكأنها «باتشوورك» تغطي الصدر فقط أو تمتد من الصدر إلى أسفل الفستان من الوسط لتعطي الانطباع وكأنه مكون من قطعتين أو لونين مختلفين.
لم تخل التشكيلة من إيماءة لحقبة الثمانينات، لكن الإحساس الغالب كان للسبعينات، فهي حيوية مقبلة على الحياة وعلى الجديد، والنتيجة كانت واضحة في إطلالة العارضات اللواتي ظهرن فيها واثقات، سعيدات ومنتعشات، الأمر الذي لا يمكن قوله على أي واحدة من الحضور بالنظر إلى الوجوه التي كانت تتصبب عرقا رغم مراوح اليد وبطاقات الدعوة التي لم تتوقف حركتها على الوجوه.