“الأمهات اللاتي يرضعن أطفالهن رضاعة طبيعية يتسمن بمعدلات عدوانية تعادل ضعف الأمهات اللاتي يعتمدن على الرضاعة الصناعية “..هذا ما توصلت إليه دراسة أمريكية حديثة أعدتها جينيفر هان- هالبروك , الطبيبة المتخصصة في الطب النفسي بجامعة كاليفورنيا، والتي أوضحت بان الرضاعة الطبيعية تقلل من مستويات الخوف لدى الأم وتمنحها شحنات إضافية للرد بقوة وجرأة وشجاعة على أي تهديد محتمل ضدها أو ضد أطفالها.
أثبتت الدراسة أيضا أن الرضاعة الطبيعية تؤدي لانخفاض مستوى القلق لدى الأمهات مقارنة بالأخريات بناء على قياس ضغط الدم للعينة المشاركة قبل وأثناء التجربة.
سلوك عدواني
وتأتي هذه الدراسة – التي اعتمدت على عينة مكونة من 54 سيدة , تم اختبار مستويات العدوان والقلق لديهن باستخدام أحد الألعاب الالكترونية التنافسية – كأول دليل على السلوك العدواني للأمهات المرضعات، وذلك بعد العديد من الأبحاث السابقة عن الثدييات غير البشرية والمعروفة بسلوكها العدواني تجاه كل من يقترب من صغارها كالدببة والقطط والفئران والغزلان والأسود وغيرها من الثدييات.
كما أشارت الدراسة إلى أن الأمهات المرضعات لا يتسمن بالعدوانية على المستوى العام ولا يبحثن عن المشاكل من هنا وهناك ، وإنما السلوك العدواني لديهن محدود في مواجهة أي تهديد خارجي أو خطر يواجههن أو يواجه أطفالهن الرضع فقط، بما يمكن وصفهن بأنهن أكثر عرضة للدفاع بطريقة عدوانية .
وفي بيان صحفي لجينيفز هان – هالبروك , قالت : إلى جانب المزايا العديدة لها وتحصينها الطفل ضد العديد من الأمراض , أصبحت الرضاعة الطبيعية بمثابة مكافأة للأم وخاصة بعد إعلان هذه النتائج الحديثة .
وأضافت، ” تزود الرضاعة الأمهات بحاجز ضد مسببات التوتر والإجهاد، وفي نفس الوقت تعطيهن المزيد من الشجاعة التي يحتاجون إليها للدفاع عن أنفسهن أو أطفالهن.
حالة من الشك
وعبرت الدكتورة نهلة نور الدين , الطبيبة النفسية وعضو الجمعية المصرية للطب النفسي , عن إعجابها بفكرة الدراسة ونتائجها قائلة : الفكرة في مجملها ممكن أن تكون مقنعة فالفكرة نظريا منضبطة وجميلة إذا سلمنا بأن الإنسان البشري هو امتداد وتطور للحيوانات الثديية، ويؤكد ذلك الارتباط بين الرضاعة والسلوك العدواني في الثدييات فالحيوانات الثديية أكثر عدوانية في الدفاع عن صغارها لدرجة أن القطة ممكن أن تأكل أولادها إذا ما أحست باقترابهم من الخطر.
وواصلت , ولكننا في حاجة إلى تكرار التجربة على عينة تشمل أعدادا أكبر حتى نتأكد من هذه النتائج أو نختبر مدى صدقها من عدمه مرة أخرى، فقلة أعداد العينة في هذه الدراسة يضعنا في حالة شك تجاه النتائج وإن كانت قد اعتمدت على تثبيت العامل من خلال لعبة الكمبيوتر .
وعن التأثير النفسي للرضاعة الطبيعية على كل من الأم والطفل قالت نور الدين : الرضاعة الطبيعية إلى جانب فوائدها الصحية المتعددة ،والتي أثبتتها العديد من الدراسات، من كونها تنمي جهاز المناعة وقدرته على مقاومة الميكروبات والأمراض مثل الإسهال والالتهاب الرئوي وموت الرضع المفاجئ والبدانة لاحقا , وكونها عاملا يعمل على نمو الذكاء عند الأطفال ونمو القدرات المعرفية الخاصة بالانتباه والذاكرة والنمو اللغوي والنمو الحركي , إلا أنها أيضا من الناحية النفسية تعمل على خلق حالة خاصة بين الأم وطفلها , فإذا سلمنا بوجود الرباط العاطفي – وهذا شيء أكيد – بين الأم وطفلها بصرف النظر عن نوع الرضاعة، إلا أن الرباط العاطفي الحقيقي يتكون منذ لحظة الرضاعة حيث يتكون شيء مشترك بين الأم وطفلها .
وتابعت: وما يؤكد هذه العلاقة الخاصة بين الأم وطفلها , الحقيقة العلمية التي تؤكد إحساس الأم بسريان اللبن بعروق صدرها لحظة بكاء الطفل أو إحساسه بالجوع.
بل قد يحدث بينهما أحيانا ما يسمى بالخوارق التي تتعدى حدود الإحساس الطبيعي كبكاء الطفل لإحساسه بقرب قدوم أمه إذا ما تغيبت عنه لفترة، بالرغم من عدم وجود حقائق علمية لإثبات ذلك.
هدوء وعاطفة جياشة
وأكدت نور الدين التأثير الفسيولوجي والنفسي للرضاعة على الأم من خلال الدراسات التي أثبتت بأن الرضاعة تنمي بعض المناطق في المخ المسئولة عن الهدوء والعاطفة ومشاعر الأمومة، في حين أن الأم التي تعتمد على الرضاعة الصناعية وجدت الدراسات أن نمو هذه المراكز يكون أقل لديها .
ولا تجد نور الدين مبررا للأمهات اللاتي لا يكففن عن الشكوى من عدم انتظام نومهن أو قلقهن المستمر مع وجود طفل رضيع، بالرغم من الحقائق التي تشير بأن الأم المرضعة تكون أكثر هدوءا وراحة وقت الرضاعة مما يساعدها على النوم بشكل عادي وأفضل بل وأعمق أيضا ، وهو ما يدفع لتحذير الأم بأن تراعي طفلها عند إرضاعه لحمايته من الاختناق أو غيرها من الأشياء التي قد لا تلحظها أثناء نومها .