«واحدة من النقاط التي ينبغي مراعاتها في الزواج هي فارق السن المناسب بين الزوج والزوجة». هكذا قال الفيلسوف اليوناني القديم أرسطو، ويعتبر فارق السن بين الزوجين من أكثر الموضوعات المثيرة للجدل منذ نشأت مؤسسة الزواج. وعلى الرغم من أن الكثير من الخبراء يؤكدون أن هذا الفارق يجب ألا يتعدى من 7 إلى 10سنوات فإنهم في الوقت نفسه يؤكدون أنه ليس علامة حاسمة في نجاح الزواج أو فشله.
في مجتمعاتنا العربية حيث تتراجع نسب الزواج وتزيد نسبة العنوسة والطلاق، يبدو السؤال منطقيا: ما الفارق المثالي للعمر بين الزوجين؟ وهل هذا الفارق يهم؟ التحقيق التالي يحاول الإجابة.
لا شك ان فارق السن بين الزوجين من الموضوعات المثيرة للجدل، ويختلف الأمر من مجتمع إلى آخر وفقا للعادات والتقاليد وللمستويين الثقافي والاقتصادي، فهناك من يرفض زواج الرجل بامرأة تكبره سنا، بينما لا يرى البعض مانعا في زواج الرجل بفتاة تصغره بعشرات السنين، وحتى فارق السن نفسه هناك من يرى له بعض الإيجابيات مثل الحد من نسبة العنوسة أو أن يحقق مستوى من الأمان المادي، لكن الأمر لا يخلو من الكثير من الآثار السلبية.
احتكار الحكمة والسيطرة
قد ينظر البعض إلى وجود فجوة في العمر بين الزوجين تصل إلى 20 عاما مثلا ،على أنها مصدر للخبرة العميقة والحكمة من الطرف الاكبر سنا. لكن المشكلة ان فارق السن الكبير يمكن أن يكون عائقا أمام فهم مشاعر الطرف الأصغر سنا، فالطرف الأكبر سنا يعتقد أنه يملك الخبرة والحكمة، ومن ثم يبرر لنفسه إحكام السيطرة على الطرف الآخر، من دون مراعاة لقاعدة مهمة تؤكد أن فهم مشاعر الآخر عملية تتطلب أكثر من الخبرة والحكمة، وبالتالي كلما كان فارق السن كبيرا يعاني الزواج من مأزق نفسي يهدده بالفشل، فكل شريك يريد من الآخر أن يعامله كشريك وليس باعتباره أحد الوالدين.
على المدى البعيد
الحب لا يعرف العمر، هكذا يردد الكثيرون لذا نجد ان بعض الرجال يتزوجون نساء يصغرونهم بسنوات كثيرة والعكس صحيح. لكن المشكلة أن الآثار السلبية للفجوة العمرية الكبيرة بين الزوجين لا تظهر إلا على المدى الطويل بعد 10 أو 15 عاما من الزواج، فالزوج البالغ من العمر 60 عاما يبدأ بالتقاعد ويحلم بالهدوء في أيامه الأخيرة، بينما الزوجة التي تصغره ما زالت في ريعان شبابها وتبحث عن الانطلاق.
على المدى البعيد تظهر الاختلافات في الاهتمامات والهوايات والتواصل الثقافي والفكري، ويبدو الصدام في مرحلة متقدمة أمرا منطقيا.
فجوة بدنية
كما يحدث في الافلام يحدث في الحقيقة أيضا، رجل ستيني يتزوج فتاة في عمر ابنته، لكن المشكلة ستظهر قريبا جدا، ولا تتمثل في الفجوة العمرية فقط إنما في الفجوة البدنية والصحية أيضا.
رجل يصل إلى المحطة الأخيرة ويفتقد الطاقة، وزوجة تعيش في ذروتها الجسدية والعاطفية، الحالة البدنية لا تسعف الرجل الأكبر سنا على القيام بواجباته الزوجية والزوجة الشابة تتهمه بالتقصير، فيكون الرد بطريقة عدائية وتصل الأمور إلى نقطة الانفجار.
الشك والغيرة
أحد الآثار السلبية المترتبة على الفجوة العمرية غير المناسبة بين الزوجين هي الشك والغيرة، وهذه المشكلة تظهر أكبر في زيجات الرجال الأكبر سنا من زوجات شابات، انعدام الأمن العاطفي خاصة لدى كبار السن من الرجال يمكن أن يؤدي إلى الشك والغيرة، رغم أنه قد لا يكون هناك أساس لهما، وهو ما قد يساهم في هز الزواج. كما تشير الدراسات إلى أن جنون العظمة (الاضطراب العقلي) أمر شائع جدا بين الرجال كبار السن الذين لديهم زوجات شابات، الشك في الزوجة والغيرة القاتلة عليها هو احد أعراض جنون العظمة، والشخص الذي يعاني منه ينتابه الشك والارتياب تجاه الكثير من الأفعال والأقوال التي تقوم بها الزوجة الشابة.
مواقف محرجة
وجود فجوة عمرية كبيرة بين الزوجين يمكن أن يؤدي إلى الكثير من المواقف المحرجة، خاصة للطرف الاصغر سنا، والتي تلقي بظلالها على العلاقة الزوجية. ففي كثير من الأحيان يعتقد البعض ان هذه الزوجة الشابة برفقة الرجل المسن هي ابنته، أو ان هذا الزوج الشاب الوسيم برفقة المرأة المسنة هو ابنها، ناهيك عن المواقف المحرجة التي يمكن أن تظهر أمام أصدقاء الطرف الأصغر سنا، وهو ما يؤدي إلى رغبته بحجب أصدقائه عن الطرف الآخر بسبب وجود فجوة في الاتصالات بين جيلين، ما يفتح الباب مجددا للشك والارتياب.
امتيازات غير معقولة
في بعض الحالات، يقدم الشريك الأكبر سنا على تقديم الكثير من الامتيازات غير المعقولة أحيانا من أجل إرضاء الطرف الأصغر سنا، لكن المشكلة أنه لا أحد يستطيع أن يستمر في ارضاء شريك حياته إلى الأبد، فالعلاقة الزوجية أخذ وعطاء، وقد تزداد الأمور صعوبة عندما يشعر الطرف الأصغر سنا أن ما يحصل عليه من امتيازات حق طبيعي وثمن للبقاء مع طرف في ضعف عمره. هذه الأمور تجعل انعدام الأمن العاطفي يتسلل إلى العلاقة الزوجية ويؤدي إلى الفوضى داخل الأسرة وتصبح أكثر ضررا في حالة وجود أطفال.
الأطفال يدفعون الثمن
أكدت الكثير من الدراسات أن الأطفال أكثر من يدفعون الثمن نتيجة العلاقات الزوجية القائمة على فجوة عمرية كبيرة بين الزوجين، هذه الدراسات تشير إلى حقيقة مهمة وهي أن الأطفال يعانون أكثر في العائلات التي تسيطر عليها فجوة عمرية كبيرة بين الوالدين، لأن احتمالات الموت المبكر لأحد الوالدين (الأكبر سنا) يكون أكثر وهو ما يكون له آثار سلبية على الأطفال، فوفاة الزوج الأكبر سنا مثلا يعني أنه يترك وراءه أرملة وأطفالا صغارا في وضع معقد للغاية.
القلق من الرحيل
من بين أكثر الأعراض التي تنتاب الزيجات التي تتم في ظل فجوة عمرية كبيرة ذلك القلق الذي ينتاب الطرف الأكبر سنا من فقدان الطرف الأصغر، فعلى سبيل المثال ينتاب كبار السن من الرجال شعور دائم بفقدان زوجاتهم الشابات. انهم يعانون من القلق في كل يوم من الأيام من رحيل هذه الزوجة الشابة يعني تحطم الحياة.
علم النفس
أشار الاختصاصي النفسي والاجتماعي د. جاسم حاجية إلى أن فارق السن بين الزوجين من المواضيع التي تشغل الكثير من الباحثين ومن الأشخاص العاديين خاصة من الشباب في سن الزواج، وأضاف:
– لا يتعرض فارق السن في المجتمعات الغربية مثلا للكثير من الجدل كما يحدث في مجتمعاتنا العربية، فهناك نجد أنه من الأمور العادية زواج شاب بسيدة تكبره في العمر او زواج رجل في الستينات بشابة في العشرينات، بينما في عالمنا العربي نجد أن البعض ينظر إلى من يتزوج أمراة تكبره في السن بالكثير من التعجب والتوجس.
ونبه حاجية إلى أن مسألة السن يجب ألا تكون الهاجس الأول في الزواج، فالكثير من الزيجات التي كان فيها الفارق العمري كبيرا استمرت وظلت ناجحة، بينما انتهت زيجات لشباب متقاربين في العمر بالفشل في الأسابيع الاولى من الزواج، ومن يطلع على إحصائيات الطلاق في مجتمعاتنا يكتشف الأرقام المؤسفة للطلاق في السنة الأولى.
لكن حاجية أكد في الوقت نفسه أن الزواج يحتاج إلى عدد من الامور لكي يكون ناجحا ومستقرا، مثل التكافؤ الاجتماعي والثقافي والتعليمي وأيضا يجب أن يكون هناك تكافؤ في العمر بحيث يكون الفارق بين الزوجين قريبا، فليس من المعقول أن يكون الفارق بينهما 30 أو 40 عاما مثلا، لأن العلاقة الزوجية في هذه الحالة ستتحول إلى صراع بين جيلين.
وتساءل حاجية: ما فارق السن المثالي بين الزوجين؟ وأجاب قائلا:
– إنه السؤال المثير للجدل الذي اثار اهتمام الكثيرين، وإذا وجهت هذا السؤال إلى خمسة أشخاص ستحصل على خمس إجابات مختلفة، هناك من يرى أن الفارق المثالي يتراوح بين 3 و5 سنوات، وهناك من يؤكد أنه بين 7و10 سنوات، لكنني أعتقد أن الفارق المثالي بين الزوجين يجب إلا يتجاوز 10 أو 15 عاما.
حاجية أكد أيضا أنه كلما زاد فارق العمر لعب ذلك دورا سلبيا في تربية الأبناء، فالزوج الذي يتعدى الستين مثلا وزوجته تكون في العشرينات لن يستطيع أن يضطلع بمهمة تربية الأبناء بحكم السن، وبالتالي سيترك الأمور للزوجة الشابة، ما يعني أن سلطة الأب لا يعود لها معنى في عقلية الأبناء.