روما كانت البداية فقط.. منصات عروضها الملونة والصاخبة ما كانت سوى الخطوة الأولى في طموحات مصمم الأزياء السوري رامي العلي، الذي قدم آخر مجموعاته لربيع وصيف 2012 للأزياء الراقية في باريس، أخيراً، على هامش أسبوعها للموضة، جامعا في تصاميمه بين التقنيات والأفكار الحداثية والمطورة، وبين لمسات وتفاصيل مشرقية بسيطة تماهت بذكاء مع الشكل النهائي الذي لم ينتمِ إلا إلى الجمال والأناقة البحتة.
للشرق سحره الخاص الذي سيطر على فنانين مستشرقين في القرن ال،19 إذ استثار الشرق فيهم رغبات إبداعية ملهمة، وكانت المرأة في تلك الحقبة بجمالها العربي غير المروّض، أكثر ملهم لهم، تحت طبقات الحرير والمخمل، والتموجات الشفافة التي تكشف من الجسد تارة وتخفي تارة أخرى، خلف أبواب، و«مشربيات» وستائر القصور وبلاطات الحريم، وكل ذلك الجمال المحيط بها من ديكورات، ومفروشات نحتت ونقشت بتلك الطريق الهندسية الإسلامية والشرقية الغنية، كل ذلك، بضربات فنانين غربيين سحروا بذلك العالم السري والخاص جداً، فرسموها على لوحاتهم بنظرتهم القادمة من غرب أبيض.
لا يمكن الحديث عن الجمال الشرقي، دون تخيل زخرفات ونقوش وحرائر وخامات غنية، بين مذهبة وأخرى ملتمعة، تلتف حول نساء مسترخيات على أرائك مزخرفة وستائر منسدلة تسمح لتسلل أشعة شمس بعيدة، تنعكس على البشرة الذهبية وألوان الفساتين، كل ذلك، انعكس بذكاء وحرفية على مجموعة العلي، الذي استطاع أن يجمع من خلالها سحر الخطوط المشرقية بعيدا عن التكرار الممل لهذه الصفة، معتمدا الزخرفات الشرقية التي تزين زوايا البلاطات الملكية الشرقية، ونقوش الموزاييك الممتعة، يؤطر كل ذلك بقصات مازجت بين القديم والحديث، وبين الغربي والشرقي دون أن ترجح كفة على أخرى.
سهرة
تنوعت فساتين السهرة الراقية التي قدمها العلي في عرضه الباريسي الخاص في فندق لو موريس، وتفاوتت بين الطويلة المنسدلة على الأرض مخفية للقدم، والقصيرة الكاشفة عن الركبة والفخذ، وتلك الضيقة المعززة لشكل الجذع، وتلك الواسعة غير المحددة، معتمدا مجموعة كبيرة من الخامات المسائية المعتادة، مثل الدانتيل، والتول، والشيفون، والأورغانزا الحريرية والسميكة الأقرب إلى البروكار، أو الكريب المعرق، إضافة إلى أخرى أقرب إلى الصناعية البلاستيكية، أو الأقرب إلى الفاي اللماع، الذي بدا أقرب إلى الزجاج في شفافيته والتماعته، أو الحريرية الخالصة المنسدلة بملكية هادئة، أو المزينة بالكامل بالترتر، أو الكريستال.
بينما استطاع العلي في كل تصميم أن يمزج بين مجموعة من الخامات بطريقة ذكية، أعطت لتجمع الطبقات الشفافة غنى وترفا لا يخلو من الرومانسية التي تنضح منها لوحات المستشرقين لسلطانات مستغرقات في تأمل كسول، مزاوجاً في الطبقات بين الدانتيل المعرق المزخرف بتلك التطريزات الهندسية، تحت طبقات شيفونية، وعباءة مذهبة ومؤطرة بمشغولات قصب لماعة حول الصدر والأذيال والحواشي، بينما تعرقت العباءة بطبعات ذهبية معرقة بزخرفات مشرقية، بالإضافة إلى تصميم آخر شديد التميز من قماش تول مشغول بالكمال بزخرفات ونقوش هندسية دقيقة جدا باللون النفطي الداكن، غزت كامل الجذع والأكمام الطويلة المكونة التي تلبسها الأصابع أيضا بفكرة أقرب للقفاز أو «الجمبسوت» الكامل بسروال طويل ضيق مشغول أيضاً بالكامل، تزينه تنورة شيفونية بفكرة «اللف» من اللون الرمادي الداكن المزين بحواشٍ من شرابات قصب متدلية ومتراقصة، كما لو كانت إزاراً التف حول السروال المشغول اللماع مظهراً نصف حزام.
حبك يدوي
كما اعتمد المصمم إدخال قماش الترتر كفستان وردي ضيق طويل بحمالة رومانية واحدة، مغطاة بطبقة شفافة من التول الوردي الفاتح في محاولة لكسر التماعة الترتر وتقليل حدتها، بينما تزين أطراف الحمالة بحبك يدوي لخيوط الحرير امتدت لتكون حزاما عريضا بخيوط عرضية، وتنورة واسعة من الخيوط ذاتها التي كونت ما بدا أقرب إلى الشبكة السميكة الثابتة التي يفصل بينها وبين الفستان الضيق فضاء واسع.
إضافة إلى فساتين مشغولة بالترتر، وتتزين حواشيها بقصات متعددة وكثيفة لكشكشات ناعمة مكونة من الشيفون، معتمدة على فكرة تزيين الحواشي وأطراف الزخرفات بطبقات دقيقة ويدوية من الشيفون الناعم، مكوناً أذيالاً تارة، أو أشكال الموزاييك الهندسية تارة أخرى، وكانت الأخيرة اللمسة الثابتة على أغلبية المجموعة، التي استطاع أن يثريها بمختلف الطرق، فاعتمدها كتخريمات لظهر وجوانب الخصر وأكمام فستان مطاطي طويل من اللون السماوي الفاتح، بينما أخفى الصدر تحت قطعة من القماش ليبدأ بقية الفستان من القماش ذاته، منسدلة باتساع طفيف ومتموج، ويتزين بخطوط طولية تقسم الفستان من المشغولات الذهبية المعتقة ابتداء من الرقبة (قلادة ضيقة) وبانسدال طولي في مركز الفستان، وجوانبه وحواشيه، مكوناً فستاناً شديد التميز.
ليل ونهار
لم تخرج ألوان المصمم رامي العلي عن تلك المكونة لألوان السماء في حالاتها المختلفة، النهارية والمسائية، من درجات الأبيض العاجية، والبيج الفاتح جدا، والأبيض المغبر، والأبيض المتورد، والوردي الفاتح الأقرب إلى البنفسجي، والسماوي الفاتح جدا، والرمادي، والبني الداكن الأقرب إلى لون المساء المغبر، إضافة إلى الرمادي الداكن المزرق، والأسود، والبني الداكن المحروق.
كما تداخلت في التصاميم تلك الزخرفات والتعريقات الذهبية بالشكل الأساس، بالإضافة إلى الكريستالية غير القوية، والتي اختارها المصمم بطريقة تعين الخامات على أن تطغى عليها، كما استعان بالترتر والقصب والأحجار الملونة من ألوان الخامات، وتلك المذهبة المعتقة، بالإضافة إلى حبات القصب الطويلة المكونة لدوائر وأشكال هندسية سوداء، وأخرى أشبه بالقلائد الكريستالية المكونة لأشكال موزاييك كثيفة على قماش شفاف مكون لفستان قصير وشفاف.