يعتقد كثير من الآباء أن تربية الضمير لدى أبنائهم يكون عبر سلسلة من النصائح والإرشادات والمواعظ والأوامر والنواهي في ضوء ما يصدر عن الطفل من سلوكيات غير مرغوبة، أو عبر الحزم والشدة والعقاب أو عبر قراءة القصص الهادفة التي تتضمن في عمقها توجيه وتربية الصغار، وغيرها من طرق وأساليب التربية الحديثة، التي قد يجتهد الآباء في تطبيقها، ويعلو الأسى وجوههم عندما يجدون أن الطفل يخرج عن حدود الأدب واللياقة، وأن كل وسائل تعديل السلوك لم تعد تنفع معه، ويعتبرون المسافة الواقعة بين العام السادس وحتى العام الثاني عشر هي مسافة التعب المضني. إنه يتصرف بوقاحة، ويرد على الأم بعنف، أو لا يمتنع عن الكذب لينقذ نفسه، أو يقلب المنزل من النظام إلى الفوضى، ودائماً ما يماطل في تنفيذ ما يطلب منه من أعمال، بل يحاول دائماً أن يثير أعصاب أبويه بتصرفاته وسلوكياته المزعجة، وعندما يتلقى العقاب فإنه سرعان ما ينسى ما عوقب من أجله ويكرر أخطاءه.
لكن في نفس الوقت يندهش الأب والأم عندما يعلمان أن الابن يتصرف في المدرسة بشكل حسن وأنه نشيط، ويحافظ على النظام، فلا يستطيع الوالدان تفسير ما يحدث بالضبط! إن الصغار يحاولون أن تكون لهم «أخلاق من صنع أفكارهم»، وألا تكون هذه الأخلاق من صناعة الكبار. وقد يتساءل الكبار: لماذا يحاول الأبناء أن يبتعدوا بأنفسهم عن عالم الكبار؟.
هذا يعني أن الأولاد لن يستطيعوا أن يضعوا لأنفسهم القواعد اللازمة التي يعتبرونها دستوراً أخلاقياً لهم، دون أن يتركوا للأولاد حرية التعبير عن أنفسهم، وعدم التدخل في كل صغيرة وكبيرة من شؤونهم.
بين العام السادس والعام الثاني عشر نجد تغيراً كبيراً قد حدث. فالأولاد يحاولون الانتباه إلى ضرورة النظام في حياتهم. لكن.. لماذا لا يسأل الآباء والأمهات أنفسهم سؤالاً محدداً.. وهو:
لماذا لا تترك الفرصة للأبناء في أن يعيدوا ترتيب أشيائهم؟. لماذا لا نشجع نحن الفتى أو الفتاة على ممارسة هواية أو اثنتين؟. إن التشجيع الهادئ يُنمّي حب الابن لهذه الهواية. ومن يدري قد يحمل لنا المستقبل موهبة ما في أعماق هذا الابن سببها هذه الهواية، ونفاجأ نحن الكبار بأن الابن ينبهنا إلى كل ما هو خطأ في حياتنا.
والضمير أساس هام في عملية نمو الطفل. إنه يحاول بكل وسيلة أن يستقل عن أسرته. ويحاول أن «يسترضي» السماء في أفعاله. ويتقبل وجود الخالق ككائن أكبر من الجميع بما فيهم أسرته. ويجد الطفل في قواعد الدين ما يؤكد له شخصيته وتبدأ عبادة الله كأساس هام من أسس تكوين الشخصية المستقلة عن الوالدين. وهكذا نجد أن الطفل خلال عامي السادس والثاني عشر، ينمو خلال هذه المرحلة من خلال نمو مشاعر الحب وتعلم قواعد الأخلاق وتنمية القدرة على الضبط الاجتماعي بدءاً من تعلقه بالأم وانتمائه إلى الأب. ثم خروجاً من دائرة الأم والأب إلى عالم الاستقلال الشخصي، والقدرة على إدراك العالم الخارجي. إن دور الأب هنا أن يكون صديقاً للابن يوجهه دون قسوة عند الحاجة إلى التوجيه ويوجهه في قسوة إذا تطلب الأمر ذلك. ويجب أن نتعامل مع الطفل خلال هذه الأعوام الستة على أنه شخصية مستقلة. لأن ذلك ينمي في الطفل الإحساس بالمسؤولية والكرامة ومعرفة الصواب من الخطأ.
إن الرحلة التي يقطعها الطفل في هذه السنوات الست تمر في الظاهر بالتمرد على قوانين الأسرة. لكنه تمرد يحوي في داخله إحساساً بالمسؤولية الاجتماعية. إنه يتدرب على الدور المطلوب منه في المجتمع.. يبحث عن موهبته، وعن إيمانه، ويبحث عن الصداقات التي يرتبط بها. وكلما عاملنا الطفل على أنه كائن مستقل. كلما استجاب لما نتمناه مع المجتمع. وكلما دخلنا معه في مناقشات لا نسيطر فيها بالرأي، لكن نشرح له التجربة، كلما ازدادت صداقته لنا، وكلما ساعدناه في رحلة الاستقلال عنا. لأن الهدف طوال هذه السنوات الست هو أن يكون مستقلاً عنا، وله آلة أو جهاز للضبط الداخلي خاص به وهو الضمير.