فالفقير يذهب إليها بحثا عن الأسعار الرخيصة و الغني يبحث عن الجودة والماركات العالمية التي تأتي إليها من جميع الدول الأوروبية وهذا ما جعل الفنانين والمشاهير وأصحاب المراكز المرموقة يذهبون إليها تلك هي وكالة البلح .
ولكي نقترب من سوق المستعمل بالوكالة كان لابد أن نذهب لمقابلة التجار الذين يعملون بها لنتعرف علي نوعية الزبائن التي تتردد عليهم والأسعار التي تباع بها الملابس والمناطق التي يستوردونها منها والمراحل التي تمر بها البضائع حتي تصل إلي التجار ومنهم إلي يد الزبون في البداية سألنا عن أقدم التجار العاملين في هذا المجال .
فكان لنا هذا اللقاء مع الحاج سيد أبو الخير الذي بدأ حديثه قائلا: أنا من مواليد الوكالة سنة 1948 وكنت أقطن في درب ميضة خلف السلطان أبو العلا ‘المكان الحالي لوزارة الخارجية’ وبدايتي التجارية كانت في شارع بولاق الجديدة حيث يمتلك والدي متجرا لبيع المخللات ‘الطرشي’ وهذا الشارع كان يتميز بتعدد الأنشطة التجارية التي تبعد تماما عن مجال الملابس المستعملة, فلو عدنا إلي أصل الوكالة سنجد أن النشاط الغالب
عليها قديما كان تجارة البلح وبيع مستلزمات المراكب ‘من الحبال والأوناش وأقمشة الشراعات’ ومخلفات الجيش ‘من بطاطين وبنطلونات وبلوفرات وفضلات الأقمشة ‘ وعندما طغت تجارة البالة علي الوكالة لم نجد بدا من تغيير نشاطنا لنتخصص في بيع الملابس المستعملة خصوصا بعدما اشتهر شارع الأحمدين ببيع هذه الملابس وذاع صيت الوكالة فاضطرت جميع المتاجر إلي تغيير نشاطها فيما عدا محلات قليلة مازالت محتفظة بنشاطها القديم.
فبداية هذا النشاط تقريبا منذ الثمانينيات فنحن نسافر إلي مدينة بورسعيد ونتعاقد مع التاجر وبعد ذلك نعود إلي القاهرة وتصل إلينا البضاعة مقابل خمسين جنيها للبالة ولذلك فنحن نطالب بأن تصل إلينا البضائع بطريقة شرعية وتأخذ الدولة حقها بدلا من تهريبها, فلابد أن تفتح الحكومة المجال للاستيراد للجميع ولا تخص به فئة معينة من البورسعيديين لأن البضاعة المستوردة أنظف بكثير من البضائع الصينية ويكفي القول بأن الصين تشتري منا زجاجات المياه الفارغة البلاستيكية بـ800 دولار للطن ثم يقومون بتدويرها ويصنعون منها الملابس وبعد ذلك يبيعونها إلينا بـ8 ملايين دولار.
أما عن أسعار البالة في الماضي فيقول الحاج سيد إن سعر كيلو الكريمة كان 25 جنيها ‘أنظف أنواع البالة ‘ أما الآن فأصبح سعره200 جنيه فالقطعة التي كانت تباع في الماضي بجنيه أو اثنين تباع الآن بـ25 جنيها ولهذا السبب نجد أن أصعب زبون لدينا هو القادم من الأرياف لأن الجنيه لديهم شديد لعدم وجود سيولة لديهم فهم يعيشون علي الاكتفاء الذاتي من الطعام والشراب ولذلك إذا كانت البيعة مناسبة فلم أتردد في البيع لهم حتي لو أن المكسب فيها ضعيف .
تركت الحاج سيد واتجهت إلي الحاج محمد العريبي الذي بدأ حديثه قائلا: أعمل في مجال البالة منذ أن كان عمري 15 سنة فأنا من أوائل الناس الذين عملوا في هذا المجال حيث بدأت نشاطي في شارع الأحمدين منذ أكثر من 35 سنة وكنت أشتري بضاعتي من تاجر يدعي لمعي شنودة وبعدما فتحت بور سعيد أسواقها تحولت إلي هناك وزمان كانت البضاعة رخيصة للغاية والواحد كان يستطيع التجارة بـ1000 جنيه فقط, أما الآن فالبضاعة تحتاج إلي مئات الألوف خصوصا لأنني أشتري في البداية البطاقة الاستيرادية من البورسعيدي لكي أسافر بنفسي لشراء البضاعة من الدول الأوروبية مثل بلجيكا وهولندا وألمانيا ولذلك أضطر أن أدفع له ما بين مائة ألف ومائة وخمسين ألفا ثمنا لها, هذا بالإضافة إلي أن سعر البالة الواحدة الآن يصل إلي 5 آلاف جنيه بينما كان يبلغ في الماضي ‘150’ جنيها ولكن الآن البضاعة أكثر جودة من الماضي لأن الشعب المصري شعب نزيه يريد بضاعة نظيفة وبسؤاله عن السبب الذي من أجله يضع بضائعه علي’ الاستاندات.في الشارع أجاب لمنع الباعة الجائلين من الوقوف أمام المحل.
ويضيف الحاج جمال العريبي قائلا: أفضل ما في الوكالة أنها تبيع من الإبرة إلي الصاروخ ففيها الملابس المستعملة والأقمشة وقطع غيار السيارات ومحلات المفروشات فهي مقامة علي حوالي 40 فدانا تشغل, محلات الملابس حوالي 60% من مساحتها وعن مقدار الربح الآن يقول يبلغ حوالي 35% من سعر القطعة أما في الماضي فكان المكسب حوالي80% وعن أفضل أنواع البضائع يقول يأتي البلجيكي في المرتبة الأولي, أما الإيطالي والفرنسي فهما في المرتبة الأخيرة.
أما عادل بقطر فيشكو من تردي الأوضاع الاقتصادية خصوصا بعد ثورة 25 يناير فهو لا يبيع في اليوم الواحد سوي ثلاث قطع فقط ويرجع ذلك إلي سوء الحالة النفسية للمصريين وإحجامهم عن الشراء.
أما عن مواسم البيع فيقول: لدينا أربعة مواسم وهي عيدا الفطر والأضحي وعيد القيامة وشم النسيم فإذا صادف وجاء في بداية الموسم سيكون موسما جيدا أما لو جاء في نهايته فيكون سيئا للغاية, زبائني من جميع الطبقات فمنهم الأغنياء ومنهم الفقراء فالغني يبحث عن الجودة والخامة والماركة والموديل أما الفقير فيبحث عن السعر الرخيص ولذلك لم تعد الوكالة للفقراء فقط.فهناك الكثير من الفنانات يأتين إلي الوكالة ليشترين ملابسهن منها ولكن أكثر شيء يكدرنا هو موضوع الباعة الجائلين فهؤلاء خربوا بيوتنا لأنهم دائما ما يحرقون البضاعة ويبيعونها بسعر أقل من سعرها لأنهم بالطبع لا يتحملون أي أموال مثل أصحاب المحلات فلا توجد لديهم التزامات فبسببهم أقل محل في الوكالة خسر ما يقرب 30 ألف جنيه في الصيف الماضي فهم يخطفون منا الزبائن وللأسف انتشروا بصورة كبيرة لدرجة أنهم خرجوا إلي شارع الجلاء ،
فكيف نعمل في ظل هذا الغزو خصوصا لو علمنا أنهم يعملون في البضائع المندرجة تحت درجة خمسة وهي من أردأ الأنواع فالكثير من السيدات يفضلن البضاعة الرخيصة بغض النظر عن جودتها وينطبق ذلك القول علي السيدات القادمات من الأرياف وذوي الدخول البسيطة فـ65% من المترددين علي الوكالة من السيدات و35% من الرجال ويعد الرجل بالنسبة لي أكثر راحة في الشراء من السيدات لأنهن دائمايرغبن في الفصال .
أما ميلاد حنا صاحب محل بالوكالة فيقول مشكلتي الأساسية تكمن في أننا لا نملك بطاقة استيرادية فهي حكر علي البورسعيديين منذ أيام السادات. فلو سافرت وتعاقدت علي بضاعة لا أستطيع إدخالها إلي مصر لأنهم سيوقفونها في الميناء ولذلك يجب أن أحصل علي بضاعتي من البورسعيدي بعدما أختار البالة وهي مغلقة أشاهد جوانبها فقط وألوانها وأنسجتها ولذلك فالعمل في مهنتنا يتطلب الخبرة .
ولعلني أتساءل لماذا تخرج البالة مهربة من بورسعيد فلماذا لاتخرج بطريقة شرعية ورسمية وندفع عنها الرسوم للدولة .
وعن السر وراء جودة البضاعة البلجيكية وارتفاع أسعارها يقول: نظرا لكثرة الأوكازيونات لديهم ولذلك يذهب إليهم التجار في هذه الفترة ويشترون جميع محتويات المحل ولذلك كثيرا ما تأتي إلينا البضاعة جديدة لم تستعمل ‘بورقتها’ أما الشعب الفرنسي فهو شعب عملي للغاية ولذلك ملابسه تكون مستهلكة وعن قيمة المكسب يقول زمان كانت القطعة تكسب قطعة مثلها أما الآن فلا تتعدي سوي 25%.
تركت أصحاب المحلات واتجهت إلي إجراء حوار مع بعض الباعة الجائلين المنتشرين في جميع أرجاء الوكالة الذين لم يكتفوا بإشغال الأرصفة بل نزلوا الي نهر الشارع وبسؤال أحمد محمد عن سبب وقوفه في الشارع قال: العمل في المحل مكلف أدفع عنه ضرائب كثيرة, إضافة إلي الإيجار الشهري له.. أما في الشارع فلا يوجد علي التزامات وبالتالي أبيع القطعة للزبون بسعر مناسب جدا خصوصا أن معظم زبائني من النساء وهن يفضلن الفصال ولذلك أضع علي كل استاند السعر الخاص به لأتجنب الفصال ‘ووجع الرأس’70% من زبائني من السيدات والفتيات ولذلك فأنا أعمل في الحريمي والأطفال فقط وهذه المهنة مربحة بشرط أن تتركنا الحكومة في حالنا ،
وعن المشاكل التي تصادفه يقول السرقة فالزبون يأخذ القطعة ويمشي وعندما أكتشفه يدعي أنها عملية سهو وأذكر مرة أن زبونة ارتدت جاكيت من عندي وأخذته ومشيت ولكنني اكتشفت الأمر قبل أن تنصرف وعن مكسبه اليومي يقول: قبل الثورة كان المكسب يصل إلي 700جنيه, أما الآن فلا يتعدي 400جنيه ويتدخل محمد حمدي قائلا الوكالة أصبحت مصدر رزق للمحلات الكبيرة أيضا فالكثير منهم يأتون الي التجار الكبار ويتعمدون أن تفتح البالة أمامهم لانتقاء ما يناسبهم من الماركات العالمية ويأخذونها ويبيعونها بأسعار باهظة هذا بالإضافة إلي الفنانين والمشاهير المعروفين للتجار جيدا.