عندما مات أبي اقتنعت لسبب غير واضح أن بابا داخل مذياعنا التليفونكن الخشبي الكبير, الذي اشتراه أبي سنة1932 قبل مولدي بخمس سنوات. أرسلت اسمي إلي بابا شارو لكي يذكرني في برنامجه حديث الأطفال ويقول إنه يرحب بصداقتي, وفرحت عندما وافقت والدتي علي ذهابي أنا وأختي فاطمة للغناء مع مجموعة عش العصافير, بدعوة من زهرة عباس زميلتنا بالمدرسة الابتدائية, وعدت أقول لماما أن بابا شارو قال إن صوتي جميل جدا وأنني سأغني بمفردي في المرة القادمة فقررت منعنا من تكرار الذهاب إلي إذاعة الأطفال خوفا من أن نتحول إلي مطربات, مثل نجاة الصغيرة التي بدأت غنائها مع بابا شارو ثم تحولت وقتها إلي مطربة, قالت فاطمة إنني كاذبة وأن بابا شارو لم يحدثني إطلاقا بل لم يلحظني بالمرة وأنني اخترع حكايات من بنات أفكاري أكون بها بطلة أو مهمة. جرحني تكذيب فاطمة أكثر من قرار حظر الذهاب إلي إذاعة الأطفال وقررت أن أثبت لها أنني بطلة رغم أنفها فجلست في حوش مدرسة العباسية الإبتدائية أقول للبنات أنني أستطيع شرب الحبر وأكل الطباشير!
التفت التلميذات حولي في الفسحة الكبيرة وجاءت فاطمة تري سبب الزحام ووجدتني والأيدي ممتدة إلي بدوايات الحبر وأصابع الطباشير وأنا آكل وأشرب بهدوء وطبيعية منقطعة النظير فوقفت تقول بفخر ودهشة أنا أختها..أنا أختها!, واحترمتني علي طول طريق عودتنا إلي منزلنا وحكت لماما ماحدث مؤكدة صدقي في هذه الحكاية. قالت والدتي: الطباشير كالسيوم مفيد للعظام ولكن يجب ألا أشرب الحبر خشية أن يجعلني سوداء!
نقلا عن جريدة الاهرام