انتظر المدعوون وعشاق الأزياء المغربية التقليدية، عرض الأزياء (قفطان 2010)، الفعالية التي تقام كل عام في القاعة الملكية بقصر المؤتمرات بمراكش، بفضول كبير هذه المرة.
فالعرض الذي أصبح المسرح الذي يتيح للمصممين المغاربة وغيرهم، استعراض قدراتهم ومواهبهم على مستوى عالمي، وعد بالاختلاف في دورته الـ14 هذا العام، بعد أن أعلن منظموه أنهم اختاروا «السيرك البوهيمي» كعنوان له.
غني عن القول أن الأمر فتح الباب أمام تكهنات حول ما إذا كان المصممون سيقلدون أزياء السيرك في عروضهم، أم أنه مجرد عنوان واسع لن يمس بأصالة القفطان وعراقته.
مع أول إيقاعات وأول عرض، تنفس الحضور الصعداء، فقد تبين أنهم على موعد مع عرض مخالف للتوقعات، أو بالأحرى للمخاوف، والإبهار اقتصر على الجمال والأناقة ولم يكن صادما.
بعبارة أخرى، لم يخرج القفطان عن المألوف، ولم يؤثر مفهوم «السيرك» عليه سلبيا بل أغناه، حيث كان عبارة عن عروض فنية تخللت فقراته لتشكل استراحة يستجمع فيها الحضور أنفاسهم حتى يتمكنوا من الاستمتاع بتشكيلة أخرى.
بيد أنهم قلما استجمعوا أنفاسهم بالنظر على العروض الفنية التي جعلتهم يتابعون فقراته وهم فاغرو الأفواه، خصوصا أثناء تأدية رواد السيرك لحركات تسلق على حبال من القماش.
تأدية كادت تسرق الأضواء من التصميمات لولا الحرفية العالية التي تميز بها والألوان الزاهية التي اختيرت له، لتسافر بالحضور إلى عوالم ساحرة من الجمال والأنوثة.
كانت فكرة السيرك البوهيمي تعني فتح الباب أمام حرية الابتكار، حسب كمال والي، المدير الفني للعرض ومصمم الرقصات الاستعراضية، وهو جزائري مقيم في فرنسا.
فالموضوع، كما قال، وظف بكثرة في مجال السينما والفن التشكيلي، وفي مجال الموضة على يد مصممين من أمثال جون جاليانو، وجون بول جوتييه، وكريستيان لاكروا سابقا. وأشار كمال إلى أن عرض القفطان له أهمية كبيرة، ويمكن اعتباره واجهة للمغرب على العالم.
تنافس في هذه الدورة 10 مصممين ومصممات، مما أصبغ عليها الكثير من التنوع، وإن كان من الصعب الحديث عن بصمة واحدة أو لافتة تميز كل مصمم على حدة.
فالتصاميم تتشابه إلى حد كبير سواء على مستوى القصات أو اختيار الألوان الفاتحة والمزج بين الألوان المتناقضة. الفروق الواضحة ظهرت فقط في نوعية القماش المستعمل، وكثافة التطريز اليدوي، الذي يمنح الزي قيمة كبيرة وأسلوبا باذخا ومترفا.
المصممة إحسان غيلان، مثلا، اختارت المخمل المشغول بتطريزات يدوية بالمجوهرات المذهبة، فجاءت تصاميمها تشبه أزياء الأميرات الأندلسيات.
أما المصممة أمينة البصيري، فاستلهمت تشكيلتها من الزي التقليدي في الشمال المغربي، وعرضت نماذج من القفطان مصممة على شكل تنورات واسعة ذات تقطيعات دائرية وضعت عليها تطريزات يدوية بارزة، هي أيضا استعملت المخمل بألوان قوية مثل الأخضر والقرمزي.
وتميزت تشكيلة المصممة سهام الهبطي بأقمشة الحرير اللماعة، مما منح أزياءها انسيابية ومرونة وطابعا احتفاليا تفضله المرأة المغربية وتفضله.
وكعادتها كانت الجرأة عنوان تشكيلة المصممة سميرة حدوشي التي تفضل مزج مجموعة خامات متنوعة من الأقمشة في الزي الواحد، تشكل منها قطعة على شكل لوحة فنية مبهرة.
وقالت بعد عرضها: «السيرك البوهيمي فكرة لا يمكن استيعابها إلا من طرف المصممين الذين يملكون حسا فنيا رفيعا، لهذا قمت بكثير من الأبحاث حول هذا الموضوع، لأبرز بصمتي وتصوري الخاص لهذه الفكرة من خلال التشكيلة التي قدمتها».
أما أهم ما يثير الانتباه في تشكيلة المصمم قاسم الساهل، فهو استعماله لأحزمة معدنية عريضة جدا ملفوفة على الخصر، واختياره للأقمشة اللامعة في معظم قفاطينه في حين فضل التطريز الخفيف.
من جهته، ابتعد المصمم روميو، عن التصاميم التقليدية في تشكيلته، وقدم مجموعة قفاطين على شكل فساتين سهرة أوروبية مشغول بخياطة تقليدية خفيفة، وألوان وأقمشة موحدة مثل الساتان بلون أصفر لامع.
أما المصمم الفرنسي جون كلود جيتروا، الذي كان ضيف شرف الدورة 14، فجاءت تصاميمه استثنائية، بعيدة عن الطابع الاحتفالي للأقمشة والألوان المبهرة التي ميزت معظم تشكيلات المصممين في هذا العرض، وقدم مجموعة استهلها بقطع من الجلد الأسود تعانق الجسم، أتبعها بمجموعة سهرة شديدة البساطة بألوان داكنة تخاطب المرأة الغربية أو تلك التي تميل إلى الأسلوب العصري.
المصممة سميرة مهايدي كنوزي، التي شاركت في العرض بتشكيلة من القفاطين تكشف عن موهبة تتطلع إلى الارتقاء أكثر في عالم الموضة، كانت أولى مشاركتها في هذه التظاهرة في عام 2007، ومنذ ذلك الوقت أصبحت وجها مألوفا فيه، وانطلقت منه لتحقيق المزيد من النجاح.
فقد قدمت عروضا للأزياء التقليدية في باريس، وفي مونتريال بكندا، وافتتحت محلا يحمل اسمها كعلامة تجارية بمدينة الدار البيضاء.
وراء هذه الصورة اللامعة والنجاح، تشير إلى أن الطريق ليس دائما مفروشا بالورود، وهو ما تشرحه سميرة مهايدي كنوزي بقولها إن «المشاركة في هذا العرض فرصة تفتح آفاقا واسعة أمام أي مصممة مبتدئة بيد أن المشاركة وحدها لا تكفي، إذ لا بد من التوفر على الموهبة والاحترافية للاستمرار في المجال الذي يعرف منافسة كبيرة».
وتضيف أن الجانب المادي يلعب دورا كبيرا لإثبات التفوق في هذا المجال لأنه لا يمكن تقديم تشكيلة من الأزياء الراقية تنال الإعجاب بميزانية صغيرة، بل لا بد من استثمار مبلغ مالي مهم.
وتتمنى كنوزي أن ينظم أسبوع للموضة في المغرب على غرار ما هو موجود في عدد من العواصم الأوروبية وغيرها، تعرض فيه مختلف أنواع الأزياء المغربية، مثل القفطان والجلابة وأزياء العروس وحتى الملابس الجاهزة.
فتنظيم مثل هذا الأسبوع مهم حسب رأيها لإعطاء «للمصممات والمصممين فرصة أوسع للابتكار والإبداع، وحتى لا يقتصر الأمر على أزياء السهرة فقط».
وتأسفت كنوزي لكون المصممين الشباب لا يتلقون أي دعم من مؤسسات عمومية أو شركات خاصة، وتقول إن «كل ما أقوم به هو مجهود ذاتي، حتى إنه لا يوجد أي قانون يحمي المصممين وينظم هذه المهنة».
وبخصوص العائد المادي الذي يجنيه المصممون من هذا المجال، وخلافا للاعتقاد السائد من تهافت على اقتناء تلك الأزياء أو معظمها بمجرد انتهاء العرض، تقول كنوزي إنه «لا يمكن الحديث أبدا عن عائد مادي مهم نجنيه من وراء المشاركة في عرض (قفطان) بدليل أنه بعد مشاركتي في العرض في 2007، لم أبع سوى أربعة قفاطين، وما زال بحوزتي سبعة، ويمكن أن تطرحي السؤال على أي مصمم أو مصممة وستتلقين منهم نفس الجواب».
أما سبب عدم الإقبال على شراء هذه القفاطين رغم جماليتها، فيعود إلى أن المشرفين على تنظيم العرض يشترطون الالتزام بالموضوع أو الفكرة التي يتم اختيارها، إلى جانب أن يكون الزي باذخا ومترفا، أو جريئا، وهذا النوع من الأزياء، تقول كنوزي، «يصلح للعرض أكثر مما يصلح للارتداء في المناسبات، مما يجعل الإقبال عليه محدودا جدا».
وتتابع: «لا يجب أن نغفل أيضا عامل السعر، فمعظم هذه الأزياء تكون تكلفتها مرتفعة جدا، مما لا يتناسب مع القدرة الشرائية للغالبية من النساء المغربيات».
قد لا يكون للفعالية (قفطان) مردود مادي على المشاركين، لكنها حتما جعلت صيتها وصيتهم الإعلامي ناجحا بكل المقاييس، مما شجع البعض على اقتراح نقلها إلى عواصم ومدن عربية أخرى.
فهذا بالنسبة لهم ليس صعبا، لا سيما وأنه سبق نقلها من مدينة الدار البيضاء إلى مراكش منذ سنواته، كما احتضنتها مدينة اكادير لسنة واحدة في 2007. وللدلالة على نجاحها وأهميتها المتنامية، حضر وزيران الفعالية هذا العام، هما كريم غلاب، وزير التجهيز والنقل، ومنصف بلخياط، وزير الشباب والرياضة.
يذكر أن جزءا من مداخيل العرض الذي تشرف على تنظيمه مجلة «نساء المغرب» يخصص لتقديم منح دراسية شهرية للفتيات الصغيرات في القرى لتشجيعهن على مواصلة تعليمهن وعدم الانقطاع عن الدراسة.