بين العيش في واحدة من أشهر عواصم الموضة العالمية لندن، والرسم، ودراسة تصميم الأزياء، والعمل لاحقا في واحدة من أكثر الوظائف تشويقا وارتباطا بعالم الموضة، استطاعت مصممة الأزياء السعودية عفة دباغ، أن تجد طريقها الخاص في هذا العالم الملون، وحرائره المترفة، معتبرة أن سر نجاح أي علامة تجارية يكمن في المزاوجة المتوازنة بين الإبداع والإدارة. واستطاعت المصممة السعودية أن تزاوج من خلال علامتها التجارية «عفة» بين تصميم العباءات والفساتين، وأن توجد لها انطلاقة قوية بين الإمارات والسعودية، وأن تحظى بقاعدة كبيرة من المهتمات بتصاميمها، الأمر الذي أثبتت من خلاله أن نجاح المصمم وانتشاره لا يرتبط بطبقات الخامات واحتشاد القصات والكريستال، بل يكمن في بساطة التصميم واختيار الألوان والابتعاد عن كثافة الأفكار في التصميم الواحد، مكونة خطاً مميزاً من الفساتين المسائية الهادئة ذات القصات والأفكار الناعمة الملائمة، على الرغم من بساطتها، للمناسبات المسائية، مزاوجة بين القصات الراقية والذائقة المحلية التي تميل غالبا إلى الفساتين الطويلة، والملابس ذات المواصفات الخاصة. وقالت عفة لـ«الإمارات اليوم»: «حرصت من خلال علامتي التجارية على أن أثبت أن الأناقة تكمن في الأزياء الهادئة، والتي تخفي أكثر مما تكشف، إذ شعرت بأن هناك حاجة إلى إيجاد ذلك الخط المتوازي مع فساتين السهرة المسائية، وتلك المحافظة أو التي تميل إليها غالبا النساء الخليجيات، والتي عادة ما تكون طويلة بقصات ناعمة، فغالبا ما تفتقر السوق إلى تلك الصفة»، مشيرة إلى أن السوق تقدم غالبا تصاميم «الهوت كوتور» البذخة المحتشدة بالكريستال، أو تلك اليومية القصيرة والعارية المتوافرة في المراكز التجارية «فقمت ببساطة بتصميم ما شعرت بأنني أنا شخصيا أفتقر إليه، كوني أكثر قدرة على الإلمام باحتياجات الفتيات من جيلي».
عاصمة الضباب
أحبت عفة الرسم منذ طفولتها التي قضتها في عاصمة الضباب لندن، فكانت أكثر قدرة على الاطلاع على ما يقدمه مشهد الموضة العالمي، أولاً بأول، وأكثر قدرة على مراقبة تلك الموجات الابتكارية الحرة في ذلك العالم. وعلى الرغم من أنها كانت متيقنة من أن ميولها الفنية ستتغلب على خياراتها العملية، إلا أن تصميم الأزياء تحديدا لم يكن أمرا أكيدا، مشيرة إلى أنها بكل الأحوال لم تواجه أي معارضة من قبل أسرتها التي كانت ــ ولاتزال ــ داعمة لها مهما كانت اختياراتها، مضيفة «جاء قرار التحاقي بمعهد سوري للفنون والتصميم في بريطانيا، وبعد مرور العام التحضيري، التحقت بقسم تصميم الأزياء لثلاث سنوات».
غالبا ما يميل المرء في مراحل شبابه إلى الاندفاع والرغبة في الوصول والنجاح السريع، إلا أن الأمر كان مختلفا تماما مع عفة دباغ، التي فضلت التروي في قراراتها، وبعد واحدة من زياراتها للإمارات، قررت الاستقرار فيها وبدء حياتها العملية انطلاقا من دبي النابضة بكل جديد ومتميز «وفضلت بطبيعة الحال البدء بخطوات بسيطة وصغيرة أتمكن من خلالها التعرف بشكل أكبر الى مشهد الموضة في المنطقة، كما أنني كنت بحاجة إلى أن أحصل على الخبرة الإدارية الكافية التي شعرت بأنها ستعينني على المضي بالطريقة الصحيحة والمناسبة لاحقا».
انضمت عفة بعد استقرارها في دبي إلى مجموعة شلهوب، في منصب مسؤولة العلامات التجارية، إذ كانت مسؤولة عن علامات تجارية كبيرة، مثل كريستيان لاكروا، وفالنتينو، وغيرهما الكثير، الأمر الذي جعلها تطّلع عن قرب على ذلك العالم السحري لتصميم الأزياء، وما خلف كواليسه، وكانت بهذه الطريقة أكثر قدرة على التعلم من أكبر المصممين على كيفية إدارتهم علاماتهم التجارية، مشيرة إلى أن وظيفتها كانت تتطلب اختيار القطع التي تتناسب مع ذائقة الجمهور المحلي، وميولهم وأذواقهم، وقالت: «كما أننا كنا في كثير من الأحيان نطلب من المصممين إطالة الفساتين أو تغطيتها لتتناسب مع السوق المحلية، الأمر الذي أعانني على التعرف إلى ما يناسب الزبونات وما تميل إليه النساء في المنطقة من ألوان وقصات، كما كنا أكثر قدرة على تثقيفهم حيال الذوق العام للنساء الخليجيات»، مؤكدة أنها كانت محظوظة في الحصول على مثل هذه الوظيفة على الرغم من أنها كانت خريجة حديثة لا تحمل أي خبرة في المجال آنذاك.
عباءات
بدأت عفة خطوات بسيطة في عالم تصميم الأزياء، والانطلاق من خلال تصميم القمصان الحريرية الخفيفة والفساتين، بعد أن شجعتها إحدى صديقاتها على البدء بمجموعتها الأولى «الأمر كان صعبا بالنسبة إليّ، كوني أردت أن يكون كل شيء مثاليا، إلا أن تشجيع صديقتي جعلني أكثر ثقة وقدرة على أن الأمور ستكون جيدة بكل الأحوال، وبدأت أولى مجموعاتي بـ40 قطعة»، ومن هنا توسع نشاطها، لتنطلق في عالم تصميم العباءة أيضا. وتابعت «رغم أنني درست تصميم الأزياء والفساتين، إلا أنني شعرت بأن السوق كانت شديدة العطش للعباءات المبتكرة والمميزة، وهو الخط الذي بدأته في مطلع عام ،2007 ولا يمكنني وصف اهتمام السيدات بالحصول على عباءات مميزة ومختلفة سوى بـ(حمى العباءات)، الأمر الذي جعلني انطلق في هذا الخط الذي حاز اهتماما ونجاحا كبيرين بين المهتمات، وكان الطلب شديداً»، الأمر الذي جعلها تركز طاقتها الابتكارية على مجال تصميم العباءات لفترة من الزمن، حريصة في كل موسم على تقديم مجموعة مميزة من القصات التي تحرص على تجربتها وإعادة خياطتها وترتيبها على دمية العرض، إلى أن تشعر بأن الفكرة أصبحت مكتملة، كما بينت أنها تحرص دائما على البحث الدؤوب عن الخامات المميزة وغير المكررة.
وقالت: «أسافر إلى السعودية ودول أخرى مختلفة للبحث عن خامات مميزة جداً لا يمكن الحصول عليها في السوق المحلية، لأزين بها عباءاتي، سواء في الأكمام أو الأحزمة أو الشرائط، وغالبا ما تكون من العباءات ذات الكمية المحدودة لندرة الخامات، عدا عن تلك التي تشتهر بقصتها المبتكرة، والتي أصبحت بصمة خاصة بالدار»، لتبدأ مرة أخرى التركيز على خط أزيائها من فساتين مسائية بسيطة، معتمدة على الحرير ذي الطبعات المميزة وتلك السادة ذات الدرجات المحببة، كما أنها تميل في كثير من الأحيان إلى أن تزين تصاميمها بلمسات تراثية بسيطة جدا، في محاولة لتقديم تصاميم تمزج بين العصرية والتراث، على الرغم من أنها تحرص على أن تصف تصاميمها بالعصرية غير التقليدية. وتميل عفة إلى تزيين تصاميمها بأشكال الزينة اليدوية، وتجد في الزهور، سواء في طبعات الخامات أو في الزينة، ميلها «فالزهور أنيقة ورومانسية دائما وفي كل الفصول»، مشيرة إلى أن مجموعتها الأخيرة لخريف وشتاء 2012 حملت أيضا حريرا مطبعا بالزهور «وهو ما يمكن ملاحظته في توجه الموضة العالمية، كما أنني استوحيت التصاميم من فترة الأربعينات من القرن الماضي، وجميلات هوليوود في ذلك الوقت، مستعينة بألوان ودرجات الأحجار الكريمـة».