أي مسيحي حقيقي, نزلت علي كلمات زميلة وصديقة عمر مسيحية بردا وسلاما, حقيقة لم أكن أنتظر منها اعتذارا ليقيني أنها ليس لها علاقة بتلك البذاءات وأنها ككل أقباط مصر المتدينين تحترم جميع الديانات
ولكن كلماتها كانت بمثابة بلسم أطفأ مشاعر قلق وخوف كانت تملؤني علي وطن أعشقه بكل ما فيه, بشماله وجنوبه, كباره وصغاره, كنائسه وجوامعه, وطن بكيت علي كل شهدائه في كنيسة القديسين, كما بكيت علي شهداء التحرير ورفح, وطن تتربص به القوي المعادية وتريد أن تحوله إلي أشلاء من خلال إشعال الفتنة بين المسلمين والمسيحيين وصولا إلي مخطط صهيوني لتقسيم مصر وعدد من دول المنطقة, والمخطط قديم عمره ثلاثون عاما بالتمام والكمال.
وكنت قد قمت بدراسته بالكامل من خلال البحث الذي قدمته للحصول علي درجة الزمالة من أكاديمية ناصر في العلوم الاستراتيجية عام 2004 وهو بعنوان إيديولوجية اليمين الأمريكي وأثره علي الصراع العربي الإسرائيلي. وكان يدور حول علاقة اليمين الأمريكي المتمثل في المحافظين الجدد وهم النسبة الغالبة من أعضاء الحزب الجمهوري وكذلك المنتمون للكنيسة الأفانجيلية بالفكر الصهيوني,
ففي عام 1982 وضع معهد كيفيونيم الإسرائيلي خطة لتقسيم مصر لعدة دويلات شارحا أن السبيل لحدوث ذلك سيكون من خلال ظروف اقتصادية طاحنة وغياب للسلطة المنظمة وفتن عارمة بين المسلمين والمسيحيين ثم يحدث التقسيم الذي قد يستغرق سنوات عديدة, وتستطيع إسرائيل علي أثره- بعد تقسيم مصر لعدة دويلات- أن تستعيد سيناء وفي الوقت ذاته سيتم تقسيم كل من العراق والسودان وليبيا وسوريا ولبنان.
هذا السيناريو كان يمكن أن يظل مجرد حلم صهيوني غير قابل للتنفيذ لولا أن اليمين الأمريكي المحافظ والشديد الميل لإسرائيل بدأ يتبني تلك الأفكار في بدايات القرن الحادي والعشرين وبدأت بعض المراكز البحثية وحتي بعض المسئولين يرددونه بعبارات مختلفة مثلما قال جيمس ولسي مدير الاستخبارات الأمريكية: مصر الجائزة الكبري وما تبنته كونداليزا رايس من فكرة الفوضي الخلاقة, وانتشرت كذلك دعوة لاستبدال النظم الديكتاتورية بالأنظمة الراديكالية الدينية بهدف إثارة الأقليات في دول المنطقة, وهو ما تم تداوله في كتب عدة من أشهرها كتاب مستقبل الحرية لفريد زكريا المنشور قبل ستة أعوام.
وأذكر أنني كنت قد طرحت علي الكاتب الفرنسي آلان جريش في مطلع الثورة مخاوفي المبكرة من هذا السيناريو وأنه قال لي: حتي لو افترضنا صحة ذلك, هل ستكونون بأفعالكم أول الداعمين لهذا السيناريو أم ستحاولون عدم الاستسلام له؟
والحقيقة رغم أنني أصبت بحالة من الغليان والغثيان بعد مشاهدتي للفيلم المسيء للرسول صلي الله عليه وسلم, ولم أصدق أن يمتلك شخص كل هذا المقدار من الحقد والكراهية العمياء ليقوم باختلاق كل هذه الأكاذيب, ولكنني وبعد أن هدأت وفكرت قليلا وجدت أن الغرض من الفيلم لم يكن إهانة الرسول صلي الله عليه وسلم نتيجة حقد أسود ضد الإسلام ونبيه, فقد كان ممكنا أن يقوم بذلك بطريقة أكثر احترافية, لكن الفيلم كان مقصودا به من خلال دبلجته للعامية واستخدام ألفاظ وأوصاف لا يقبلها المصريون, أن تغلي الدماء في العروق ويقع الإخوة المصريون في بعضهم البعض, ويتم تدشين مخطط التقسيم الذي قد يستغرق سنين ولكن يكون الفيلم هو بداية للفرقة بين أبناء الوطن الواحد, المدهش أن أقباط مصر قبل مسلميها فطنوا إلي تلك اللعبة ورفضوا تلك الفتنة والحمد لله لم يحدث – رغم أحداث السفارة الدامية والمرفوضة – احتكاك واحد بين مسلم ومسيحي, وكأنهم يقولون لزارعي الفتنة موتوا بغيظكم, فقد سقطت آخر ورقة توت عن وجهكم المتطرف.
هل معني ذلك أنه لا خوف وأن تلك الأزمة ما هي إلا أزمة عابرة؟ الحقيقة لا. فانتهاء الأمر بسلام هو بسبب رصيد المحبة والعشرة الممتدة عبر القرون بين أبناء هذا الشعب ولكن الداعين للفتنة من الصهاينة أصحاب المصلحة الأولي من تفتيت المنطقة لن يتوقفوا عن إذكاء النيران بأساليب مختلفة يساعدهم في ذلك قلة من المرتزقة الموالين لهم في المهجر. والمسيحيون منهم براء, براءة المسلمين ونبيهم من كل ما حاول هذا الفيلم أن ينسبه إليهم.
- نور الكلمات
“واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا”. (آل عمران 103)
“ببركة المستقيمين تتعاظم المدينة وتهدم بسبب أقوال الأشرار”. الكتاب المقدس
نقلا عن مجلة نصف الدنيا