من القارة السوداء ووسط أشعة الشمس وحرارة الألوان، انطلق أسبوع جنوب أفريقيا للموضة لموسمي ربيع وصيف 2012، بمشاركة مجموعة من الأسماء الواعدة في عالم تصميم الأزياء، حيث تنافس المصممون على ابتكار نماذج مختلفة ومعاصرة من الملابس الجاهزة التي تحمل خطوطاً غربية ولكن بنفحات أفريقية خالصة من الفن والجمال.
و على مدار عقود أبهرت الأزياء الأفريقية بكل ما تتضمنه من حرارة وألوان وزخارف ورسوم معظم المصممين العالميين، وجذبتهم ليشدوا الرحال إلى القارة السمراء لينهلوا من فنونها وجنونها، مستوحين إشراقات تلهب خيالهم وتثير حماسهم في إطلاق تشكيلات بديعة ترفل بحضارة أرض البراري والقفار.
فنون القارة السمراء
لطالما كانت الأزياء الأفريقية التقليدية تختزل كل ثقافات وحضارات هذه الشعوب العريقة التي سكنت تلك المناطق منذ أجيال، لتعكس أمزجتهم، تراثهم، وفنهم المثير، متأثرة بعوامل المناخ الحار والطبيعة القاسية وما تفرضه عليهم من ألوان ونقوش وتصميمات، معتمدة على طبعات أصيلة للرموز والمعتقدات القديمة، مع نماذج بدائية من أشكال الحيوانات البرية والنباتات الزاهية والزاخرة بالألوان والحياة، لتشكل بها قطعاً وموديلات مرحة، جذابة، ومشحونة بالمشاعر، كيف لا وهي نتاج فنون أفريقية خالصة تتأرجح ما بين الموروثات الشعبية وسحر الطبيعة والأدغال.
وضمن أسبوع الموضة الأخير لموسمي ربيع وصيف 2012، والذي أقيم في جنوب أفريقيا وفي العاصمة جوهانسبرج على وجه التحديد، كان التأثير الأفريقي جليا وحاضرا بقوة على أوجه الموضة والأزياء التي عرضت، وبالرغم من بعض النفحات الغربية التي ظهرت هنا وهناك، حيث انعكست هذه المؤثرات الأفريقية بل وطغت على معظم العروض بدءا من ألوانها الصاخبة الصارخة ومرورا بنوعية المواد الخام التي استخدمت فيها من العقيق والعاج والأخشاب والجلود، ثم انتهاء بطبيعة الأقمشة والخامات القطنية الباردة المنعشة التي تتلاءم مع أجواء شمس الصيف وجفاف الرياح، أما القصّات فقد جاءت بخطوط من البساطة والعفوية، لتترجم طبيعة الحياة في العالم الأفريقي المثير، وما تمتلكه من تعدد الأجناس مع غنى العادات والتقاليد والموروثة الشعبية هناك، لتتسم معظم القطع والموديلات بالانسيابية والراحة، مع سلاسة شديدة بالطرح وثراء جلي ومحسوس بالروح والألوان.
مظهر بوهيمي
كان النمط الأفريقي هو السائد في معظم أيام الأسبوع حيث انتهجه الكثير من المصممين الشباب، وحتى في الحالات التي لم يجنح فيها بعضهم إلى المبالغة في استعمال هذه المؤثرات الأفريقية التقليدية، إلا أنها كانت بصورة ما تحوم وتلوح في الأفق، وتبدو ملموسة بشكل أو بآخر خاصة في أسلوب المكياج والتسريحات التي اعتمدتها العارضات السمراوات، أو من خلال وجود الاكسسوارات الكبيرة الملونة مع خاماتها البدائية المميزة، وطريقة صياغتها كقطع فنية بدائية من التمائم والرموز، واللافت في معظم العروض التي قدمت على منصات جوهانسبرج كان فيها المصممون المشاركون متفقين على هذا النهج، وكأن فكرة إمكانية الفشل في مخاطبة الأسواق ومعرفة احتياجاتها لم تراودهم على الإطلاق، معتمدين على دراية وعلم مسبق بإمكانية استيعاب كل مبالغاتهم ومغالاتهم في ما يتعلق بأشكال الاكسسوارات ونوعية المطرزات والزخارف المنفذة يدويا على هذه الموديلات، خاصة أن موضة الاكسسوارات ذات الأحجام الكبيرة والألوان المتضاربة ما تزال مطلوبة وحاضرة بقوة باتجاهات الموضة العالمية وعلى نطاق واسع، لما تتميز به من خيال وإبداع، مع غرابة وبساطة في التشكيل والهيئة، كما أنها تعد قليلة التكلفة لناحية التصنيع مقارنة بالمجوهرات المقلدة الأخرى، لذلك لم يكن غريبا أنها غزت معظم الأسواق وظهرت مؤخرا في أسابيع الموضة الأخيرة حول العالم، مظهرة أشكالا ونماذج تتسم بالأناقة والمعاصرة من أساور وقلائد وأقراط مصاغة من أخشاب الشجر، العاج، العقيق، والأحجار الملونة بألوان القارة السوداء، لتمنح من ترتديها مظهرا بوهيميا متمردا وثائرا، فيه الكثير من التناقض المنسجم.