تسبب ارتفاع معدلات الفقر والبطالة بين مئات الآلاف من الأسر المصرية إلى انتشار ظاهرة خطيرة تهدد استقرار الأبناء وتنسف مفهوم العائلة ككل، حيث يلجأ كثير من الأزواج والزوجات إلى ما بات يعرف بحالة “الطلاق الأمريكاني” ويقصد به انفصال الزوجين بموجب الأوراق الرسمية واستصدار قسيمة طلاق، ثم لجوء الزوجين بعد ذلك إلى الزواج العرفي.
على صعيد متصل تُقبل بل قد تشترط بعض النساء، سواء من الأرامل أو المطلقات، على هذا النوع من أشكال الزواج بورقة عرفية يتم توثيقها بشهادة رجلين أو ما ساواهما لدى أحد مكاتب المحاماة، والسبب في هذا الإجراء الغريب هو حصول الزوجة على معاش والدها المتوفي عملا بمواد القانون التي تتيح للمرأة في كلا الحالتين تقاضي معاش والدها المتوفي كاملاً وبدون أن ينازعها باقي الورثة فيه إلا في حالة انطباق مثل حالتها على إحدى أخواتها أو أكثر إن وجدت.
لعب عيال كشف المستور
وقد ترتب على انتشار هذه الظاهرة عدة إشكاليات خطيرة، ففي أحد الأحياء الشعبية بمحافظة الجيزة وقعت أزمة اجتماعية عنيفة لـ”هدى” ذات الأربعين من عمرها، حيث لاحظ أهالي الحي الذي تقطن به هي وأبنائها الأيتام تردد أحد الرجال بصفة مستمرة على منزل الأسرة التي توفى عائلها منذ أكثر من عامين.
وفي أحد الأيام وقعت مشادة عنيفة بين “هدى” وإحدى جاراتها بسبب لعب الأطفال، وحين تدخل هذا الرجل “المجهول” لإنهاء الأزمة فوجئ بهجوم ضار من الجارة وزوجها وتضامن معها العديد من الجيران الذين تعاملوا مع هذا الشخص على أنه غريب في وضع مشبوه، وتحول الخلاف من الأطفال إلى تحقيق شعبي في سبب تردده على هذا المنزل رغم أنه ليس من أهل السيدة التي كانت تحظى بتعاطف كبير من جميع جيرانها.
وأصبح الرجل في موقف لا يحسد عليه بعدما وجهت إليه الاتهامات بالوقوع في عمل مشين، وإزاء هذا الضغط العنيف لم تحتمل المرأة النظر إليها على أنها “خاطئة” فانهارت وفاجأت الجميع بإظهار عقد زواج عرفي يجمعها بالرجل، وبشهادة قريبيها اللذين حضرا توقيع عقد الزواج وشهدا عليه لضمان استمرار “هدى” في الحصول على معاش والدها المتوفي منذ عدة سنوات والذي انقطع عنها بعد الزواج، وعندما توفى زوجها الأول سعت للحصول عليه لعدم كفاية المعاش الذي تركه والد أبنائها والذي لا يزيد على 300 جنيه.
سعيد.. “تعيس” جدا
أما “سعيد”، أحد الأزواج البؤساء، فحاله عكس اسمه تماما، فبعد إجباره على الخروج في سن المعاش المبكر وحصوله على بضع آلاف من الجنيهات كمكافأة نهاية الخدمة، وفشله تماما في استثمار هذا المبلغ الضئيل خصوصا مع ضعف المعاش الذي لا يساوي حتى ربع الراتب الذي كان يتقاضاه.
وعلى إثر تراكم الديون عليه ومطاردة “الديانة” له في كل مكان وحصولهم على أحكام بالحجز على منقولاته في مسكن الزوجية، لم يكن أمامه إلا اللجوء لطلاق زوجته على الورق وذلك لضمان عدم توقيع أصحاب الديون أحكام القضاء بالحجز الإداري على محتويات مسكنه، التي تؤول ملكيتها لمطلقته، واضطر لكتابة ورقة زواج عرفية بينه وبين زوجته حتى لا يتربى أبناؤه بعيدا عنه.
لكن بطبيعة الأحوال أصبح مضطرا لهجر مسكن الزوجية معظم الأوقات خصوصا في تلك التي ينتظر فيها تنفيذ أحكام القضاء ضده، وبات هو طريدا للعدالة فيما تمضي زوجته البائسة في إجراءات الحصول على معاش والدها المتوفي الذي كان يعمل بإحدى شركات إنتاج مشتقات البنزين.
طلاق صوري
يقول علاء محمد، مستشار قانوني بالأحوال الشخصية، أن القانون يسمح للمرأة بالحصول على معاش والدها حتى في حالة تجاوز سن الاستحقاق لها إذا توافر لها بعض الشروط ، والتي من بينها وقوع الطلاق وخصوصا إذا تعذر حصولها على نفقة من الزوج أو كانت قيمته ضئيلة بدرجة لا تسمح لها بالإعالة، كما تسمح مواد القانون بحصول المرأة على معاش والدها المتوفي إذا مات زوجها وترك لها معاشا أقل من نصيبها المستحق في معاش والدها فتحصل على الفارق بين المعاشين.
ومن هنا تلجأ كثير من الأسر إلى ما يمكن وصفه بـ”الطلاق الصوري” أو الاضطراري كحل لكثير من الأزمات المالية التي يعاني منها الملايين من أبناء الشعب المصري، كما نصادف بعض النساء من الأرامل تشترط عند تقدم أحد الرجال للزواج منها أن يكون الزواج عرفيا وغير مسجل لضمان حصولها على معاش والدها وهذا خطر كبير يهدد بظهور مشكلات خطيرة عديدة، خصوصا إذا ما أثمر استمرار العلاقة بين الزوجين المنفصلين على الورق الرسمي أو حتى بالنسبة للأرامل المتزوجات بعقد عرفي عن إنجاب أطفال.
حيث يترتب على هذا الوضع العديد من المخاطرة في نسب الأطفال، خصوصا في حالة زواج الأرامل عرفيا، فتكون الفرصة سانحة لبعض الأزواج المتلاعبين لإنكار نسب الأبناء،
وتدخل المرأة في دوامة كبيرة من المشاكل لإثبات البنوة مما قد يستتبع معه الزج بها خلف القضبان الحديدية.